محمد بن سيف الرحبي
أغرتني نفسي الأمّارة بالأفكار أن أبادر.. وأن لا أكتفي بانتظار الآخرين فقط أن يبادروا في كل شيء، بينما نجلس على جسر النهر (أعني ساقية الفلج لعدم وجود نهر) نتابع من يسبح مع التيار، أو من يجرب السباحة ضده، من أجل تحقيق شيء مختلف، المحاولة على الأقل.
في جامعات الدول المتحضرة تصطف مئات الدراجات الهوائية، بخاصة أمام المؤسسات التعليمية، بينما لدينا تضيق المساحات بما رحبت بالسيارات كأنما كل طالب أحضر معه سيارتين، وهذا رأيته حاضرا في مناسبة بالنادي الثقافي حيث تصورت أن القاعة ليس بها متسع لمزيد لكثافة السيارات في المواقف وصولا إلى الشارع أمام المبنى، لكن المفاجأة أن عدد السيارات أكثر من الحضور، ولم أتبيّن سبب تفوق عدد «المركبات»!!
ولأني أحاول أن أتخفف من سلبيتي قدر الإمكان، مع أنها مركّب معقد في داخلي لا حيلة لي في التخلص منه إنما قلت لأجرب هذه المرة، و»السياكل» هواية طفولية لا بأس أن تستعاد بفرحة طفولية لا تيأس من الشقاوة، ومناسبة أيضا لشراء واحد منها يليق بذلك الحلم القديم حيث لم أطمح إلى أكثر من «حديدة يحرّكها تايرين» لكن يمكنني الآن الذهاب إلى محلات «سيف بن سعيد الراشدي للدراجات الهوائية» التي اشتريت منها «أول سيكل» مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وكانت بجائزة حفظي لثلاثة أجزاء من القرآن الكريم.. يمكنني الذهاب الآن وشراء أغلى واحد فيها، انتقاما من ذلك العجز الطفولي عن تحقيق كل الأمنيات.
صباح أمس حدثتني نفسي أن أتبيّن الموقع جيدا، ومنذ خروجي من البيت أتابع حركة الشارع من حولي، أين يمكنني قيادة دراجتي الهوائية عندما أحقق فكرتي، مدفوعا بأفكار من نوع اللياقة والصحة والبيئة.. والأهم التخفف من فاتورة الوقود، واتقاء الزحام الصباحي.
سيقول البعض إن الطقس في أوروبا جميل عكس صيفنا الحارق، إنما شتاؤهم قارس ومع ذلك يتحركون دون عقد، شيّابهم قبل شبابهم، فيما نقع (نحن) في أسر المظاهر وما يمكن أن يقوله الناس عن هذا المغفل الذي يذهب للدوام على دراجته الهوائية، وويل للمعلم الذي يجرب ذلك حتى وإن كانت المدرسة على مرمى حجر من بيته، سيشمت به زملاؤه، وربما سيجد حجرا يلاحقه على أنه مصاب بمرض نفسي، وينظر إليه على أنه «ما طبيعي»، وربما سينسى المعلمون والطلبة اليوم الدراسي ولن يكون حديثهم إلا المعلم فلان الذي يستخدم دراجته للتنقل!!
من حولي نظرت فوجدت أماكن الرصيف فيها ليس أكثر من الخط الأصفر المحدد لسير المركبات، فقلت لا بأس، الخط يكفي لعجلتي الدراجة، وسأستخدم المساحات الترابية، متذكرا الصين كآخر دولة زرتها، هي بلد مئات الملايين لكن الشارع يحاذيه ممشى عريض جدا، به مكان مخصص لفاقدي البصر محددة أرضيته ببلاطات تختلف عن البقية، وتذكرت تلك البلدان التي تعطي فرصة لبشرها ليمارسوا الرياضة ويتنقلوا بالدراجات الهوائية، في كل شارع مساحة مخصصة بوضوح لكل آدمي، يسير على قدميه أو على كرسي متحرك..
حتى إذا وصلت المكتب أدركت بوضوح أن المبادرة تبدو غير عاقلة في شارع مجنون، وفي بلد لم يضع مساحة للإنسان ليمشي بأمان.. وطردت الفكرة لأن الداخل إليها مفقود.. والعائد إلى بيته منها.. مولود.