الذهب يتألق في سماء الأسواق العالمية

مؤشر الثلاثاء ٢٢/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص

مسقط

لم يستمر الانتعاش الذي شهدته أسواق الأسهم الأمريكية والعالمية الذي أعقب المخاوف الناشئة عن الأزمة مع كوريا الشمالية في بداية شهر أغسطس لفترة طويلة، وذلك نتيجة لحالة انعدام اليقين متعددة الجوانب التي تسببت بانخفاض عدد من المؤشرات الرئيسية في يوم الخميس الفائت. وتواصل الخلافات السياسية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والكونجرس تصاعدها، حيث تواجه إدارته مزيداً من الشلل والانعزال.

ويقول رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك» أولي هانسن: «يشكل التخلي عن المجالس الاستشارية للأعمال كردٍّ على هجرة كبار المديرين التنفيذيين نكسة كبيرة بالنسبة لسياسات ترامب الداعمة للأعمال. ومع تنامي مخاطر إصابة السياسات الأمريكية بالشلل، تظهر علامات التوتر على الأسواق بشكل متسارع. وبينما انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» يوم الخميس الفائت بنسبة 1.5%، يشير استخدام مصطلحات مثل «تعثر» و»انهيار» لوصف هذا التراجع الطفيف نسبياً إلى الهشاشة التي تبديها الأسواق في مواجهة التقلبات الشديدة وحالة الضعف التي تنتابها». ويضيف: «شهدت الأسواق تراجعاً في تداول السلع. وللأسبوع الثاني على التوالي، حققت المعادن الصناعية والمعادن الثمينة بعض المكاسب، مما حال دون حصول خسائر أكبر في فئات الأصول. وواجه الذهب اختباراً آخر لمدى قوته بعد دقائق من إعلان «البنك المركزي الأوروبي» و «مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي» عن استمرار سياستهما النقدية الداعمة. وقاد الزنك هذا الاتجاه التصاعدي للمعادن الصناعية، حيث حقق أعلى مستوى له منذ 10 عوام عندما انخفضت مخزونات هذا المعدن – الذي يستخدم في صناعة الفولاذ - إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2008، وذلك ضمن المستودعات الخاضعة لمراقبة بورصتي شنغهاي ولندن. واستفاد النحاس من هذه التطورات، ولكنه كافح لمقاومة التراجع الناجم عن تصاعد حالة انعدام اليقين المشار إليها آنفاً من ناحية أخرى، واصل قطاع الحبوب تسجيل خسائر كبيرة؛ حيث تأثر بالهبوط الحاد الذي طرأ على سعر عقود ديسمبر لقمح «مجلس شيكاغو للتجارة» نتيجة لوفرة الإمدادات. ويضاف إلى ذلك مواصلة المستويات القياسية لإنتاج القمح الروسي صعودها».

النفط يتراجع

وحول النفط يوضح هانسن: «وتلقّى النفط الخام وخام غرب تكساس الوسيط دعمًا إضافيًا بعد تراجع المكاسب التي حققها بين شهري يونيو وأغسطس إلى حوالي النصف. وجاء الهبوط الأخير في أعقاب إصدار الحكومة الأمريكية تقريرها الأسبوعي حول أسهم النفط وإنتاجه. ولم يلقَ الانخفاض السابع على التوالي في مخزونات النفط الخام والتراجع الموسمي في إجمالي مخزونات النفط الأمريكية اهتمامًا كبيرًا بالمقارنة مع الأصداء التي حققتها الزيادة الأسبوعية في إنتاج النفط الخام من 79 ألف برميل يومياً إلى 9,5 مليون برميل يومياً، أي بما يقارب الرقم القياسي البالغ 9,6 مليون برميل يومياً والذي سجله إنتاج النفط في شهر يونيو من العام 2016.

وواجه النفط تراجعًا آخر بعد المكاسب الأخيرة التي حققها. وجاء ذلك نتيجة لعدم التزام المنتجين بأنشطة التحوط الخاصة بهم بعد ارتفاع عقود خام غرب تكساس الوسيط لعام 2018 مرة أخرى إلى أكثر من 50 دولارًا أمريكيًا للبرميل. وبحسب أحدث التقارير الصادرة عن وكالة «رويترز»، والتي تضمنت تحليلات للبيانات المالية الصادرة خلال الربع الثاني من العام، يحتاج منتجو النفط الصخري الأمريكيون لأن يسجل خام غرب تكساس الوسيط حوال 50 دولارًا للبرميل من أجل تحقيق الاستقرار. وبناءً على ذلك، تبقى احتمالات صعود الأسعار لتتجاوز 50 دولارًا أمريكيًا للبرميل محدودةً في ظل مساعي منظمة أوبك الرامية إلى إزالة الفوضى العالمية خلال وقت قريب، في حين ينطوي ارتفاع الأسعار على إمكانية زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي أكثر من ذلك. وساهمت عودة خام برنت لمسار التراجع في تحفيز زيادة الفروقات السعرية - أي أن ترتفع معدلات تداول العقود الآجلة للشهر الأول عن الشهر الذي يليه – مما ساعد على تقدم خام برنت على خام غرب تكساس الوسيط مرة أخرى إلى مستويات لم يبلغها منذ شهر ديسمبر 2015.

