شركة آبل وسرّ تراجع تأثيرها في قطاع الهواتف الذكيّة

مزاج الاثنين ٢٢/فبراير/٢٠١٦ ١٨:٥٩ م
شركة آبل وسرّ تراجع تأثيرها في قطاع الهواتف الذكيّة

تعدّ “آبل” من النماذج العجيبة في تحويل استراتيجيّة الاختراق إلى وصفةٍ للنجاح مع مرور الوقت. حين أطلقت شركة “آبل” هاتف “آيفون” عام 2007، أخذت بعض الوظائف التي كانت تقتصر على تقديمها بعض أجهزة الهاتف المحمول وجعلتها “آبل” متاحة لملايين المستهلكين. وفي النسخ التالية لـ”آيفون” ظهرت بعض التطويرات الجديدة، إذ تمّ تقديم نظام المهامّ المتعدّدة (المصمم خصيصاً للتطبيقات)، كما اشتمل “آيفون 5” على تطبيقات تعتمد على لغات برمجة أخرى مثل Xcode و iOS SDK، كما عملت الشركة على إطلاق نسخ من هذه الأجيال من الهواتف ساعية إلى تحسين التطبيقات الجديدة فيها (وذلك في أجهزة آيفون 4 إس، و آيفون 5 سي، وغيرها).

لكنّ القصة لا تقف عند الابتكارات التقنيّة التي أبدعتها شركة “آبل”. فكّر بالأمر من هذه الناحية: معظم التطبيقات المتعلقة بالصحة والتي يمكن أن تجدها في متجر التطبيقات هي ابتكارات تقنيّة مذهلة. فيمكنك مثلًا أن تفحص أو تراقب نفسك وحالتك الصحّية بطرق كانت ستكلف الكثير من الوقت أو المال لولا هذه التطبيقات الجديدة. لا شكّ أنّها ليست بجودة الذهاب إلى الطبيب طبعًا، ولكنّ تطبيقات آبل المتعلقة بالصحّة تساعد النّاس بالفعل على مراقبة حياتهم بشكل يكفي على الأقلّ لتحديد ما إذا كانوا يعانون من مشكلة ما. وهذا ما يجعل لهذه التطبيقات قيمة وأهمّية. وتعرف هذه الطريقة في استراتيجيّات “الاختراق” بعملية “اختراق السوق الجديدة” وتتمثّل بالدخول إلى قطاع ما، كقطاع الصحّة في هذه الحالة. ففي الماضي لم يكن الناس قادرين على متابعة أمورهم الصحيّة بشكل مستمر إمّا لعدم امتلاكهم المهارات اللازمة لذلك، أو بسبب الانشغال أو قلّة المال أو صعوبة الوصول إلى الطبيب. أمّا الآن فالحال قد تغيّرت وصار في إمكانهم فعل ذلك.

واتّبعت شركة “آبل” هذه الإستراتيجية مع قطاعات أخرى، وكانت ترغب في إيصال رسالة واضحّة وقويّة للمستهلكين: اشتروا أحدث نسخة من الآيفون لأنّ كل نسخة جديدة تمنحكم إمكانيات جديدة- وستوفّرون الوقت والمال في العديد من المجالات في حياتكم. وكانت استجابة المستهلكين كبيرة لهذا العرض الجذّاب، وهذا ما جعل “آبل” بقيادة ستيف جوبز تحقق الريادة في قطاع الهواتف الذكيّة ودفعت بهذا القطاع لينمو بهذه السرعة الهائلة. لقد ذكرت في مقالة سابقة أنّ شركة “آبل” هي الشركة “العتيدة” الرائدة التي تحرّك قطاع الهواتف الذكيّة بأكمله لينمو ويتطوّر كلّما طرحت في السوق منتجًا جديدًا مع الاستمرار في عملياتها لاختراق القطاعات الأخرى.

