بركان متأهب في الجزيرة الكورية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
بركان متأهب في الجزيرة الكورية

منغاو تشاو

من الواضح أن دونالد ترامب نفد صبره مع كوريا الشمالية. فمؤخرا حَذَّر ترامب مستخدما لغة غاضبة غير معتادة من رئيس للولايات المتحدة، من «رد أمريكي يتسم بقدر من قوة النيران والغضب لم يشهد له العالَم مثيلا من قبل»، إذا هددت بيونج يانج بمهاجمة الولايات المتحدة مرة أخرى. وأياً كان الإجراء الذي قد يقرر ترامب اتخاذه، فيتعين عليه أن يدرك أن المخاطر بالغة الجسامة ــ ليس فقط بالنسبة لشبه الجزيرة الكورية، بل وأيضا عندما يتعلق الأمر بعلاقة أمريكا مع الصين.

يشير أحدث اختبارين أجرتهما كوريا الشمالية للصواريخ الباليستية العابرة للقارات الشهر الفائت إلى أن كوريا الشمالية تمتلك الآن القدرة على ضرب الولايات المتحدة القارية. وقد خلصت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية إلى أن كوريا الشمالية ربما نجحت بالفعل في تطوير رأس حربية نووية مصغرة يمكن تسليمها على مثل هذه الصواريخ. ويتوقع خبراء من جامعة جونز هوبكنز تجربة نووية سادسة في أي لحظة.

والآن، أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع أقسى عقوبات ضد كوريا الشمالية حتى الآن، على أمل الضغط على هذه الدولة الصغيرة لحملها على التخلي عن برنامجها لتصنيع الأسلحة النووية. يحظر القرار صادرات كوريا الشمالية من الفحم، والحديد، وخام الحديد، والرصاص، وخام الرصاص، ومنتجات الأطعمة البحرية، والتي تشكل في مجموعها ثلث إيرادات التصدير السنوية الضئيلة بالفعل والتي تبلغ 3 بلايين دولار. كما يحظر القرار على الدول إصدار تصاريح جديدة للعمال الكوريين الشماليين في الخارج، الذين يشتبه في أن أجورهم تساعد في تمويل البرامج النووية والصاروخية.

ولكن حتى الآن لا يبدو أن العقوبات تخلف الأثر المقصود. وقد هددت كوريا الشمالية بأن يكون ردها الانتقامي ضد الولايات المتحدة «أشد آلاف المرات» ــ بما في ذلك ضرب أراضي الولايات المتحدة في جوام غرب المحيط الهادئ ــ وكررت تعهدها بعدم التخلي أبدا عن ترسانتها النووية. وعلى نحو مماثل، في المنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا الذي اختتم أعماله للتو في مانيلا، أَكَّد وزير خارجية كوريا الشمالية ري يونج هو أن الشمال لن يشارك في مفاوضات على برامجه النووية والصاروخية ما لم تتخل الولايات المتحدة عن سياستها «العدوانية».