وعن نظرة المستثمرين لهذا التراجع يقول: «يفضل المستثمرون عادة هذا التراجع لكونه يوفر دفعات إيجابية للمراكز المالية طويلة الأجل. وهذا ما ظهر جلياً في «تقرير التزام المتداولين» الأسبوعي بتاريخ 8 أغسطس، حيث رفعت صناديق التحوط توقعاتها بالنسبة لخام برنت بمقدار 58,255 حصة، في حين خفّضت من توقعاتها الخاصة بخام غرب تكساس الوسيط بمقدار 2,253 حصة. وجاء التراجع في خام برنت – الذي يراه البعض مؤقتاً – كنتيجة لانخفاض إنتاج النفط في بحر الشمال وارتفاع مخزونات مصافي النفط، فضلاً عن زيادة الإمدادات النفطية من أوروبا ومنطقة غرب أفريقيا نحو القارة الآسيوية. ويمكن للارتفاع الكبير والمستمر في أسعار خام غرب تكساس الوسيط أن يؤدي إلى زيادة الطلب على تصدير هذا الخام. ومن شأن ذلك أن يسهم في الحد من تأثيرات المخزونات الأمريكية على التباطؤ الموسمي في الطلب من جانب مصافي النفط، والذي من المتوقع أن يبدأ في غضون أسابيع قليلة من نهاية موسم القيادة المكثفة للسيارات».
بحسب هانسن لا زالت دورة الارتفاع الثالثة التي بدأت منذ شهر مارس قائمة حتى الآن، ولكنها واجهت بعض التحديات خلال الأسبوع الفائت. وسجل خام برنت أفضل أداء نسبي له مدعوماً بالأثر النفسي الذي تركه وصول أسعاره إلى 50 دولارًا أمريكيًا للبرميل. وطالما بقي سعر خام برنت فوق 48 دولارًا للبرميل، فإننا سنحافظ على وجهة نظرنا القائلة بأن الهبوط الحالي ليس إلا محاولة للوصول إلى أدنى مستوياته قبل ارتفاعه مجدداً ليبلغ 55 دولارًا أمريكيًا للبرميل.

ماذا عن الذهب

وعلى المقلب الآخر، يقول هانسن: «شهدت أسواق الذهب والفضة انتعاشاً سريعاً بعد تراجعها في أعقاب تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية. وساهم طابع الحذر التي اتسمت به جلسات «البنك المركزي الأوروبي» و»مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي» – إلى جانب الضعف الذي تشهده أسواق الأسهم وزيادة حدة الخلافات السياسية في الداخل الأمريكي – في ارتفاع الذهب إلى مستويات جديدة خلال العام الحالي بعد وصوله إلى أعلى مستوياته مرتين ليبلغ 1295 دولارًا أمريكيًا /‏ أونصة بين شهري أبريل ويونيو.

ويسهم الملاذ الآمن الذي يوفره الذهب وطابع التنوع الذي يتسم به الطلب عليه، فضلاً عن استمرار الضعف في أسواق الأسهم؛ في الحفاظ على معدلات منخفضة في بيع هذا المعدن الثمين. ولم يفلح الين الياباني، أفضل صديق للذهب، في الارتفاع بالتزامن مع تركيز الأسواق على سعر صرف الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي عند 108,80 ين كعتبة رئيسية تظهر عندها قوة الين في دعم أسعار الذهب.
وبينما تتأرجح المخاوف المتعلقة بالأزمة مع كوريا الشمالية بين الصعود والهبوط، ستشكل سياسات دونالد ترامب بحد ذاتها مصدراً ثابتاً لدعم سوق الذهب نظراً لصعوبة التنبؤ بأسلوب إدارته خلال فترة رئاسته. ومع تنامي حدة الخلافات بين البيت الأبيض والكونجرس، فمن المرجح لإدارة ترامب أن تواجه المزيد من الشلل والانعزال.

ويختتم هانسن: «وبالرغم من وصول الذهب أعلى مستوياته مجدداً، إلا أنه يبقى بحاجة إلى الدعم الذي يوفره الين الياباني القوي وهبوط أسواق الأسهم واستقرار العوائد عند مستويات متدنية كي يتمكن من التقدم نحو هدفه السعري التالي. ويتمثل هذا الهدف في السعر الذي حققه الذهب بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت في شهر نوفمبر من العام 2016 حين بلغ 1337 دولارًا أمريكيًا /‏ أونصة، وتلاها ارتفاع آخر في نفس العام بلغ 1375 دولارًا أمريكيًا /‏ أونصة».