تغيير الحزن إلى عمل إنساني

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/أغسطس/٢٠١٧ ٠٣:١١ ص

هنا سنكتشف كيف تولدت الفرص والابتكار والإبداع لمئات الأطفال الأردنيين من رحم المأساة التي ألمت بأحد الرجال.

وقعت حادثة في حياة المهندس الزراعي حسام الطراونة تبدّل بعدها عالمه بأكمله؛ إنها وفاة ابنه الحبيب في حادث سيارة. اختطف الموتُ الشابَ من بين أحضان أحبائه وهو على وشك الانطلاق في مسيرته الدراسية بإحدى أفضل الجامعات في أمريكا. الوفاة المأساوية لهذا الشاب ألهمت والده للعطاء للآخرين حتى يخفف من آلامه.

قرر حسام الطراونة أن يمنح كل طفل في محافظة الكرك بالأردن فرصة التفوق الدراسي الذي تميز به ابنه أحمد. فقد أظهر الراحل أحمد مهارات استثنائية في التقنية والبرمجة منذ نعومة أظفاره، ودعمه والداه منذ عمر 12 عامًا لتنمية وإثراء هذه الموهبة. وفي نهاية المطاف التحق أحمد بكينغز أكاديمي King’s Academy، وهي المدرسة الملكية المرموقة بالأردن لتنمية مواهب الأطفال المبتكرين. وفي أعقاب وفاة ابنه، اتخذ حسام الطراونة قرارًا من شأنه تغيير حياة الآخرين؛ فقد قرر تحويل حزنه إلى عمل الخير.
يقول الطراونة عن قراره: «لقد أدركت أن السبيل لإحداث تغيير اجتماعي حقيقي هو الاستثمار في مستقبل الأطفال الموهوبين». وهكذا وبعد مرور أيام قليلة على وفاة أصغر أبنائه، اختار حسام الطراونة أن يكرس بقية حياته لنشر رسالة ابنه أحمد من خلال إنشاء «نادي الإبداع Creative Club» في عام 2010 - وهو أكاديمية غير ربحية تتيح الفرصة أمام الأطفال لاكتشاف وتنمية مواهبهم الفريدة الكامنة.
يقوم هذا النادي الذي يوفّر جميع برامجه دون مقابل بربط الطلاب بالمرشدين والموجّهين والخبراء في مختلف المجالات، ويموِّل مشاريعهم ويشركهم في المسابقات والمؤتمرات الإقليمية والعالمية.

وبعدما لاحظ الطراونة أن المناهج الدراسية في الأردن جامدة وتحض على التعليم التلقيني ولا تترك مساحة للابتكار والإبداع، عكف على العمل لتغيير هذا النمط. ويقول عن ذلك: «إن المعلمين والمواطنين الأردنيين محافظون جدًا ولكننا نجحنا في كسب ثقتهم لدرجة أن المجتمع ائتمننا ويتعاون معنا لدرجة السماح للفتيان والفتيات بالدراسة معاً في الحجرة نفسها، مما يُعتبر نجاحًا كبيرًا وخطوة إلى الأمام».

يقع المكتب الرئيسي لنادي الإبداع في الكرك، مسقط رأس الطراونة، على بعد 150 كم من عمّان عاصمة الأردن. تقدم الأكاديمية الدعم والتوجيه والإرشاد في مجالات مثل: الكتابة والموسيقى وعلم الروبوتكس (هندسة الإنسان الآلي) والفن، إضافة إلى المهارات الحياتية ومهارات دعم الأعمال مثل: التواصل وريادة الأعمال. تساعد الأكاديمية الأطفال من سن 5 سنوات وحتى مرحلة الدراسات العليا.
يتبنى النادي أسلوبًا «غير تقليدي» في تشجيع الابتكار، حيث لا يضع في اعتباره السجل الأكاديمي للطلاب أو مستوى ذكائهم أو أدائهم في المقابلات الشخصية.
يقول حسام الطراونة إن نادي الإبداع يوفّر بيئة تهدف لتمكين الأطفال وتسمح للآخرين باكتشاف مواهبهم في عمر مبكر. ويضيف قائلًا: «إنني أؤمن بأهمية الوصول إلى الأطفال في عمر مبكر لتنمية مواهبهم. ولدينا الكثير من البرامج المقدمة حاليا، وتشمل المسرح وصناعة الأفلام وخدمة المجتمع. وقد اكتشف كثير من الأطفال أمورًا عن أنفسهم لم يكونوا يعرفونها كما أنجزوا الكثير». يستهدف نادي الإبداع على وجه الخصوص الأطفال من خلفيات اجتماعية واقتصادية بسيطة. على مدار السنوات الفائتة، التحق أكثر من 6.500 طفل بمشروع التعليم التكميلي الطموح، ويواصل المشروع النمو ويتلقى الدعم من شبكة تتكون من المنح والهبات الحكومية والخيرية. وبمرور الوقت، يأمل حسام الطراونة في افتتاح فروع لنادي الإبداع في جميع أنحاء الأردن وبلاد الشام.
ومن الخريجين الناجحين حديثًا طالبة درست تقنية النانو واستعانت الأمم المتحدة بخدماتها، إضافة إلى مجموعة من براءات الاختراع العالمية، وطلاب حاصلين على 18 جائزة على المستوى الدولي حتى الآن، بما في ذلك برامج برعاية شركة إنتل لرقائق الكمبيوتر.
في الوقت الراهن، يوجد حوالي 70% من الأردنيين دون سن 30 عامًا. وتتمتع هذه الشريحة الديموغرافية الفريدة بالإمكانات التي تؤهلها لتكون قوة ابتكارية واقتصادية هائلة. رغم ذلك، ونظرًا للموارد الطبيعية المحدودة، تظل بلاد الشام من أضعف الاقتصادات في الشرق الأوسط؛ يهدف نادي الطراونة الإبداعي إلى استغلال القوة الكامنة للشباب الأردني والسماح لهم بالنمو والنجاح، بصرف النظر عن خلفياتهم.
يقول الطراونة: «نحن نتطلع إلى إنشاء أكاديمية أكثر تخصصًا تقوم بتخريج المدربين والمعلمين القادرين على تشجيع العقول المبتكرة. إننا نهدف إلى افتتاح فروع في جميع المحافظات وإحداث تغيير في التعليم في بلاد الشام».

متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا