إلى أي وجهة يمضي اليمن؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
إلى أي وجهة يمضي اليمن؟

علي ناجي الرعوي

سؤال بديهي وجوهري هو الأكثر تداولًا حاليًا على ألسنة اليمنيين والأكثر شيوعًا فيما بينهم، وهم يرون بلدهم يتخبط للعام الثالث في متاهة صراعات عسكرية وسياسية وجهوية ويغرق في مهاوي حرب داخلية وخارجية ملتبسة الأهداف والأجندات يتقاتل فيها الكل ضد الكل بغض النظر عن حقيقة من هو المدافع، ومن هو المهاجم بعد أن فرض السلاح منطقه وواقعه وأدواته واختلفت الأوضاع بل والمفاهيم ليتحول الصراع في هذا البلد إلى كابوس يثقل كاهل جميع المنخرطين في تفاصيله من القوى المحلية وكذا الإقليمية على نحو سواء.

لا ريب أن طرح هكذا سؤال يقودنا إلى تعقيدات وانفعالات واقع الصراع في اليمن والذي تتشابك فيه خيوط التناحر والتجاذب والاستقطاب إلى درجة يصبح فيه المشهد برمته أشبه بالملهاة الأغريقية التي لا وجود فيها لبقعة ضوء ترشد المتعاركين إلى طريق الخلاص من ذلك الحريق الذي ما انفك يزداد اشتعالا وتصاعدا وانفلاتا بفعل تقاطع مصالح حلفاء (عاصفة الحزم) على الساحة اليمنية واحتدام التنافس بين الفرقاء المحليين الذين يطمح كل منهم أن يكون له النصيب الأوفر من غنائم الحرب وأن يفوز بالقسم الأكبر في خارطة النفوذ والسيطرة في عقاب أية تسوية قادمة.

