ملوك «الدراما»..

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٨/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:١٢ ص
ملوك «الدراما»..

لميس ضيف

يُسبغ الأجانب وصف «ملكة الدراما» على الشخصيات التي تبالغ في ردود أفعالها، وتضخّم مشاكلها ومآسيها لكسب الشفقة واستدرار التعاطف بأي وسيلة. وهو وصف هجين يُطلق على الجنسين وإنْ بدا في الوهلة الأولى بأنه مقتصر على النساء.

نحن محاطون بكثير من هؤلاء. الذين يجدون عزاءهم في ما يعانونه، والمرء في الحياة في كَبَد ومعاناة حتى موته، لكن هؤلاء يجدون العزاء، نقول في تشييع ما بهم من قلق وألم ليتحوّل لـ«حالة عامة» يُشارك الجميع بها. وشبكات التواصل الاجتماعي مليئة بهذه النماذج الدرامية الاستعراضية: التي تعتبر مرضها أو تعبها أو حتى مشاكلها الشخصية مع الآخرين شأنًا عامًا مهمًا لغيرهم. فهم محتاجون لـ«جمهور» وإنْ كان من الأهل والأصحاب يشاركهم مآسيهم وانكسارهم وسخطهم الدائم.
قبل مدة قرأت عن امرأة أسترالية تعاني من حالة «فرط لاكتوز» نادرة. فخلال فترة إرضاع طفلها تنتج حوالي 5.7 لتر من الحليب وهي كمية تفيض عن حاجة طفلها بمراحل وتسبب حرجًا وضيقًا وتعيق الحياة الطبيعية أيضًا. لم يجد الأطباء حلًا لمشكلتها ولم تستطع مواصلة عملها بسببها حتى خطرت لها ولزوجها فكرة عبقرية في إنسانيتها، فقد قررت تعليب الحليب في قنينات خاصة والتبرّع بها للمستشفى لتخدم الأطفال الخدج أو الأمهات اللواتي يجدن صعوبة في الإرضاع بسبب المرض أو سواه. وبالفعل تحوّلت «نقمتها» لنعمة لكثير من الأمهات، وقد عبّرت في لقاء لها بأنها مستمتعة الآن بما تفعله وتحرص على حفظ الجرعات ووزنها بدقة وتعتبر نفسها «محظوظة» لأن القدر أتاح لها فرصة لمساعدة غيرها.
هناك حالة أخرى أعرفها شخصيًا لرجل في منتصف العمر يكفيه أن ينام ساعتين في اليوم ويعاني من يقظة دائمة، وحتى الحبوب المنومة لا تنجح في منحه ليلة نوم طبيعية، ولم يجد الأطباء حلًا لمشكلته تلك. سألته ذات مرة: هل يعاني بسبب تلك الحالة؟ فأجابني بأنه لا يشعر بأية مشكلة جسدية ولكن ساعات اليقظة الطويلة تلقيه في فخ الملل والضجر ولا يجد مَن يشاركه تلك الساعات بمَن فيهم أهل بيته. إنها بالمناسبة معاناة حقيقية لو تأملنا في تفاصيلها. ولكنه أيضًا لم يستسلم لدراما وضعه الاستثنائي وتحوّل لقارئ نهم يقضي ساعات ليله الطويلة في نسج علاقة مع فكر الكتّاب والأدباء والشعراء. أتذكره دومًا كلما سمعت أحدًا يتذمّر من أنه «لم ينم ليلة أمس» وكأنه أمر جلل يحتاج منّا أن «نواسيه» من أجله.
كما أسلفت في طيات المقال: لا جسد في حياتنا العصرية يخلو من علة ما. ولا يوميات بلا صعوبات ولا حياة بلا تحديات. الفرق بين المرء والآخر هو طريقة تعاطيه مع تلك التحديات. بعضنا يتعالى على الألم فيما يحوّل البعض الآخر حياته لمأتم يلطم فيه ليل نهار.

lameesdhaif@gmail.com