استراتيجية ترامب الأفغانـيـة الفـاشلـة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٠٤ ص

شهيد جاويد بوركي

لقد حدد دونالد ترامب في خطاب رئاسي نادر في الأسبوع الفائت في فورت ماير بولاية فرجينيا استراتيجية إدارته لتعامل الولايات المتحدة المستقبلي مع أفغانستان وتجنب ترامب الاعتراف بصراحة بأنه كان يأذن بزيادة عديد القوات الأمريكية في تلك الدولة المضطربة، قائلا: «بدلا من ذلك أن القادة العسكريين سيتخذون مثل هذه القرارات ولكن الحقيقة هي أن خطة ترامب ستعمق المشاركة الأمريكية في المهمة العسكرية المستمرة منذ 16 سنة».

إن ترامب الذي كانت حملته الانتخابية قائمة على وعوده بإخراج الولايات المتحدة من الصراعات الأجنبية، قد كرر في خطابه أنه يشارك «الشعب الأمريكي شعوره بالإحباط» إزاء السياسة الخارجية التي أخذت بالفعل الكثير من الوقت والجهد والمال بالإضافة إلى الكثير من الأرواح وقال: «إن استراتيجيته الجديدة هي نتيجة التفكير العميق من قبله ومن فريق الأمن القومي التابع له حول كيفية ضمان أن أفغانستان لن تصبح مرة أخرى مصدرا للهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة مثل هجمات 11 سبتمبر 2001».

