المهاجر الجديد

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:١١ ص
المهاجر الجديد

روبرت روثورن
ديفيد رييكا

عندما يحاول قادة وسط وشرق أوروبا شرح سبب عدم رغبتهم في قبول اللاجئين، فإنهم يميلون إلى التناقض مع بعضهم البعض ويصر البعض على أن اللاجئين يأخذون الوظائف من المواطنين مما يعني أن اللاجئين مجدون في العمل بينما يشكو آخرون من أن اللاجئين يعتمدون على استحقاقات الرعاية الاجتماعية مما يوحي بأنهم بالكاد يعملون.

إن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، على سبيل المثال يعتقد أن اللاجئين يأخذون الوظائف من المواطنين حيث أنفقت حكومته بين عامي 2015 و 2016 أكثر من 50 مليون يورو (59 مليون دولار) على الإعلانات المضادة للمهاجرين بما في ذلك لوحات إعلانية تحذر المهاجرين من مغبة الاستيلاء على وظائف المواطنين.

وعلى النقيض من ذلك فإن السياسيين التشيك مثل نائب رئيس الوزراء الأسبق أندريه بابيس ووزير الداخلية ميلان تشوفانيك والرئيس الأسبق فاسلاف كلاوس، يصورون اللاجئين والمهاجرين على أنهم أناس مستغلون يستهدفون مزايا الرعاية الاجتماعية السخية ووفقا للرئيس التشيكي الحالي ميلوس زيمان يمكن لجميع هؤلاء الباحثين عن مزايا الرعاية الاجتماعية أن يصنفوا ضمن فئة واحدة وهي «المسلمين».
و على ضوء هذه الصور المتناقضة للاجئين، انتشرت طرفة حظيت بشعبية في أوروبا الوسطى والشرقية يطلق عليها اسم «مهاجر شرويدنجر» و هي مسرحية تتعلق بقطة شرويدنجر التي تصف المفارقة في الفيزياء الكمية والتي يمكن أن يوجد فيها الجسيم في حالتين معاكسين في وقت واحد - مثل القطة المغلق عليها داخل صندوق فهي تعتبر ميتة و حية حتى تتم مشاهدتها.
ووفقا للدراسة الإحصائية الأوروبية فإنه لا يوجد اتفاق يذكر في أوروبا حول ما إذا كان اللاجئين والمهاجرين يأخذون وظائف قائمة أو يخلقون فرص عمل جديدة و لقد قمنا في أودليسنوست (التميز) وهي مجموعة من الأكاديميين والصحفيين بمراجعة 20 دراسة تجريبية لتحديد تأثير المهاجرين على العمال المحليين في أوروبا والشرق الأوسط بين عامي 1990 و 2015 حيث وجدنا أنه لا توجد أدلة تذكر تدعم الادعاء بأن قبول عدد معقول من اللاجئين والمهاجرين من البلدان النامية يحرم العمال المواطنين من العمل.
وبطبيعة الحــال، ما زال يشعر العديد من أولئك الذين لا يعتقدون أن المهاجــرين يأخذون وظائـــف المواطنين بالقلق بأن الوافديــن الجـــدد لا يساهمـــون بما فيه الكفاية في الضرائب و هناك بعض الحقيقة في ذلك حيث تشمل الحصة المتزايدة من المهاجرين الوافدين من البلدان النامية العديد من العمال الأقل تعليما ولا سيما من النساء حيث يمكن أن يقلل ذلك من الدخل ومعدل القوى العاملة الإجمالي للمهاجرين.
يساهم كل من المهاجرين من ذوي المهارات العالية والمهاجرين من ذوي المهارات المنخفضة في التقسيم الفعال للعمل في البلدان المضيفة لهم لأن الاختلافات الثقافية تجعل من الصعب عليهم التنافس مع السكان المحليين و قد أظهرت الدراسات التي قمنا بها أن المهاجرين من البلدان المجاورة بالكاد يضغطون من حيث انخفاض أجور المواطنين من ذوي المهارات المنخفضة إلا بمقدار ضئيل بينما يختفي هذا التأثير السلبي بالنسبة للمهاجرين من دول بعيده.
