دونما اعتبار للموت ورهبته

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
دونما اعتبار للموت ورهبته

جمال زويد

للموت رهبة لا يضاهيها أبداً أي شيء آخر، فهو نهاية كل حي، وهو المصير الذي ينتظر الجميع، الكبير والصغير، الغني والفقير، الحاكم والمحكوم، الظالم والمظلوم. كلّهم سواء أمام مسطرته التي لا تفرّق بينهم. هو درب كلنا سائرون إليه. ولذلك فإن مصيبة الموت مفجعة ومؤلمة يغصّ بها - حينما تقع – مكانها وزمانها حزناً وأسى على هذا الفقْد الذي أنهى حياة إنسان، أي إنسان.

الموت، هو أعظم مصيبة يتواضع الجميع إزاءها وتنخنع النفوس عند ذكرها وتذلّ لبارئها المولى عز وجل. وغزارة الدموع آنذاك عنوان لسكون الخشوع للنهايــة التي سيؤول إليها كل إنسان غالباً ما ينسى أو يغفل أنه هكذا هي نهاية الدنيا، وحقيقة الحياة، من جاءه أجله رحل، لا يُقدّم الشيوخ على الشباب ولا الشباب على الشيوخ، ولا المرضى على الأصحاء أو الأصحاء على المرضى، لا فرق بين الصغير أو الكبير.

وتبعاً لذلك تكون حضرة الموت ورهبته عند أهل الميت وأقاربه وأصدقائه وأحبابه ومعارفه فرصة للتوقف والتفكّر والسّكون، وإعادة شريط الحياة ومسيرتها ومراجعة الحال والمآل. وقد قال سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: «كفى بالموت واعظاً».

وبالتالي ليس من المتصوّر أن يشوب مناسبة الموت حالة من الجدل و(الهياط) يصرفها عن سياق المصيبة ذاتها أو تتحوّل حالة الحزن والاعتبار إلى مناسبة للتجاذب والخلاف والسباب، واستغلالها لتفريغ ما في النفوس وتصفية حسابات وخصومات ليس محلّها إطلاقاً الموتى الذين انقضى أجلهم، وأفضوا إلى ما قدّموا، ومضوا إلى سبيلهم حيث القِسط لا يميل.
ولذلك كان مستهجنا ومستنكراً أن ينجرّ بعض الناس، خاصة في العالم الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي خلال هذا الأسبوع إبّان الإعلان عن نبأ وفاة أحد الرموز الفنية والمسرحية وهو الفنان عبدالحسين عبدالرضا لتحويل هذا الفقْد أو الفاجعة إلى ما يشبه معركة طائفية – وربما سياسية – انطلقت شرارتها من تغريدة رأى صاحبها (عدم الترحمّ عليه) كان يُفترض أن لا تُعطى أكبر من حجمها لولا أنها أشعلت فضاء العالم الافتراضي وانتشرت في آفاق وسائل التواصل والإعلام المختلفة على شكل (فزعة) للرد على صاحب هذه التغريدة. (فزعة) اختلط فيها الحابل بالنابل، وولغها المتصيّدون في الماء العكْر، ودخل فيها التطرّف والإرهاب، واستغلّها تجّار التشويه والتحريض، وصارت ساحة للتنفيس ولكيْل وتبادل الشتائم والإسفاف وما شابه ذلك مما قرأناه وتابعناه، وانتاب الكثير من الناس الأسف والاستغراب للحالة السيئة والهامشية – ولا أقول التافهة - التي باتت تتحوّل إليها الكثير من النقاشات وتتركز عليها الاهتمامات، وتصرفنا عن جادّة القضايا وأصولها بحيث وصلت هذه الحالة إلى حتى تعاملنا مع الموتى، بل حتى قبل دفنهم، دونما اعتبار للموت ورهبته !! كما في حالة هذا الفنان الذي ندعو له بالرحمة وأن يرحم معه جميع موتى المسلمين.
والواقع أن الرموز بمختلف أنواعهم؛ ينبغي أن يكون لهم الاحترام والتقدير الواجب في المجتمع ولا يبيح الاختلاف معها المساس بها والتعدّي عليها. على أنه استوقفني في هذه (الفزعة) سؤال مفاده: ماذا لو أن العكس؛ أي أن أحد الفنانين أو أحد الكتاب أو المغرّدين تعدّى على أحد الرموز الدينية عالم أو شيخ جليل ؟!! هل سنرى من يشتاط غضباً ويملأه الحماس ويفزع للرد والدعوة إلى احترام مكانته ورمزيته.

كاتب بحريني