كما اتخذت الولايات المتحدة خطًا عنيدًا مماثلًا. ففي جلسة استماع عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي قامت مساعدة وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا بالنيابة سوزان ثورنتون بتوضيح اعتقاد الإدارة بأن المحادثات لن تحمل كوريا الشمالية على التخلي عن برنامج الأسلحة النووية، حتى وإن جلبت تنازلات اقتصادية مطلوبة بشدة. وأضافت: «لن نتفاوض لمجرد استئناف المحادثات».
كانت الولايات المتحدة تعمل جاهدة لتضييق الخناق على بيونج يانج، من خلال تعزيز عزلتها الدولية. وقد حاولت إدارة ترامب إقناع الفلبين باستبعاد كوريا الشمالية من منتدى رابطة دول جنوب شرق آسيا، كما تحاول دفع ميانمار إلى تعليق علاقاتها العسكرية مع كوريا الشمالية.
وكانت الولايات المتحدة أكثر نجاحا في الضغط على أستراليا، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وحلفاء آخرين للولايات المتحدة، لتعزيز العقوبات الأحادية الجانب على كوريا الشمالية. ووفقا لتصريحات فيديريكا موجيريني، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، يدرس الاتحاد الأوروبي الآن اتخاذ تدابير إضافية، بما في ذلك المزيد من التخفيضات للتبادلات التجارية والمالية. كما قررت حكومة اليابان توسيع حظر عودة دخول مسؤولي كوريا الشمالية، وتوسيع نطاق برنامجها لتجميد أصول كيانات وأفراد مرتبطين بعمليات تطوير الأسلحة النووية والصاروخية في كوريا الشمالية.
بيد أن الولايات المتحدة من غير المرجح أن تضع كل ما لديها من بيض في سلة العقوبات. فقد أعلنت وزارة الدفاع بالفعل أن رئيس أركان الجيوش الأميركية المشتركة جوزيف دونفورد ورئيس قيادة الأركان الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ هاري هاريس تحدثا هاتفيا مع مسؤول عسكري كبير في كوريا الجنوبية، وهو الجنرال لي سون جين، لمناقشة خيارات الرد العسكري على عملية الإطلاق. وعلاوة على ذلك، نفذت قوات أميركية ويابانية وكورية جنوبية العديد من التدريبات المشتركة التي شملت قاذفات القنابل من طراز B-1B وغير ذلك من الأصول الاستراتيجية. والرسالة واضحة: فالولايات المتحدة جاهزة للقتال، إذا لزم الأمر.
بطبيعة الحال، يظل تجنب مثل هذه المعركة أفضل رهان للعالم ــ وهي حقيقة يبدو أن حتى إدارة ترامب المضطربة تعترف بها. ولكن هذا سوف يتطلب التعاون من جانب الصين، التي ذهبت إدارة ترامب إلى أبعد الحدود في استعدائها.
باعتبارها الشريكة التجارية الرئيسية لكوريا الشمالية، تتمتع الصين بقدر كبير من النفوذ عليها. وتعليق الصين لوارداتها من الفحم الكوري الشمالي فقط ــ وهو جزء من التزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن ــ من شأنه أن يقلص حصيلة صادرات كوريا الشمالية بنحو 400 مليون دولار أمريكي هذا العام (في حين يكلف الصين أيضا مبلغًا كبيرًا من المال).
لكن الصين لديها تحفظات جدية حول السياسة التي تنتهجها أميركا في التعامل مع كوريا الشمالية. على سبيل المثال، تعارض الصين بشدة نشر نظام الدفاع الصاروخي للمنطقة عالية الارتفاع (ثاد) في كوريا الجنوبية، بزعم أنه يقوض أمن الصين.
وعلاوة على ذلك، تدين الصين «العقوبات الثانوية» التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات الصينية والأفراد الذين يتبين أن لهم تعاملات غير مشروعة مع كوريا الشمالية باعتبارها اعتداءً على سيادتها. ومع ذلك يُبدي الديمقراطي البارز في مجلس الشيوخ، زعيم الأقلية تشاك شومر، استعداده لمضاعفة الجهود في هذا السياق، داعيا إلى تعليق الاستثمار المباشر من جانب الصين.
هذه ليست الطريقة الوحيدة التي يستعدي بها الكونجرس الأميركي الصين. إذ يتضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2018، الذي أقره مجلس النواب الأميركي الشهر الفائت، مطالبات موجهة إلى الحكومة الأميركية لتعزيز علاقاتها العسكرية مع تايوان، مع قيام سفن البحرية الأميركية بزيارات إلى موانئ تايوان.
في أبريل الفائت، قال السناتور جون ماكين إن كوريا الشمالية تُهدي الولايات المتحدة «أزمة صواريخ كوبية بالحركة البطيئة». وهو تشبيه مناسب، ولكنه يخطئ في التعبير عن جانب واحد: فلم يعد هناك أي شيء بطيء في هذا الموقف. والأفضل أن تحاول إدارة ترامب اللحاق.

زميل باحث في معهد شارهار في بكين