إن الناس بشكل عام من مختلف الثقافات يجلبون مهارات مختلفة وأفكار جديدة إلى الاقتصاد المضيف وتوجد أدلة جوهرية تشير إلى أن التنوع في مكان الميلاد داخل القوى العاملة المتعلمة من الكليات في بلد ما يرتبط ارتباطا إيجابيا بالإنتاجية والنمو الاقتصادي. لقد أسس المهاجرون من الجيل الأول أو الجيل الثاني في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 40 % من شركات فورتشن 500 بما في ذلك جوجل وأبل وأمازون.
وهذا ليس مفاجئا حيث يميل المهاجرون بعد كل شيء إلى أن يكونوا أكثر تعليما من مواطنيهم في الوطن وفي النمسا في العام 2015، كانت نسبة طالبي اللجوء السوريين والعراقيين الذين حصلوا على تعليم جامعي هي نفسها النسبة الموجودة لدى السكان الأصليين وبالنظر إلى ذلك، فإن المهاجرين من دول بعيدة يمكن أن يسهموا في الاقتصاد بشكل اكبر من المهاجرين من البلدان المجاورة.
يقوم باحث الاقتصاد في جامعة لوفان فريديريك دوكيه وزملاؤه ببحث الأثر الاقتصادي الذي يتركه المهاجرون من البلدان النامية على ميزانيات البلد المضيف والأجور والأسواق الاستهلاكية و قد وجدوا في دراسة قادمة عن المهاجرين الذين وصلوا إلى 20 بلدا من بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بين عامي 1991 و 2015 أن المواطنين قد استفادوا كثيرا من مساهمات المهاجرين.
وحتى في الوهلة الأولى، يبدو أن الحجة التي كثيرا ما يستخدما السياسيون المناهضين للمهاجرين بأن اللاجئين والمهاجرين يأتون إلى البلدان الأوروبية لاستغلال برامج الرعاية الاجتماعية الخاصة بها تبدو غريبة و ينظر إلى ألمانيا والسويد عموما على أنهما يتمتعان بأكبر قدر من المزايا السخية للمهاجرين ولكن لا يوجد تدفق موحد للناس تجاه هذين البلدين و قد فر السوريون في عام 2016 إلى ألمانيا والدول الإسكندنافية ولكن كثيرا ما كان الإريتريين يتوجهون إلى سويسرا وقدم العديد من الأفغان طلبات للجوء في هنغاريا.
يقول الاقتصاديون الذين يحللون هذه المسألة من خلال «نظرية الأفضليات المكشوفة» أن طالبي اللجوء هم صناع قرار تحليليون يبحثون عن بلدان مثل ألمانيا بسبب انخفاض معدل البطالة فيها ولكن الباحثين الذين درسوا البيانات غير الاقتصادية بما في ذلك ردود المهاجرين على الاستقصاءات لديهم أسباب وجيهة للشك في هذا الافتراض.
لقد تبين أن طالبي اللجوء عادة ما يكون لديهم القليل من المعرفة بأوضاع سوق العمل في البلد أو استحقاقات الرعاية الاجتماعية قبل وصولهم بل هم عادة ما يسترشدون بظروف رحلتهم و يميلون عندما يختارون بوعي بلد ما إلى البحث عن أماكن يعيش فيها مواطنوهم أو أقاربهم أو حيث يعرفون اللغة بسبب العلاقات الاستعمارية السابقة.
يمكن أن من البديهي أن يميل اللاجئون إلى بلدان ذات إجراءات أسرع وأكثر سخاءا بالنسبة للجوء ولكن الدراسات فشلت مرارا وتكرارا في إقامة أي علاقة ذات معنى بين توفير الرعاية الاجتماعية واختيار اللاجئين للمقصد الذي يتوجهون إليه علما أن المعلومات القليلة التي يمتلكها اللاجئون في كثير من الأحيان عن سياسات اللجوء المختلفة تقوم على شائعات عادة ما يحصلون عليها من المهربين الذين لا يهتمون كثيرا بمصالحهم.
ولا شك في أن السياسيين المؤيدين لتوطين الوظائف بالولايات المتحدة الأمريكية سوف يرفضون «مهاجر شرودنجر» باعتبارها مسألة ليبرالية ولكن ستظل هذه الطرفة تحظى بالشعبية طالما يختبئ المؤيدون لتوطين الوظائف وراء لغة الاقتصاد الشعبي حيث ينبغي مناقشة الهجرة على أساس المعطيات وليس من خلال سياسات الخوف.

روبرت روثورن: أستاذ فخري في الاقتصاد في جامعة كامبريدج

ديفيد رييكا: محرر وشريك مؤسس لمؤسسة أودليسنوست.