شدوا الأحزمة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/يناير/٢٠١٦ ٠٢:٢٠ ص

مطلع القرن الماضي غنى سيد درويش أغنيته الشهيرة:

شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك.. دي خبطة جامدة وجت على عينك يا تاجر

يا وكستك دلوقت.. لا وارد ولا صادر
****
تاريخ دولنا مع «الحزام المشدود» عريق.. شدت الدول العربية الحزام في حروبها وفي أيام رخائها أيضا..

مصطلح شد الحزام مصطلح ظهر في السبعينيات مرادفا «للتقشف».. كان بالنسبة للأجيال التي مضت دواءً مراً أما الأجيال الجديدة فلم تسمعه إلا في سياق المناكفة السياسية؛ بيد أن سقوط أسعار النفط، وفشل منظمة الدول المصدرة للنفط في التوصل لقرار بخفض الإنتاج، ووصول العجز في كثير من الدول النفطية لمستويات قياسية تتراوح بين 7-18 بليونا فرض عودة «مجيدة» لهذا المصطــــــلح الـــذي ظننا أن الأمواج جرفته بلا عودة..

اليوم علينا أن نقول: شدوا الأحزمة ، ومن ليس لديه حزام ليبادر باقتناء واحد .. فنحن مقبلون على سنوات عجاف. ولأننا لم نترك سنبلات سنوات الرخاء للسنوات السبع العجاف التي ستأتي.. فإن من لم يشد الحزام بخاطره سيشده مرغما عاجلا غير آجل..
*****
شدوا الحزام على صعيد شخصي: في المقتنيات والكماليات والرحلات السياحية.. في حفلات الزفاف والمهور والمجاملات الاجتماعية.

شدوا الحزام، فالمدخرات الشخصية لن تسلم في زمن القحط، فالأسعار سترتفعُ والدعم سيُرفع وقد تضطر كثير من الدول لإجراء مرّ يتمثل بخفض قيمة العملة المحلية وهو منزلق قد يقلب كل الموازين.. فلا سوق العقار سيبقى على حاله ولا الحركة التجارية، ما يعني أن الفقراء لن يكونوا وحدهم من «يأكل تبن» كالعادة، بل سيكون للهوامير نصيب وفير من الشقاء في بحر اقتصاد متلاطم الأمواج كهذا..

وتواجه كل الحكومات اليوم التحدي ذاته.. وكثير منها تتوجه اليوم لتقليص البعثات الدبلوماسية وتأخير المشاريع الكمالية وتقليص أعداد المستشارين والوزراء.. والدول السخية التي توزع أموالها على شراء الأصدقاء والحلفاء قد تلملم نفسها أيضا.. فقد دقت الساعة التي كنا نحذر منها منذ سنوات طوال دون أن يعبأ بنا أحد..

لا طائل الآن من الحديث عن «تنويع مصادر الدخل» فتلك الطائرة قد أقلعت.. وتشغيل عجلة اقتصاد متعدد المصادر يحتاج في بداياتها لدفعات مادية قد لا توجد فسحة لها الآن.. هناك طريقان لمعادلة الميزانيات المرهقة: تخفيض التكاليف أو زيادة الإيرادات.
وأســـــــهل طريق لتحقيق زيادة الإيرادات هي رفع الدعم عن المواطن أو زيادة الضرائب غير المباشرة عليه تحت مســـمى «رسوم».. وهو طريق سريع وقصير ولكنه وعر.. لكن الأفضل منه طريق خفض التكاليف وهو إجراء يؤثر على المواطن – ولا شك- ولكن بطريقة أقل دراماتيكية من سابقتها.
وكما قال سيد درويش في ختام أغنيته السالفة الذكر: عمر الشدة ما تطول بكرة نهيص زي الأول..
وعلينا أن نكون أطول بالا وأكثر صبرا في التعامل مع الأزمة التي هبت رياحها وما زالنا ننتظر العواصف التي ستعقبها.