تمزيق الكتب المدرسية بعد الامتحانات.. ظاهرة تربوية وسلوكية

بلادنا الخميس ٠٧/يناير/٢٠١٦ ٠٢:١٥ ص
تمزيق الكتب المدرسية بعد الامتحانات.. ظاهرة تربوية وسلوكية

مسقط - رجاء محمد الغافرية

سلوكُ غير حضاري ذلك الذي نراه مرارا وتكرارا بعد نهاية كل عام دراسي.. ظاهرة تمارس على أعين المارَّة ولا تحتاج لمتقصٍ لرصدها وتتبعها.. طلاب العلم يمزقون كتبهم الدراسية وأوراقهم الامتحانية على عتبات مدارسهم وفي الأزقة القريبة والطرقات، غير عابئين بما تحويه هذه الكتب وتختزنه من علوم ومعارف.

ولتتبع ورصد هذا السلوك الطلابي العنيف نحو الكتب الذي نجد فيه اعتداء كبيرا وصارخا على الكتب المدرسية وعلى مسيرة عام دراسي بالكامل، وهي ظاهرة يعبر الطالب من خلالها عن رفضه للمرحلة التي كانت تسبب له الضغط والتوتر، نتطرق في هذا التحقيق إلى تفسير هذا السلوك الذي يعود بالدرجة الأولى إلى تداخل عوامل مجتمعية ونفسية وتعليمية.

تقليد أعمى

سالم الرواحي (16 عاماً) صرَّح بممارسته المتكررة لهذا الفعل، مشيرًا إلى أنه يشعر براحة نفسية كبيرة، وفرحة غامرة، عندما يمزق كتبه، مقلدًا في ذلك تصرفات أخيه الأكبر وأصدقائه عندما كانوا يمزقون كتبهم والبسمة تملأ وجوههم ولا يشعر أحدهم بسوء فعلته، ولذا تناقلتها الأجيال وصارت ثقافة رائجة في كل نهاية عام دراسي.

وتقول إحدى الطالبات (17 عاماً) إنه من الغريب فعلا رؤية الفتيات يقمن بمثل هذه التصرفات التي ربما ارتبطت بالذكور أكثر، ولكن ولسوء ما ارتكبته وأدركته لاحقاً، فإنني في لحظتها كنت أشعر بفرحة لا يُخالطها أدنى شعور بالذنب، فقد كنا نقيم عرساً جماعياً بهيجاً أنا وزميلاتي ونحتفي بمرور سنة دراسية عصيبة والكتب بين أيدينا تتطاير أوراقها عالياً في الفضاء الرحب لفناء مدرستنا ونحن في فرح وسرور عارمين.

موقف مغاير

ويقول أحد الطلاب (18 عاماً): من وجهة نظري أرى أن هذه الظاهرة مستهجنة حقاً وصورة منفرة لكل من يراها وهي بصدق تعبر عن الجهل في أعلى مستوياته، فالعلم له مكانته التي من الواجب علينا تقديسها والاعتزاز بها وأن نشكر تلك المجهودات التي بُذلت لكي تصلنا هذه الكتب في أحسن صورة لها. لذا يجب علينا أن نتحلى بأسمى قيم الرقي في التعامل مع هذه الكتب، وأن نحملها على عاتقنا فهي أمانة أودعت عندنا، لذا كان لزاماً أن نذكر بعضنا بعضاً بقيمة هذه الكتب فهي سراجنا المنير لطريق العلى ونهجنا القويم.

أبعاد سلوكية واجتماعية

يقول الأخصائي الاجتماعي زاهر الحبسي إن ظاهرة تمزيق الكتب المدرسية خلال نهاية كل عام دراسي أصبحت ظاهرة سلبية وذات أبعاد اجتماعية سلوكية تؤثر بشكل كبير على المجتمع وأفراده.

