ضبط النفس مع الأعداء

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
ضبط النفس مع الأعداء

كريستوفر هِل

في وقت سابق من هذا الشهر، مرت بضعة أسابيع دون إطلاق كوريا الشمالية أي صواريخ أو اختبار الأسلحة النووية. وكانت تلك الفترة القصيرة التي انتهت منذ ذلك الحين كافية لإلهام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بأن يعلن أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون أظهر «ضبط النفس». إلى حد ما، قد يكون على حق.

ومما لا شك فيه أن الادعاءات القائلة بأن الشمال قد أبدى ضبط النفس كانت سابقة لأوانها بشكل واضح: فقد أطلقت كوريا الشمالية منذ ذلك الحين ثلاثة صواريخ باليستية قصيرة المدى من ساحلها الشرقي إلى البحر، وأطلقت، بشكل أشد، صاروخا باليستيا فوق شمال اليابان. إن تفاؤل تيلرسون بشأن هذا التوقف القصير يعكس دور الدبلوماسيين في طمأنة الحلفاء - وفي حالة تيلرسون، طمأنة رئيسه، الرئيس دونالد ترامب - وتخفيف التوترات مع الأعداء.
ومع ذلك، من المرجح أن تيلرسون على حق أن كوريا الشمالية مستعدة للتحدث إلى الولايات المتحدة - ولكن فقط كدولة مالكة للأسلحة النووية، غير أن زعماء البلاد غير مستعدين بشكل واضح لتلبية متطلبات أمريكا نفسها بأن تقوم المفاوضات على الالتزامات الدولية التي تم التعهد بها في العام 2005، في نهاية الجولة الرابعة من المحادثات السداسية.
ومن بين هذه الالتزامات، التي تضمنها بيان مشترك صدر في نهاية المحادثات، تخلي كوريا الشمالية عن «جميع الأسلحة النووية والبرامج النووية القائمة». وفي المقابل، فإن المشاركين الخمسة الآخرين في المحادثات (الصين واليابان وروسيا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة) من المفترض أن يزودوا كوريا الشمالية بالمساعدة الاقتصادية والاقتصادية، مع احترام سيادتها، والسعي إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية. واتفق المشاركون الخمسة على التزاماتهم، لكن كوريا الشمالية رفضت الاتفاق في العام 2009.
ووفقا لما ذكره النقاد فان فرض «شرط مسبق» على الشمال لاحترام التزاماته الأصلية سيمثل ضربة قاضية لإجراء محادثات جديدة. والواقع أن نظام كيم لم يُبد أي اهتمام باستئناف العملية السداسية، والغرض المعلن هو جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من الأسلحة النووية. وفي دستورها لعام 2013، أشارت كوريا الشمالية للمرة الأولى إلى نفسها على أنها «دولة نووية».
وأشار تيلرسون بحق إلى سياسة ذات مسارين تجاه كوريا الشمالية. المسار الأول هو الحوار. والثاني هو الضغط من خلال العقوبات وغيرها من التدابير الرامية إلى عزل كوريا الشمالية وإقناع قيادتها بأنه لا مستقبل لها بامتلاك أسلحة نووية.
وعقب اختبارات كوريا الشمالية لصاروخها الباليستي العابر للقارات الشهر الفائت ركز تيلرسون وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي على المسار الثاني والعمل مع أعضاء مجلس الأمن الآخرين لفرض عقوبات صارمة ضد الشمال. ويمكن لهذه العقوبات إضعاف الكثير من تجارة كوريا الشمالية مع الصين، وهي تُعد شريان الحياة الاقتصادي لنظام كيم.
لكن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد بشكل مفرط على دول أخرى لتقييد نظام كوريا الشمالية الذي يسعى من وراء الأسلحة النووية إلى امتلاك القوة الرمزية. كما تظهر تجارب قاراتها، فإن الهدف هو تهديد الولايات المتحدة صراحة، لإجبارها على الحد من وجودها في شمال شرق آسيا، وربما حتى إعادة النظر في تحالفاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية.
هذا الهدف الطموح ليس من دون دعم ضمني في العالم: اقترحت روسيا والصين تعليق الولايات المتحدة مناوراتها العسكرية السنوية مع الجنوب مقابل تجميد البرنامج النووي لكوريا الشمالية. ومن شأن اقتراح «تجميد قصد التجميد» أن يؤدي إلى إضعاف التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أكثر مما سيعوق تطوير كوريا الشمالية لسلاح نووي.
ويبرز الاقتراح مدى صعوبة الاستجابة الدولية للقضية النووية لكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن الصين وافقت على العقوبات الأخيرة في مجلس الأمن، هناك شكوك واسعة النطاق حول ما إذا كان هناك توافق داخلي في الآراء حول المستقبل الذي تريده لشبه الجزيرة الكورية. ويبدو أن روسيا، من جانبها، تتبع سياسة خارجية يحفزها السلوك الشيطاني أكثر من المصلحة الوطنية.
ويتعرض حلفاء أمريكا في المنطقة لضغوط شديدة. إن الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة عالقة بين الحاجة إلى إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة والرغبة في فتح حوار مع الشمال. وكما يظهر آخر إطلاق للصواريخ في الشمال، فإن استضافة اليابان للأصول العسكرية الأمريكية تضعها في الخطوط الأمامية للأزمة.
ويتطلب هذا الوضع المعقد دبلوماسية دقيقة وحذرة في أفضل الأوقات، مع استخدام الولايات المتحدة لمختلف وسائل قوتها. ولكن الوقت غير مناسب، حيث إن ترامب متقلب الطبع، نظرا لإصداره تصريحات عشوائية حول هذا الموضوع. وقد دعا هذا إلى تأكيدات من تيلرسون، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، وآخرون الحريصون على التخفيف من آثار التصريحات الحربية - التي صدرت بشكل غير لائق من فضاء نادي ملعب الجولف - حول «النار والغضب».
غير أن تصريحات ترامب حول دور الصين في معالجة المشكلة لا تساعد، لأنها تنطوي على الاستعانة بمصادر خارجية فعالة في عملية التحكم في نظام كيم، مقابل ضمانات اقتصادية وتجارية غامضة. والنتيجة هي تصور عدم جدية أمريكيا حول أخطر التحديات.
وقد جمعت إدارة ترامب كل عناصر استراتيجية حول كوريا الشمالية الفعالة: التعاون مع الصين؛ الضغط على كوريا الشمالية من خلال العقوبات والعزلة وطمأنة الحلفاء، بما في ذلك توفير أحدث الدفاعات المضادة للقذائف الباليستية؛ والرغبة في المفاوضات. وليصبح لأي من هذه الأدوات تأثير، يجب أن تُستخدم بشكل متضافر ودقيق ومتناغم- وهو نوع من الكفاءة السياسة التي لم تتقنها إدارة ترامب إلى حد قريب.
وبهذا المعنى، فإن التحدي في كوريا الشمالية ليس مجرد أزمة نووية. إنها أزمة نوعية القيادة الأمريكية. كثيرون واعون بالمشكلة، ولكن لا أحد يعرف حتى الآن كيفية التغلب عليها.

مساعد وزير الخارجية الأميركية الأسبق لشئون شرق آسيا