د. فيصل القاسم
الطريق إلى الحرية في سوريا سيكون عسيراً جداً، خاصة بعد الاحتلال الروسي للبلاد. لقد ظن السوريون عندما بدأوا ثورتهم المباركة قبل حوالي خمس سنوات أنهم يواجهون نظاماً غاشماً سيسقط مهما كان وحشياً وهمجياً وفاشياً، فقد علمنا التاريخ أن قوتين لا تُقهران: قوة الله وقوة الشعب. لكن والحق يُقال، لا الشعب السوري، ولا حتى النخب السورية ولا غيرها توقع للحظة من اللحظات أن كل حثالات وضباع وذئاب وأنجاس الأرض سيجتمعون على الشعب السوري وثورته. لم يحدث في تاريخ الثورات أن ثورة تكالب عليها القاصي والداني لإجهاضها وتهجير شعبها وتدمير وطنه، كما حدث مع الثورة السورية.
بعض التافهين يلوم الشعب السوري، ويلوم مثقفيه وإعلاميه لأنهم غرروا بالسوريين، ودفعوهم باتجاه الثورة. ويرى هؤلاء الناعقون أنه كان من الأفضل للشعب أن ينتظر، ويصبر عقوداً وعقوداً على الظلم والطغيان والذل والهوان، لأن النظام سيفعل المستحيل للقضاء على ثورة الشعب. هذه النغمة البائسة بتنا نسمعها كثيراً هذه الأيام على ضوء تعاظم الكارثة التي حلت بسوريا والسوريين على أيدي النظام الفاشي الغاشم وحلفائه. لا بل إن بعض الأقذار يلقون باللوم على الشعب الذي طالب بأبسط حقوقه، ويحملونه المسؤولية، بينما لا يلومون النظام الهمجي الذي لم يترك سلاحاً إلا واستخدمه ضد شعب مسالم. وبالمناسبة هذه النغمة ليست كلاماً عابراً، بل لها أساسها أصلاً في أدبيات النظام المخابراتي. ويذكر أحد الإعلاميين السوريين في هذا السياق أنه التقى بعد شهرين على الثورة مع ضابط أمن سوري كبير، فسأله الضابط: " كم برأيك سنستغرق من وقت للقضاء على المؤامرة؟"، فرد الإعلامي: "ربما عشر سنوات"، فقال الضابط: "أحسنت. فعلاً سنحتاج إلى حوالي عشر سنوات لنعيد المتآمرين إلى زريبة الطاعة. وبعدها سنلاحق كل من وضع "لايك" في الفيسبوك ضدنا، فما بالك بمن شتمنا أو حمل السلاح ضدنا. سنحمّل هؤلاء كل تبعات الكارثة، وسنحاكم عسكرياً عشرات الألوف من المتآمرين، لأنهم هم المسؤولون عن خراب سوريا. وسيكون حساب المتآمرين عسيراً جداً. فهؤلاء هم رأس المؤامرة."
لاحظوا أن هذا الكلام الذي كانت تفكر به المخابرات السورية قبل خمس سنوات بدأ يطفو إلى السطح الآن في الخطاب الإعلامي للنظام وحلفائه وأعداء الثورة. راحوا يلقون باللوم على السوريين وعلى كل من ثار ضد النظام المجرم، وكأن النظام كان بريئاً كبراءة الذئب من دم يوسف، بينما المجرم الحقيقي هو الشعب الذي طالب بقليل من أوكسجين الحرية، بالإضافة طبعاً كل من ساند ذلك الشعب ولو بكلمة تأييد ودعم.
لا عجب أبداً أن يخرج علينا رأس النظام قبل أيام فقط ليكرر نفس الكلام المخابراتي آنف الذكر بابتذال شديد، عندما قال إن سوريا لم تشهد ثورة، وإن المتظاهرين الذين كانوا يخرجون إلى الشوارع في بداية الأزمة كانوا يتقاضون ضعف رواتبهم من جهات خارجية. تصوروا أن أكثر من ستمائة ألف شخص في مدينة حماة وحدها فقط تظاهروا ذات يوم في ساحة المدينة، ثم حصدت رشاشات المخابرات المئات منهم بلحظات. تصوروا أن كل هؤلاء تقاضوا رشى ليخرجوا ضد النظام. هل سمعتم أتفه من هذا الكلام الذي لا يمكن ان يقوله معتوه صغير، فما بالك بشخص يدعي أنه رئيس الجمهورية العربية السورية.
ليس هناك جديد في خطاب النظام المخابراتي البائس الذي مازال يكرر الأسطوانة المشروخة نفسها منذ اليوم الأول للثورة. وكلما حرر النظام قرية بقوة القصف الروسي والميليشيات الطائفية وحثالات الأرض والمرتزقة الذين استقدمهم لذبح الشعب السوري من شتى بقاع الأرض، كلما عاد ليردد نغمة "المؤامرة الكونية" التافهة التي لا تنطلي حتى على تلاميذ المدارس. بدل أن تغطي يا بشار الأسد على خيانتك العظمى بحق سوريا والسوريين بالحديث عن المؤامرة وتحميل الشعب وزرها، كان بإمكانك أن تتقاسم سوريا مع السوريين المفترض أنك من أبناء جلدتهم، لا أن تستنجد بكل وحوش الأرض على شعبك. ألم يكن من الأفضل لك ولنظامك أن تتصالح مع الشعب، وتلبي أبسط متطلباته وحقوقه، بدل أن تتحالف مع القاصي والداني على الشعب والوطن؟ هل يرضيك مشهد الطائرات الروسية وهي تعيث دماراً وخراباً وتشريداً في ربوع سوريا التي حرقتها بغبائك ورعونتك ووحشيتك؟ هل تشعر بالسعادة وأنت ترى مئات الألوف من السوريين وهم يتكدسون على حدود الدول المجاورة بسبب القصف الروسي الذي يهلل ويطبل ويزمر له إعلامك ومؤيدوك؟
سيتذكركم التاريخ، شئتم أم أبيتكم، على أنكم من فصيلة نيرون وأبي رغال. أما الشعب السوري فيقول لكم ولعصابتكم: "مهما فعلتم وستفعلون، فإننا باقون. أما أنتم فعابرون في كلام عابر سيظل التاريخ يلعنه إلى أبد الابدين."
إعلامي بقناة الجزيرة