مكة المكرمة - سعيد الهاشمي
زار الوفد الإعلامي لتغطية موسم حج هذا العام 1438هـ الذي تستضيفه وزارة الثقافة والإعلام السعودية، مصنع كسوة الكعبة المشرفة؛ حيث اطلع على تاريخ المصنع ومراحل تصنيع كسوة الكعبة المشرفة.
افتتح مصنع الكسوة الموجود في مكة المكرمة سنة 1397هـ، ويضم أقساما مختلفة لتنفيذ مراحل صناعة الكسوة؛ ابتداء بصباغة غزل الحرير ثم مرورا بعمليات النسج وعمليات التطريز وأخيرا مرحلة التجميع.
يمر تصنيع كسوة الكعبة المشرفة بسبع مراحل أولها مرحلة الصباغة، حيث يزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ويتم تأمينه على هيئة شلل خام، عبارة عن خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي تسمى (سرسين) تجعل لون الحرير يميل إلى الاصفرار، ويتم استيراده من إيطاليا، وتتم صباغة الحرير على مرحلتين، أولهما مرحلة الغسيل وتكون بإزالة الصمغ (السرسين) وتتم في حوض ساخن، حيث تصل درجة الحرارة إلى 95مْ وسط حمض قلوي بعدها تغسل الشلل بماء دافئ وماء بارد، في حوضين مختلفين للتخلص من زوائد الصابون العالقة به، وإعادة الوسط القلوي إلى الطبيعي تقريبًا؛ وثانيا مرحلة الصباغة وتتم عملية الصباغة في حوض حمضي يقدر بــ 220 لترًا، وتبدأ درجة الحرارة من 30مْ حسب درجة المبنى الداخلية، وتتم إضافة المواد الكيميائية لمدة عشر دقائق، ثم تتم إضافة الصباغ الذائب لمدة عشر دقائق أيضًا عند درجة 30مْ، ومن ثم ترفع درجة الحرارة إلى 90مْ بمعدل درجة مئوية لكل دقيقة، وتستمر الصباغة عليه لمدة 30 دقيقة عند 90مْ، ثم يتم إضافة 2% حمض الخليك، وتستمر عملية الصباغة مدة 30 دقيقة، ومن ثم تغسل بحوض ساخن وبارد لإزالة الزوائد العالقة بها. كما أن عملية الصباغة خضعت في المصنع إلى تطوير في مكائنها وأجهزتها وذلك عام 1410هـ، حيث تم تأمين مكنتين من شركة (Mezzera TM4) الإيطالية، وهي عبارة عن أحواض مصنوعة من الأستانلستيل المقاوم للصدأ والأحماض والقلويات المركزة الساخنة، كل ماكينة تحتوي على أربع أذرع بها فتحات يتم من خلالها توزيع ومعالجة الخيوط الحريرية المستخدمة في صناعة الكسوة، كما يمكن دوران هذه الأذرع إلكترونيًّا، حسب التوقيت المطلوب. وتستوعب كل ماكينة 20 كجم، كما تم تأمين مجفف لتجفيف الحرير بعد صباغته، كما يتم تسخين الأحواض المستخدمة ببخار الماء الذي يدخل إلى الماكينة عن طريق مواسير متعرجة في قاع كل ماكينة، ويخرج منها إلى برميل لتكثيف البخار ومن ثم يعاد استعماله.
المرحلة الثانية لصناعة الكسوة هي مرحلة النسيج الآلي إذ خصص هذا القسم للكسوة الخارجية التي زود في تصنيعها نظام الجاكارد الذي يحتوي على العبارات والآيات القرآنية المنسوخة، والآخر خال تتم عليه المطرزات.
والقسم الثالث هو قسم النسيج اليدوي وللنسيج اليدوي قيمة معروفة عالميًا، ويتبارى الكثيرون على اقتنائه كلما تطور النسيج المنتج آلياً، وفي مصنع الكسوة يتكاتف قسم النسيج اليدوي الذي ينتج كسوة الكعبة مع قسم الثوب الداخلي في إنتاج الجاكارد (القماش المنقوش الأسود والأخضر) في عمل دائم دقيق.