لقد سعى الرئيسان باراك أوباما وجورج بوش الابن إلى تحقيق نفس الهدف ففي الواقع، على الرغم من محاولة ترامب لتصوير إستراتيجيته على أنها مختلفة تماما عن تلك التي قام بها أسلافه السابقين إلا أن العديد من الخطوات التي أعلن عنها قد تمت تجربتها سابقا ومع ذلك، هناك اختلافات رئيسية في نهج ترامب وهو الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل بالنسبة لأفغانستان.
بادئ ذي بدء فلقد تخلى ترامب عن عنصر «بناء الأمة» في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أفغانستان حيث انتقد ترامب الجهود السابقة لإعادة بناء الدول على شاكلة أمريكا وبدلا من وضع المصالح الأمنية الأمريكية أولا. لقد أكد ترامب أن الولايات المتحدة لن تشارك بعد الآن وبشكل صريح في عملية بناء الدولة من أجل مساعدة أفغانستان لتصبح كيانًا سياسيًا واقتصاديًا حديثًا نسبيًا بل ستطالب الحكومة الأفغانية بمعالجة الفساد على نحو فعال وتحسين الحكم والاستفادة على نحو أفضل من الموارد التي تحصل عليها من المجتمع الدولي.
ثانيا: لقد ضم ترامب باكستان بشكل أكثر وضوحا إلى سياسته الأفغانية مقارنة بما فعله الرئيسان بوش أو أوباما، حيث قال إن باكستان سوف تواجه ضغوطا أمريكية متزايدة بشكل كبير للقضاء على الملاذات الإرهابية على طول حدودها التي يشن منها المتمردون الهجمات على القوات الأفغانية وقوات الناتو وأعلن ترامب أنه إذا فشلت باكستان في القيام بذلك، فإنها «ستخسر الكثير» وقد قرر ترامب بالفعل أنه لا يجب دفع الأموال لباكستان نظير تقديمها لخدمات قيمة للقوات الأمريكية وقوات الناتو والقوات الأفغانية حيث قام بالفعل بعرقلة دفعة كبيرة مستحقة لباكستان.
وأخيرا، دعا ترامب الهند إلى القيام بدور أكبر في أفغانستان على الرغم من المخاطر التي قد تواجهها الهند في بلد تعتبره باكستان جبهة ثانية في نضالها التاريخي ضد جارتها الجنوبية علما أن ترامب يقدر ما فعلته الهند ولكنه يحثها على عمل المزيد وذلك من خلال استخدام أرباحها الضخمة من الصادرات إلى الولايات المتحدة للمساعدة في إعادة بناء اقتصاد أفغانستان كما أقترح أن تعمل الولايات المتحدة مع الهند لخلق منطقة أمنية هندية /‏ باسيفيكية و يبدو على أية حال أن إمكانات التعاون الأمني الأمريكي-الهندي في المنطقة قد نوقشت بالفعل من قبل الحكومتين على الرغم من أن ترامب لم يتطرق الى ذلك التعاون في خطابه إلا تلميحا.
إن أبعاد خطاب ترامب تتجاوز سياسة أمريكا في أفغانستان حيث أوضح الخطاب ملامح ما يطلق عليه بعقيدة ترامب والتي بدأت بالتشكل خلال زيارته إلى السعودية في شهر مايو الفائت وزيارته الى بولندا في يوليو الفائت.
يبدو أن ترامب يرى انقساما عالميا بين الغرب و «بقية» العالم مع حتمية الصراع. لقد دعا ترامب في المملكة العربية السعودية الدول ذات الأغلبية المسلمة للانضمام إلى الغرب في القضاء على اتباع الراديكالية الإسلامية وفي بولندا تحدى الغرب من أجل إظهار إرادته لمقاومة تأثير الخصوم المادي والفلسفي.
إن ترامب لا يستهدف العالم الإسلامي فحسب إذ أشار خطابه عن أفغانستان كذلك إلى جهوده لاحتواء الصين وبينما بدا ترامب لفترة وجيزة أكثر اهتماما بتأمين مساعدة الحكومة الصينية في كبح جماح كوريا الشمالية، يبدو أن ترامب حريص على استئناف تركيز إدارته على تقييد العملاق الآسيوي بعد تراجع الاهتمام بالأزمة النووية الكورية الشمالية.
لكن عقيدة ترامب لا تبدو قادرة على الحد من دور الصين كما لا تبدو قادرة على القضاء على التهديد الإرهابي للغرب ففي الواقع، ربما يكون لإستراتيجية ترامب التي وضعت في فورت ماير على المدى الطويل تأثير معاكس.
إذا لم تنجح القوة العسكرية في تحقيق الاستقرار في أفغانستان خلال السنوات الـ 16 الأخيرة فمن الصعب تصور كيف يعتقد ترامب أنها ستنجح الآن إذ إن المطلوب على وجه التحديد هو ما يرفضه ترامب وهو بذل جهود جدية ومستمرة لبناء الدولة والاقتصاد في أفغانستان من أجل إعطاء الأمل للشباب الأفغان (متوسط العمر هو 18.6 فقط) إذ إن الشبان سيلقون بأسلحتهم إذا كان لديهم الثقة التامة في المستقبل.
وعلاوة على ذلك، فإن وضع باكستان في الزواية لن يؤدي إلا إلى إجبار حكومتها على التحالف بشكل صريح مع أطراف مثل شبكة حقاني وهي جماعة جهادية مسلحة تقاتل قوات الناتو والقوات الأفغانية ومن شأن ذلك أن يعزز سيطرة جماعات المتمردين على المناطق الحدودية مما يخلق بالفعل دولة عازلة بين أفغانستان وباكستان.
ربما تعمد باكستان أيضا على تعميق علاقاتها مع الصين مع تراجع التمويل من الولايات المتحدة وقد أرسلت بالفعل وزير الخارجية إلى بكين للاجتماع مع نظيرها الصيني وقد تعهدت الصين في البيان الذي صدر عقب الاجتماع بتقديم دعم تام وغير مشروط لباكستان.
وإذا كان الهدف من عقيدة ترامب هو خلق بيئة عالمية مستقرة يمكن لأمريكا من خلالها أن تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة فإن ذلك محكوم عليه بالفشل فمن المرجح في الواقع أن يكون له تأثير معاكس وإطلاق العنان لعناصر زعزعة الاستقرار والتي سيكون من شبه المستحيل إرجاعها للوضع السابق مجددا.

وزير مالية باكستان سابقا، ونائب رئيس البنك الدولي السابق، ويشغل حاليًا منصب رئيس معهد السياسة العامة في لاهور.