جدار ترامب الحدودي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:١١ ص

سيمون جونسون

عندما كان مرشحًا لرئاسة الولايات المتحدة، أصر دونالد ترامب على قضية واحدة شخصية في المقام الأول: فالولايات المتحدة ستقيم جدارًا على طول حدودها مع المكسيك، وسوف تتحمل المكسيك تكاليف بنائه. ولكن بعد مرور سبعة أشهر منذ تولى منصبه، لم يحرز ترامب أي تقدم على أي من الجبهتين: فالدعم السياسي لبناء جدار جديد يتضاءل على نحو متزايد، وتظل احتمالات أن تدفع المكسيك أي شيء لبناء هذا الجدار صِفرا في الأساس، ويبدو الأمر خارج أجندتها تماما.

والآن، يضاعف ترامب جهوده ــ ويهدد بتعطيل الحكومة، أو حتى التخلف عن سداد الديون الفيدرالية، ما لم يوفر الكونجرس التمويل لبناء الجدار الذي وَعَد بأنه لن يكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة شيئا. وإذا أصر ترامب على تصعيد هذه المواجهة، فمن المرجح أن تتراكم التكاليف الملقاة على عاتق الأمريكيين ــ عدم اليقين الاقتصادي وتباطؤ النمو.

الواقع أن المبالغ المالية المطلوبة ليست ضخمة نسبة إلى الحجم الإجمالي للحكومة الأمريكية. ففي أولى ميزانيات ترامب لعام كامل، كان الإنفاق الأولي على الجدار مقدرا بنحو 1.6 بليون دولار، وكان تقدير الرئيس أن تبلغ التكلفة الإجمالية 12 بليون دولار (وإن كانت تقديرات أخرى أعلى كثيرا). ومقارنة بإجمالي إنفاق الحكومة الأميركية الذي بلغ 3.9 تريليون دولار في العام 2016، تُعَد هذه التكلفة قطرة في دلو. تتعلق الحجة هنا بالمبادئ: فما الذي قد يتحقق من بناء الجدار الحدودي حقا من الناحية العملية، وإلى أي شيء يرمز؟ ولكن القواعد الدقيقة التي تحكم الإنفاق تحدد الكيفية التي قد تتوالى بها فصول هذه الحجة. يتمتع الرئيس ببعض السلطة التقديرية في ما يتصل بالإنفاق ــ وقد حولت وزارة الأمن الداخلي بالفعل الأموال من برامج أخرى لتغطية تكاليف تطوير النماذج الأولية. لكن دستور الولايات المتحدة يحتوي على مبدأ جوهري مفاده أن الكونجرس يسيطر على القواعد التي تحكم الإنفاق ــ بمعنى أن الإنفاق التقديري، مثل النفقات المخصصة للجدار الحدودي، تخضع لعملية الاعتمادات الرسمية. وبناء جدار حدودي، أو تمديد الجدار القائم بالفعل هناك بشكل كبير، ليس في حكم الممكن من دون موافقة الكونجرس.
الواقع أن عملية الاعتمادات معقدة وليست شفافة لغير المطلعين دائما. ومن المفترض أن تُجاز الاعتمادات بحلول الأول من أكتوبر (بداية السنة المالية للحكومة). ولكن هناك الآن تقليد «القرارات المستمرة»، الذي يوفر التمويل لجزء فقط من العام. ومن الممكن أن توفر مشاريع قوانين الاعتمادات التكميلية تمويلا إضافيا في أي وقت في الاستجابة لحالات بعينها ــ بعد حدوث إعصار كبير، على سبيل المثال.
يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وقد وافق مجلس النواب بالفعل على ما يريده ترامب بالضبط عندما يتعلق الأمر بالجدار ــ حيث ضمت حزمة الإنفاق الأوسع بقيمة 788 بليون دولار مبلغ 1.6 بليون دولار، وبالتالي فلم يكن من الضروري مناقشة مسألة الجدار بشكل منفصل.