ما تفصح عنه تطورات الأحداث وأطور التصعيد التي يشهدها اليمن لا تنبئ على الإطلاق باحتمال حدوث اختراقات إيجابية تدفع بالأوضاع في هذا البلد نحو سكة الحل السياسي الذي يمر عبر مصالحة وطنية يشارك فيها كل اليمنيين دون استثناء ويغدو مثل هذا الفعل اكثر صعوبة إذا ما علمنا أن القوى الداخلية المثقلة بالصراعات والشكوك وعدم القبول لبعضها البعض هي من تظهر اليوم عاجزة عن تجاوز خلافاتها والتوافق على مبادرة ذات معنى سياسي لحل الأزمات المتراكبة في وطنها وبدء صفحة جديدة تفتح الباب أمام خيار السلام والتفاوض السياسي وعودة الاستقرار الى بلد يموت اليوم بالحرب والمجاعة والأوبئة الفتاكة والصراعات الأعظم تدميرًا والأقدر على الخراب.
ما يفهم من هذه الخلفية هو أن معادلة السلام باتت مرتبطة بشكل أساسي باتفاق أربعة فاعلين رئيسيين دون إغفال أي منهم أولهم جماعة أنصار الله والتي تعد اليوم أكثر قوة وشعبية أيضا على الأقل في شمال اليمن بعد أن نجحت هذه الجماعة في العامين الفائتين من استمالت قطاع واسع من رجال القبائل، وكذا قادة في الجيش كانوا قد قاتلوا ضدها في الماضي لدعم سلطتها ونفوذها في العديد من المناطق والمحافظات بما فيها العاصمة صنعاء والفاعل الثاني هو الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وحزبه السياسي المؤتمر الشعبي العام حيث مازال صالح وحزبه يمثلان قوة لا يستهان بها على الساحة اليمنية ومع بدء (عاصفة الحزم) اصطف صالح وحزبه إلى جانب حركة أنصار الله في مواجهة التدخل العسكري العربي إلا أن هذا التحالف تعرض في الآونة الأخيرة للعديد من الهزات نتيجة بروز بعض الهواجس في علاقة المكونين بما قد يفضى في نهاية المطاف إلى فك الارتباط بينهما كما يراهن البعض.. أما الفاعل الثالث فهو التجمع اليمني للإصلاح الذي يجري ربطه في كثير من الأحيان بالإخوان المسلمين فهذا التنظيم لا شك وأنه من ينافس في شعبيته الفاعلين السابقين إلا أنه تعرض في الفترة الأخيرة لضربات موجعة من قبل جماعة أنصار الله قبل أن يجد نفسه متحالفا مع سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي وداعما لعاصفة الحزم ومع ذلك فهو من يظهر اليوم مهمشا ومنبوذا من قبل أطراف داخلية وخارجية بما يجعله في وضعية لا يحسد عليها.. فيما يأتي الفاعل الرابع ممثلا بالحراك الجنوبي الذي يشجع على انفصال الجنوب عن الشمال حيث أصبح هذا التيار الذي انضمت إليه بعض القوى السلفية يشكل محورًا أساسيًا في المعادلة الجديدة التي تحرك مسار الصراع في اليمن مع أنه الذي لم يكن له أي تأثير في الخارطة السياسية السابقة التي كانت تتنافس على النفوذ في اليمن.
مع ذلك فإن المفارقة الراعبة أن التحالفات في الجنوب لا تختلف عن أختها بالشمال إلا في الشخوص وفي بعض التفاصيل فالحراك الجنوبي يبدو في جانب مهم في خلاف مع عبد ربه منصور هادي الرئيس المعترف بشرعيته دولياً والذي يواجه معارضة شديدة من قبل هذا التيار والكثير من الجنوبيين مما يجعل شرعيته في حالة من المد والجزر داخل الشارع الجنوبي، وفي الجانب الآخر فإن علاقة جماعة أنصار الله مع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام لا تخلو هي الأخرى من المنغصات إذ إن تحالف الطرفان الخارجان من ستة حروب متقطعة بدا في الآونة الأخيرة ليس أكثر من تحالف ضرورة أكثر منه تحالف استراتيجي قابل للاستمرارية بما يمكنه من صناعة مشهد سياسي متماسك يصمد أمام التحديات التي تفرضها الحرب على المدى الطويل، ولذلك فهناك من يتوقع بتفكك هذا التحالف بل واصطراعه عما قريب بما يجعل من الحرب الأهلية احتمالاً مروعاً.
لا يبدو أن المجتمع الدولي الذي سعى إلى رعاية الملف اليمني منذ ما يسمى بثورة الربيع العربي هو في وارد إجراء أي تغيير في سياساته وخططه تجاه التطورات التي يشهدها هذا الملف على الرغم من ارتفاع الكلفة الإنسانية لاستمرار الصراع والحرب في هذا البلد وبالذات بعد ما تبين أن هذه الحرب لم تكن نزهة مناوشات بل حرباً مفتوحة زمنياً مما جعل إشكالية الحل عويصة أكان ذلك بالنسبة للمتدخلين الإقليميين أو للإطراف المحلية وأمام هذا الوضع الملبد بالغموض عمدت الدول الغربية الكبرى إلى تجنب المشاركة في البحث السياسي مكتفية حتى الآن في ممارسة الضغط على جميع الأطراف لوقف الحرب خصوصاً بعد أن أصبحت أبعادها الإنسانية تمثل موقفاً محرجاً للغاية لتلك الدول هذا إن لم تصبح انعكاساتها تؤثر على سمعتها أمام المنظمات الحقوقية والإنسانية.
إن هكذا وضع هو أكثر من مناسب للغرب الذي يتجاهل أي حلول للصراع القائم في اليمن فالواضح تماماً أن لا شيء يوحي على الأقل في المدى المنظور بإمكانية فك الشفرات المعقدة لهذا الصراع سواء في مستوى تفاعلاته الداخلية أو في مستوى تدخلاته الخارجية والتي أخذت أشكالًا شتى حولت من هذا الصراع إلى صراع نفوذ بين قوى إقليمية وهو ما يضع اليمن على فوهة بركان قد تنفجر تحت ضغط التناقضات الداخلية وتقاطعات المصالح الخارجية على شكل حروب أهلية لن تتوقف حرائقها عند الداخل اليمني بل إنها التي قد تتحول إلى جحيم يضرم الحرائق في أرجاء المنطقة.

كاتب يمني