وأضاف: تتلخص أسباب هذه الظاهرة في الآتي: رغبة الطالب في التعبير عن حالته الشعورية التي يمر بها بنهاية الدراسة وقيودها وبداية رحلة الإجازة الصيفية الممتعة وكأن الكتب هي الشيء الذي يقيد الطالب ويمنعه من التصرف بحرية خلال الفترة الماضية بسبب ضغط الأسرة على الطالب للمراجعة، وتقصير المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام في توعية الطالب بأهمية الكتاب كونه ملكاً عاماً تستفيد منه أجيال قادمة وليس حكراً على الطالب نفسه، حيث إن الطالب لا يجد الجرعة الكافية من التوعية في هذا الجانب، وسياسة الوزارة الخاطئة في تغيير المناهج الدراسية بشكل دائم يقلل من قيمة الكتاب لدى الطلبة حيث إن الطالب أصبح يعلم أن الكتب تتغير بشكل مستمر بالإضافة إلى معرفة الطالب بمصير الكتب الدراسية المسترجعة والتي ترمى دون الاستفادة منها خلال الأعوام الفائتة.
وأشار إلى أن من الأسباب أيضا: تصرفات سلوكية فردية أحياناً تنم عن ضعف التربية الأسرية للأبناء، والعلاقة السلبية بين المدرسة والطالب كون المدرسة ليست بتلك البيئة الجاذبة للطالب وما هي إلا مؤسسة لتقويم سلوك الطالب وتحصيله وهو ما لا يرغب به طلبة هذا الجيل للأسف لأن ذلك يتطلب منه مجهودا كبيرا على عكس الوضع في المجتمع الذي يضمن لهم التصرف بحرية مطلقة للأسف وهنا تتضح الفجوة الكبيرة بين الأسرة والمدرسة حيث إن الطالب في المدرسة يمنع عنه الهاتف وقصات الشعر الغربية واستخدام التبغ وغيرها ولكن في المجتمع نجد هذه السلوكيات موجودة وبكثرة للأسف وكأن المدرسة هي المؤسسة الوحيدة المعنية بتقويم سلوك الطالب وتعديله، ومن هنا نجد هذه النظرة السلبية للمدرسة من قبل الطالب ويفسر ذلك من خلال مثل هذه التصرفات (تمزيق الكتب وتخريب الأثاث المدرسي والكتابة على جدران المدرسة وغيرها).

القيمة العلمية للكتاب

وقال الأخصائي الاجتماعي سعيد التوبي إن هذه الظاهرة موجودة في أغلب مدارسنا، وسببها عدم وعي الطلاب بأهمية الحفاظ على الكتب، والقيمة العلمية وما تحويه المناهج الدراسية من معلومات ومهارات تهم الطالب.

وأضاف: بصفتي أخصائياً في المدرسة فإنه يتوجب عليّ غرس القيم والمبادئ التي تهم الطالب في المحافظة على الكتب، وتوجيه الطلبة للاستفادة من الكتب بإعادتها للمدرسة، وتوعيتهم بالمحافظة على المال العام وأن الكتب الدراسية هي جزء من المال العام. ونذكرهم بأن المحافظة على الكتب تعكس شخصية الطالب المثالي والمهتم ونقدم لهم بهذا مسابقات وجوائز تشجيعية لكي يحافظ الطالب على نظافة كتبه وتستفيد الأجيال من بعده أيضاً.

غياب العقوبة

الأستاذ حرمل العامري عبّر عن موقفه من هذا السلوك المسيء للعلم والذي لا ينم عن تصرف طالب علم بالإشارة إلى أن «من أمن العقوبة أساء الأدب»، وقال: أجد أن هذا السلوك ظاهرة سلبية، وتصرف غير حضاري، وقد يكون الدافع لهذا الفعل صعوبة الاختبار وحب التسلية والمرح مع الزملاء واللامبالاة وعدم الوعي لقيمة الكتاب والعلم بشكل عام.

وأضاف: لأن هذا العمل يقوم به الطالب عادة خارج المدرسة أثناء تحرك الحافلة إلى البيوت، نجد أنه من الصعوبة متابعتهم، كما أن قيام هذه الفئة بهذه الممارسات ينم عن عدم التوجيه والإرشاد من المدارس بأهمية الكتب المدرسية والمحافظة عليها حتى ولو تم الانتهاء من تأدية الامتحانات المدرسية.
وأشار إلى أن إدارة المدرسة تقوم بتنبيه الطلاب إلى أن هذا التصرف غير مقبول منهم وأن محافظتهم على الكتاب تعد تقديراً للعلم وتدل على ثقافة الطالب ووعيه. ولكن، لا توجد عقوبات صارمة كأن يربط تسليم النتائج بتسليم الكتب للمدرسة أو بإلزام ولي أمر الطالب بدفع مبلغ من المال بداية كل سنة وإرجاع المبلغ المادي بعد تسليم الكتب للمدرسة المستهلكة. ورأى أنه لو تم تطبيق مثل هذه العقوبات لانتهت هذه العادة السيئة.