بموجب القواعد الحالية، يتطلب الأمر 60 صوتا في مجلس الشيوخ الذي يتألف من 100 عضو لتمويل الجدار، وقد تمكن الديمقراطيون، الذين يشغلون 48 مقعدا، من استبعاد هذا البند بالفعل من مشروع قانون الإنفاق الصادر في وقت سابق من هذا العام، والذي مول الحكومة حتى الثلاثين من سبتمبر.
الآن أصدر ترامب إنذارا نهائيا: إما تمويل الجدار أو مواجهة تعطيل الحكومة الفيدرالية ــ وهذا يعني أنه والجمهوريين سوف يرفضون إبرام أي اتفاقيات اعتماد بحلول الأول من أكتوبر. أو ربما يصبح الجدار جزءا من المواجهة حول كيفية رفع سقف ديون الحكومة الفيدرالية، ومن المرجح أيضا أن يأتي الموعد النهائي للقيام بهذا في نهاية سبتمبر تقريبا.
وما يزيد المسألة تعقيدا على تعقيد أن بعض الجمهوريين في الكونجرس ــ مثل السناتور بول راند من ولاية كنتاكي وعضو الكونجرس مارك ميدوز ــ لا يعارضون كما يبدو تفعيل شكل ما من أشكال العجز الجزئي أو غير ذلك من التخلف عن سداد الدين من قِبَل حكومة الولايات المتحدة. ولنتذكر هنا أن جون بوينر تنحى من منصبه كرئيس لمجلس النواب في العام 2015 على خلفية صراعات مماثلة على الموازنة مع الجناح اليميني في حزبه.
سوف يكون تأثير التخلف عن سداد الدين كارثيا، ويبدو من غير المرجح حتى الآن أن يبلغ ترمب من الحماقة حدا يجعله يقدم على هذا. ولكن جولدمان ساكس، وهو بنك يمتع بارتباطات سياسية قوية، يرى أن احتمالات تعطيل الحكومة تبلغ 50/‏50 ــ ارتفاعا من نحو 30% في مايو.
لا شك أن تعطل الحكومة باهظ التكلفة، وهو يؤثر على الخدمات والمدفوعات المحتملة للموردين والمواطنين. ولكن الساسة لا يعرفون أبدًا على وجه التحديد من قد يتحمل اللوم، وبأي قدر، إلى أن يحدث التعطل بالفعل. ورغم أن هذا النهج لم يسر على ما يرام بالنسبة للجمهوريين سواء في الفترة 1995-1996 أو في عام 2013، فهناك بالفعل في الحزب بعض الراغبين في تجربته مرة أخرى.
وتكاليف تعطيل الحكومة التي يتكبدها الاقتصاد سلبية بكل تأكيد. ولكن في حين يشبه التخلف عن سداد الديون من قِبَل الحكومة الفيدرالية السقوط في الهاوية، فإن تكاليف تعطيل الحكومة تتراكم بشكل أكثر تدرجا بمرور الوقت. ويبدو الأمر متسقا تماما مع شخصية ترامب والأسلوب الذي قد يحاول به إدارة مثل هذه المناورة والانتظار ليرى كيف قد تستقبلها قاعدته الانتخابية (التي تتضاءل ببطء).
بطبيعة الحال، هناك العديد من العناصر غير المحسوبة ــ بما في ذلك العلاقة السيئة ظاهريا بين ترامب وميتش مكونيل، الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ. وربما تكون الفيضانات الهائلة في ولاية تكساس ــ والدور المساعد المهم الذي تستطيع الحكومة الفيدرالية أن تضطلع به ــ كافية أيضا لإقناع البيت الأبيض بأن الآن ليس الوقت المناسب للمزيد من الارتباك والتعطيل.
هناك أمر واحد مؤكد: وهو أن المكسيك لن تدفع ثمن الجدار الحدودي. والأمر الأقل وضوحا هو الثمن الذي قد يضطر الأميركيون إلى دفعه ــ في ظل عدم اليقين، والارتباك، بل وحتى تعطل الحكومة ــ إذا بنيت نسخة ترامب من الجدار في أي وقت.

كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقا

وأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سلون