القسم الرابع هو قسم المختبر، إذ يقوم المختبر بمطابقة الخيوط للمواصفات من حيث رقمها وقوة شدها ومقاومتها، كما يقوم بتركيب ألوان الصبغة وتجربتها على عينات مصغرة من الخيوط لاختيار أفضلها ومن ثم تزويد هذه النسب للمصبغة للعمل بموجبها مع وضع عينة في مكنة الصباغة ومن ثم تعاد ثانية للمختبر لإجراء الاختبارات اللازمة عليها من حيث (ثبات اللون عليها– مقاومتها للغسيل– قوة شدها) وإجراء جميع التجارب اللازمة عليها، وبعد إنتاج القماش يتم تزويد المختبر بعينات عشوائية من الأقمشة ليتم أيضًا فحصها والتأكد من أن جميع المنتج على نفس المواصفات المطلوبة، وذلك من حيث (سمكها– مقاومتها للاحتكاك– مقاومتها للغسيل– مقاومتها للظروف الجوية الصعبة لمكة المكرمة) .
أما القسم الخامس فهو قسم الطباعة، وفي هذا القسم يتم أولاً تجهيز المنسج، والمنسج عبارة عن ضلعين متقابلين من الخشب المتين يشد عليهما قماش خام (للبطانة)، ثم يثبت عليه قماش حرير أسود (خال) غير منقوش وهو الذي يطبع عليه حزام الكسوة وستارة باب الكعبة المشرفة وجميع المطرزات. والطباعة تتم بواسطة (الشبلونات) أو سلك سكرين أي الشاشة الحريرية وهذه الشبلونات يتطلب إعدادها جهدًا فنيًّا يضيق المجال عن وصفه بالتفصيل، وإن الشبلون عبارة عن إطار خشبي من أربعة أضلاع يشد عليه قماش من حرير صناعي ذي مسامٍ صغيرة مفتوحة تسمح بمرور السوائل.
والمرحلة السادسة من كسوة الكعبة هي قسم التطريز فبعد إنتاج الأقمشة وبعد أن تتم طباعة النسيج الخالي منها كما أوضحنا سابقًا بقسم الطباعة، نأتي إلى أهم ما يميز ثوب الكعبة المشرفة وهو التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية. وتتم عملية التطريز الفريدة أولاً بوضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط والزخارف مع الملاحظة الفنية في كيفية أصول التطريز، والمطبوعة على الأقمشة المشدودة على المنسج، حيث يشكل (إطار) على مستوى سطح القماش، ثم يطرز فوقها بخيوط متراصة من القطن الأصفر لما ستطرز عليه بالأسلاك المذهبة، ومن القطن الأبيض لما ستطرز عليها بالأسلاك الفضية في اتجاهات متقابلة وبدقة؛ ليتكون الهيكل الأساسي البارز للتصميم والحروف، ثم يغطى هذا التطريز بأسلاك من الفضة فقط، المطلية بالذهب ليتكون في النهاية تطريزٌ بارزٌ مذهبٌ يصل ارتفاعه فوق سطح القماش من (1 إلى 2.5 سم) . وتعمل الأيدي دون ملل أو تعب وبمهارة عالية في تنفيذ تحفة فنية رائعة تتجلى فيها روعة الإتقان ودقة التنفيذ وجمال الخط العربي الأصيل.
وأخيرا القسم السابع وهو خياطة الثوب أو تجميع الكسوة ويتم إنتاج قماش الكسوة من مكنة الجاكارد على هيئة قطع كبيرة (طاقة) كل قطعة بعرض (10م) وبطول 14م (15 تكرارًا) ، يتم تفصيل كل جنب من جوانب الكعبة على حدة حسب عرض الجنب، وذلك بتوصيل القطع بعضها مع بعض مع المحافظة على التصميم الموجود عليها، ومن ثم تبطينها بقماش القلع (القطن) بنفس العرض والطول، وعند التوصيلات تتم خياطتها بمكائن الخياطة الآلية، وبها مكنة تمتاز بكبر حجمها في الطول إذ تبلغ حوالي (16 مترًا) وبطاولة خياطة (14 مترًا) ومزودة بجهازي خط ليزر لتحديد مكان وضع الخامات على الكسوة، وتعتبر أكبر ماكينة خياطة في العالم، من حيث الطول وهي خاصة بتجميع طاقات القماش جنبًا إلى جنب، وتعمل بنظام تحكم آلي ( كمبيوتر) مع ضغط هواء بنسبة (5 بار) وبها خاصية تثبيت القماش مع البطانة (القلع) في وقت واحد بكينار متين مصنوع من القطن بعرض 7 سم تقريبًا، لتزيد من متانتها وقوة تحملها أثناء التعليق.
جدير بالذكر أن الوفد الإعلامي زار أيضا معرض عمارة الحرمين الشريفين واطلع على مكنونات المعرض إذ يضم مقتنيات نادرة للحرمين الشريفين.