تغيير المناهج

يقول أستاذ الدراسات الإسلامية إسلام نجم إن تمزيق الكتاب المدرسي تصرف اجتماعي خاطئ ولكنه سلوكيا يعبّر عن شعور المتعلم بالخروج من همّ كان يعيشه، ومن جانب الدين فإنه لا توجد نصوص ثابتة تحرم تمزيق الأوراق إلا ما كتب عليها اسم الله فتحرق، ولكن يجب ألا ننسى أن معظم كتبنا الدراسية فيها آيات قرآنية وأحاديث نبوية فمن غير اللائق فعلاً بقداسة العلم أن يقوم هؤلاء الطلبة بامتهان هذه الكتب وابتذالها بهذه الطريقة العبثية.

وأوصي بتغيير المناهج التعليمية والمنظمة التعليمية لتكون أكثر إفادة وأكثر بساطة ويكون فيها شيء من شد الانتباه. وقال: من وجهة نظري الخاصة أرى أن تمزيق الكتاب يدل على ضعف محتوى الكتاب الدراسي وصعوبة طريقة توصيله للمعلومة، والدليل على هذا أن الكتاب المدرسي هو الذي يمزق فقط في حين أن الكتب الأخرى في المكتبات العامة ككتب التراث مثلاً من النادر جداً تمزيقها والعبث بمحتواها. لذا نحن بحاجة ماسة لتغيير شامل في المناهج والنظام التعليمي برمته ولا بد من تكاتف الجهود لتحقيق ما نطمح له من علم حقيقي واعدٍ بأجياله.

آثار بيئية

أما مسؤول الصحة البيئية هلال الراشدي فيرى أنه من الضروري الاهتمام بزرع ثقافة المحافظة على الكتب ونوّه إلى أن المحافظة على الممتلكات العامة مسؤولية الجميع، بدءًا من الأسرة والحي والمدرسة، فمتى وصلنا إلى هذا المستوى من الثقافة لن نشاهد مثل هذه السلوكيات لدى أبنائنا، فلا ننسى أن البيئة عنوان لمستقبل أبنائنا، وهذه السلوكيات الخاطئة بلا شك تنعكس سلباً ودماراً على صحة الإنسان وسلامة بيئته.

وأضاف: كما هو معروف فإن للنفايات آثاراً بيئية خطيرة ومدمّرة، حيث إنها سامة وتستنفد الأوكسجين من الهواء ومن المياه السطحية، ولا سيما أنها تدمّر الحياة الحيوانية والنباتية، فضلا عمّا تشكله هذه الممارسات من مظهر غير حضاري وإيذاء للبيئة وبالتالي يتكبد عمال الوطن «عمال البلديات» مزيداً من الجهد والمعاناة لتجميع هذه الأوراق والكتب المتناثرة ووضعها من جديد في الحاويات وتنظيف الأماكن التي ترمى الكتب بالقرب منها. فوجب علينا جميعاً أن نتعاون من أجل عُمان أبهى وأجمل.

وقفة

تمزيق الكتب المدرسية بعد نهاية العام الدراسي هو جزء من كل يتضمن سلوكيات أدهى وأكثر خطورة مثل التفحيط، والغياب عن المدرسة قبل الإجازة وبعد الإجازة، والفوضى في الاحتفال بالمناسبات الوطنية وتخريب الممتلكات العامة والتهور في قيادة السيارات، وغيرها الكثير مما لا نعلنه صراحة.

من هنا تصبح القضية تربوية وثقافية وليست حادثة تمزيق الكتب وتحديد المتسبب ومعاقبته فقط، فالقضية أكبر من ذلك وتتطلب برامج استراتيجية تنظر إلى المستقبل البعيد. ولا شك أن التربية بأسسها الدينية والاجتماعية والثقافية هي الحل، ولكن، يجب تنظيم دورها وتأثيرها بالطرق المقاومة لكل سلوك شاذ.