العالم يسرق أمريكا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
العالم يسرق أمريكا

كويتشي امادا

أثار نهج الرئيس دونالــد ترامـــب المتقلــب قلقًا كبيرًا حول مستقبل الولايـــات المتحـــدة. ومع ذلك، فإن أداء البورصة في أمريكا كان جيدًا منذ انتخاب ترامب، وقد تراجع حين بدا أن مستقبل إدارته السياسي غير مستقر. لكن، من الناحية الاقتصادية، قد يتميز نهج ترامب ببعض الصفات الجيدة.

منذ البداية، حافظت إدارة ترامب على موقف مؤيد للأعمال التجارية، تجسيدًا لالتزامه بإلغاء القيود التنظيمية، مما رفع الآمال بين المستثمرين حول انتعاش الولايات المتحــدة والاقتصادات العالمية. ومن المؤكد أن الجهود المبذولة للتراجع عــن حماية البيئة سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إلحاق ضرر جسيم بالولايات المتحدة حتى لو سمحت لبعض الشركات بتحسين أرباحها على المدى القصير. غير أن حرص إدارة ترامب على تحرير الأسواق المالية من القيود الشديدة قد يعود بالفائدة على الجميع.

عندما تصبح القوانين مزعجة للغاية، فإنها يمكن أن تضر أكثر مما تنفع. ويُعد قانون دود-فرانك لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك، الذي تم توقيعه من قبل الرئيس باراك أوباما في العام 2010 مثالًا جيدًا. ويتضمن تشريع دود-فرانك قواعد عرقلت أداء السوق النقدية الدولية: فبسبب زيادة تكاليف التمويل بالدولار الأمريكي للبنوك الأجنبية، تخلت القاعدة عن ما يسمى بتكافؤ الفوائد المغطاة.
أما بالنسبة لليابان، فقد قوض ذلك انتقال التسهيلات النقدية في الأسواق المالية الدولية، وأصبحت آلية متوترة بالفعل بسبب المستثمرين الذين يتخوفون من المخاطرة ويلجئون إلى الين الياباني كعملة الملاذ الآمن. ومع قيام ترامب بإزالة القوانين المزعجة وببعث الثقة في سوق الأسهم، قد يتمكن بنك اليابان أخيرا من الحد من تقدير الين، مما سيحفز التضخم والعمالة والبورصة.
وهناك سبب آخر للتفاؤل بشأن الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية، ويتمثل في خطة ترامب البالغة تريليون دولار لإعـــادة بناء البنية الأساسية الأمريكية. ولسوء الحظ، فإن موقف ترامب حول عنف المتمرد الأبيض في شـــارلوتسفيل، فيرجينيا، دمر في وقت فائت من هـــذا الشهـــر آثـــار النوايــا الحسنـــة التي كان قد حصل عليها في الكونغرس الأمريكي. وبعد تفكيك مجلسين استشارييـــن للأعمال في أعقاب حادثة شارلوتسفيل، بعد استقالة الرؤساء التنفيذيين المنتقدين لرد ترامب، تم أيضا إسقاط خطط إنشاء مجلس استشاري للبنية الأساسية.
ولكن الفوضى السياسية بعيدة كل البعد عن التهديد الوحيد المحتمل لنجاح ترامب الاقتصادي. وتستند سياسة إدارته التجارية إلى مفاهيم خاطئة. ويبدو أن ترامب ومستشاريه يعتقدون أن التجارة الثنائية المتوازنة هي الصحيحة وبالتالي مستحبة. والواقع أنه من الصعب جدا تحقيق هذا التوازن في نظام تجاري مفتوح، كما أن متابعته ستكون ضارة، لأنه سيقوض المنافع العامة المكتسبة من التجارة.