لكن بعد رحيل ستيف جوبز ظهر “آيفون 6” الذي غيّر قواعد اللعبة في شركة “آبل”، وليس هذا التغيير للأحسن هذه المرّة. لقد كانت زيادة حجم الشاشة التعديل الأساسي الذي جرى على “آيفون 6 أس” بعد “آيفون 5”. ومعروفٌ أنّ حجم الشاشة ليس سوى سمة سائرة في قطاع الهواتف الذكيّة قد أقدمت عليه شركات أخرى قبل “آبل”، وهي سمة يقدّرها المستهلكون بالتأكيد، ولكنّها تبقى غير قادرة على إحداث ذلك الاختراق الذي حققته أجيال الأيفون السابقة في قطاعات مختلفة

ترى الشركة من منظورها أنّ تحسين سمة نموذجيّة ما هو أمرٌ معقول تماماً لما يترتّب عليه من عوائد ماليّة. فالشركة لا تحتاج إلى إقناع المستهلكين بالمزايا التي تأتي مع شاشة أكبر، لذا فالتوفير يحصل على مستوى التسويق أولاً، ويحدث الأمر ذاته في عملية الإنتاج بأكملها ويتمّ توفير الكثير من الأموال عبر جميع حلقات عرض المنتج وتوزيعه. ولعلّ كون الشاشة الأكبر سمةً مفضّلة لدى المستهلكين وأنّها لم تكلف الشركة كثيرًا لتطويرها وإطلاقها يفسّر العائدات القياسيّة التي حققتها مبيعات “آيفون 6”.

ولكنّ الصورة على المدى البعيد قد لا تكون بهذا القدر من الإيجابيّة. إنّ إستراتيجيات الاختراق التي أسهمت في نجاح شركة “آبل” في مواكبة النموّ مع القطاعات الأخرى قد صارت تستخدم من قبل شركات أخرى في قطاع الهواتف الذكيّة، فالمنافسة على أشدّها في هذا السوق، ولا شكّ أن سامسونج قد كانت أول المنافسين، وهنالك الآن شركة شاومي وغيرها الشركات التي تقدّم مزايا مشابهة في هذا القطاع.

ولكنّ الوضع لم يتغيّر كثيرًا حتّى الآن. ففي عالم الهواتف الذكيّة لم تتمكّن سامسونج بشكل عام من اختراق قطاعات أخرى بالطريقة التي فعلتها “آبل”، واكتفت بمجاراة ابتكارات “آبل” وإصدار منتجات أقلّ تكلفة مع التأكيد على سمات معياريّة للمنتجات، ولاسيّما حجم الشاشة. وبما أنّ “آبل” قد دخلت الآن مضمار المنافسة بمعايير مشابهة لتلك التي لدى سامسونج وشركات أخرى، فإنّ السوق قد بات خاليًا من شركة مبتكرة قادرة على خلق أسواق جديدة. ويبدو أنّ “آبل” وسامسونج وغيرها من الشركات عالقة الآن في منافسة محتدمة للحفاظ على الاستدامة على صعيد الابتكارات، وهذه منافسة تقليدية على مستوى تحديد الأقدر على إنتاج هواتف أفضل، ولكنّها لا تحقق المنفعة للمستهلكين بالطريقة نفسها.

ولعلّه من سوء حظّ “آبل” أنّ التحوّل على مستوى إستراتيجياتها وعزمها على الانخراط في المنافسة التقليدية مع الشركات الأخرى بدل الاستمرار في ريادة القطاع لا يعدّ تطورًا مبشّرًا. وفي هذه الأحوال يواجه المسؤول الفشل الحتميّ، وأوّل الإشارات المبكّرة لهذا الفشل هو عدم قدرة المسؤول على فهم البيئة التنافسيّة التي يعمل بها. فقد صرّح تيم كوك الرئيس التنفيذي ل”آبل” قائلًا: “إننا نشهد ظروفًا عصيبة جدّا على جميع الأصعدة وهذا أمر لم نواجه مثله من قبل أبداً.”

نهايةً لا بدّ أن ندرك أنّ التراجع الملحوظ في مبيعات الهواتف الذكيّة لا يعني بالضرورة أنّ القطاع يتّجه نحو مزيد من النضج، فمعدّل نموّ القطاع هو نتيجة لأنشطة الشركات العاملة فيه. فإن كانت الشركة التي كانت تتولّى ريادة نمو القطاع قد توقّفت عن اختراق قطاعات أخرى، فلك أن تتوقّع حدوث تراجع في معدّل النموّ فيه. كما يجب أن نعلم في المقابل أنّ توقّف “آبل” عن اختراق قطاعات أخرى بهواتفها الذكيّة لا يعني أنّه لم يعد هنالك قطاعات جديدة ليتمّ اختراقها، بل العكس صحيح، وأنا أعتقد أنّه ما يزال أمام الهواتف الذكية الكثير من القطاعات التي يمكنها اختراقها والتأثير بها، لتحقيق منافع أكبر للمستخدمين، وهذا هو السبب الذي يجعلني أحلم بأنّ ترجع “آبل” “العتيدة” إلى سابق عهدها.
المصدر:وكالات