لا تحلموا بالتغيير

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٣/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
لا تحلموا بالتغيير

د. فيصل القاسم

من بركات الربيع العربي أنه أثبت لنا بما لا يدع أي مجال للشك بأن مصير الأنظمة العربية ليس بأيدي شعوبها أبداً، بل بأيدي كفلائها في الخارج. لقد كنا نعلم أن معظم الأنظمة مرتبطة بالقوى العظمى، وأن تلك القوى كان لها رأي بوصول هذا النظام أو ذاك إلى السلطة في بلاده، لكننا لم نكن ندرك أن الرأي الأول والأخير هو بأيدي القوى الخارجية وليس بأيدي الشعوب ولا القوى الداخلية. لقد اكتشفنا متأخرين أن الشعوب مثل الأطرش في الزفة كما يقول المثل الشعبي، وأن لا حول ولا قوة لها، وهي مغلوبة على أمرها، ولا تستطيع أن تختار حتى مختار القرية.

لا تحلموا بتغيير أنظمتكم. لا تحلموا بتغيير سياسات بلدانكم. لا تحلموا بتغيير ثقافاتكم ولا حتى تحديث أو تعديل مناهجكم الدراسية.. نحن نختار لكم كل شيء، وإن حاولتم التمرد على إرادتنا فسنجعلكم تلعنون الساعة التي فكرتم فيها بالتمرد علينا أو بتحسين شروط عبوديتكم. تلك هي الرسالة الدولية للشعوب العربية. وقد وصلت تلك الرسالة واضحة الآن بعد أن انقشع غبار الثورات العربية وذاب الثلج وبان المرج. حتى لو ضحيتم بالملايين من شعوبكم، وحتى لو تشردتم بالملايين بين لاجئ ونازح. وحتى لو خسرتم ملايين البيوت في أوطانكم، فلا تحلموا بالتغيير إلا بشروطنا. انظروا ماذا قدم السوريون في سبيل التغيير من شهداء وضحايا ولاجئين ونازحين ومعاقين ومدن مدمرة. ماذا حققوا؟ لا شيء أبداً سوى الخيبة والحسرة. أنتم أيها العرب لستم جبناء كما يعيركم البعض، بل أنتم رمز للتضحية والشهادة في سبيل تحقيق الحرية والكرامة، لكن مع ذلك لن نسمح لكم بجني ثمار تضحياتكم. هكذا يقول لنا ضباع العالم. وفروا شهداءكم وتضحياتكم، فلن تحققوا مرادكم.

هل حققت الشعوب العربية أياً من طموحاتها في بلاد الربيع العربي؟ بالطبع لا. وقد تراوحت خساراتها بين العودة إلى المربع الأول أو العودة إلى العصر الحجري، وكأنك يا بو زيد ما غزيت. وحدث ولا حرج عن سوريا التي لم يكتف ضباع العالم بتحويلها إلى قاع صفصف وتجريدها من أبسط بنيتها الأساسية، بل أصروا على بقاء النظام. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الشرق والغرب بات يؤكد على ضرورة بقاء النظام على رأس السلطة. وعندما نسمع القوى الدولية والإقليمية والعربية تقول إن هذا الزعيم العربي أو ذاك باق، فهذه وصمة عار في جبين العرب جميعاً مؤيدين ومعارضين، لأنها تقولّهم بصريح الكلام: نحن من نقرر بقاء أنظمتكم أو رحيلها. كما أنها رسالة واضحة للأنظمة والشعوب بأنكم جميعاً مجرد أدوات في أيدينا. نحن من نعين هذا النظام أو ذاك، ونحن من يتحكم ببقائه أو سقوطه.
هذه القصة القصيرة تلخص لنا الوضع العربي الحزين: «ذات يوم استأجر فلاح بسيط شقة ذات غرفة واحدة من إقطاعي، وعاش في تلك الغرفة الصغيرة مع زوجته وأولاده السبعة. وكانوا يعانون معاناة شديدة من صغر الغرفة. وبعد مدة جاءه الإقطاعي وقال له يا فلاح: عندي عنزتان وديك وقرد لا أجد لهم مكاناً، وأريد منك أن تسكنهم معك في الغرفة، فاضطر الفلاح إلى قبول الطلب مرغماً، فزادت معاناة العائلة أضعافاً مضاعفة من العنزتين والديك والقرد المزعج الذين حولوا الغرفة إلى كارثة. وبعد مدة عاد الإقطاعي وأخذ العنزتين والقرد والديك، ثم اتصل بالفلاح بعد أيام ليسأله عن حاله: فقال الفلاح: حالنا عال العال، ممتاز، فنحن في نعمة، والبيت كبير ومريح ولا ينقصنا من هذه الدنيا شيئاً.. لقد سلطوا عليهم كل صنوف العذاب والشقاء والقهر والفقر كي يحنوا إلى أيام الطغيان الخوالي.

إعلامي في قناة الجزيرة