بعد الحرب العالمية الثانية، قوض التضخم المرتفع في اليابان الثقة في استقرار الين، مما دفع الكثير من اليابانيين إلى المقايضة. فعلى سبيل المثال، قايض سكان طوكيو الثياب الثمينة، من فساتين الزفاف إلى الكيمونو الناعم، مع المزارعين الريفيين، بالأرز والخضروات. وقد نجح هذا النظام، لأنه في ذلك الوقت، كان الطلب والعرض يتطابقان تماما. ولكن هذا التوازن كان مجرد مصادفة؛ وكان من غير المتوقع أن يتحمل الظروف الاقتصادية المتغيرة. وهذا هو السبب في عدم كفاءة اقتصادات المقايضة - وبالتالي فهي باطلة. وتستخدم الأنظمة الحديثة المال كمخزن للقيمة،أو كحاجز، مما يعني استحالة إيجاد أي توازن مثالي بين العرض والطلب، أو عدم تمكين جميع الجهات الفاعلة من الحصول على ما تحتاجه من التجارة.
وبينما يحاول ترامب إعادة التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة بين أمريكا الشمالية وكندا والمكسيك، سيكون من الجيد أن يتذكر ذلك. وكما هو الحال الآن، تبدو إدارته حريصة على فرض قيود على الواردات الأمريكية من دول نافتا. إذا كان الشيء الوحيد الذي تغير حول سلوك أعضاء نافتا هو أن تصديرها إلى الولايات المتحدة قل، فيمكن أن يستفيد العمال الأمريكيون، والمزارعون أو الشركات المصنعة الأمريكية - بما في ذلك الكثير من قاعدة ترامب الانتخابية الخاصة - التي أصبحت أكثر قدرة على المنافسة في السوق الأميركية.
ولكن هذا لن يحدث. وبدلا من ذلك، فإن شركاء أمريكا الشمالية في نافتا سوف يستجيبون استراتيجيا للقيود المفروضة على صادراتهم، وتعديل علاقاتهم التجارية مع بعضهم البعض ومع الآخرين، من أجل التخفيف من تأثير ضوابط الاستيراد الأمريكية. وقد يؤدي السلوك الحمائي من قبل الولايات المتحدة إلى اندلاع حرب تجارية، كما حدث بعد إدخال تعريفة سموت-هاولي في العام 1930، وفي هذه الحالة سيخسر الجميع.
ولتطوير سياسة تجارية أكثر فعالية، على إدارة ترامب أن تكون على علم بأرصدة الحسابات الجارية. وقد أدان ترامب بعض الدول مثل الصين وألمانيا لأنه يرى فائضها كنتيجة مباشرة لعجز أمريكا. وهو يعتقد أنها «تسرق» الولايات المتحدة بشكل ما - تستفيد من سوق أمريكا، في حين تقوض القدرة التنافسية لشركاتها.
ولكن كما قال مارتن فلدشتاين وجورج شولتز مؤخرا: «إذا استهلك بلد ما أكثر مما ينتج، فإنه يجب أن يستورد أكثر مما يصدر. هذه ليست سرقة؛ هذه هي المعادلة». وفي الواقع، إذا تمكنت الولايات المتحدة من التفاوض على تخفيض الفائض التجاري الصيني اتجاه الولايات المتحدة، فإن هذه الأخيرة سوف تضطر ببساطة إلى زيادة عجزها مع بعض البلدان الأخرى للتعويض عن ذلك.
إن الطريق الأفضل لفهم فائض الحساب الجاري (أو العجز) هو اعتباره كمقياس لادخار البلد (أو تناقص المدخرات) للمستقبل. وبعبارة أخرى، يعكس الحساب الجاري للبلد كيفية تخصيص دخله بين الحاضر والمستقبل. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد خفض العجز الخاص بها، عليها الزيادة في التوفير.
ولا شك في أن الولايات المتحدة تواجه تحديات سياسية خطيرة، تفاقمت بسبب إدارة متقلبة ومتهورة ومسببة للشقاق. ولكن من الناحية الاقتصادية، ما زال البلد يحافظ على توازنه. إذا كان صناع السياسة في الولايات المتحدة حسب اعتقادي، يريدون حقا تعزيز الاقتصاد، فهم في وضع جيد للقيام بذلك، ولن يستفيد سوق الأسهم فحسب، بل المواطنون الأمريكيون أيضا.

المستشار الاقتصادي الخاص لرئيس الوزراء الياباني

شينزو آبي وهو أستاذ فخري في علم الاقتصاد
في جامعة ييل وفي جامعة طوكيو