«أس آند بي»: دول الخليج تواجه صعوبات في التنويع الاقتصادي

مؤشر الثلاثاء ٠١/أغسطس/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص

خاص -
أكد تقرير صدر مؤخراً عن «أس آند بي» أن تركيز اقتصادات الخليج على قطاع النفط والغاز، والذي بلغ في المتوسط 30 % من الناتج المحلي الإجمالي و60 % من إجمالي الصادرات خلال العامين 2015-2016 يمكن أن يشكل عاملاً سلبياً للائتمان إذا لم يقابل بهوامش مالية كبيرة. ورغم أن ارتفاع أسعار النفط يدعم الاقتصاد، يعتقد التقرير أن توجهات الاقتصاد الضيق تكون أكثر عرضة لتقلبات دورة أعمال القطاع الرئيسية، مما يزيد من تلقب نموها، وإيراداتها الحكومية العامة، وإيرادات الحساب الجاري لديها.

وتستفيد دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها السلطنة حالياً من الموارد الضخمة للنفط والغاز، التي تبلغ نحو 30 % من الاحتياطات النفطية العالمية و20 % من الاحتياطات العالمية للغاز. وحققت هذه الثروة الكبيرة من النفط والغاز فوائض عامة لحكوماتها خلال الفترة السابقة، وأدى إلى انخفاض احتياجات التمويل الحكومية، وصافي مراكز الأصول الخارجية لدى معظم دول مجلس التعاون الخليجي. تأخذ وكالة «أس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» بعين الاعتبار نقاط القوة الرئيسية تلك في تصنيفاتها الائتمانية السيادية لهذه الدول.
ويوضح التقرير أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط التي وصلت إلى أدنى مستوى لها 29 دولاراً أمريكياً في بداية العام 2016 يؤدي إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد وإلى تراجع في الأرصدة المالية والخارجية للدول المُصدِّرة الصافية للنفط في منطقة الشرق الأوسط. إذ تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة إلى متوسط بلغ 2.5 % للفترة ما بين 2014-2016 وقد بدأت بعض الحكومات في المنطقة تسجيل عجز في الحساب الجاري والمالية العامة للحكومة خلال هذه الفترة، بينما كانت تحقق فوائض ثابتة قبل العام 2014.
إن نضوب موارد النفط والغاز في معظم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قد لا يكون وشيكاً وتعمل نماذجها الاقتصادية الحالية بشكل جيد نسبياً، ومع ذلك، فإن فوائد التنويع بعيداً عن قطاع إيراداته تحركها إلى حد كبير أسعار السوق المتقلبة واضحة من حيث تحقيقها لنمو اقتصادي أكثر استقراراً، إلى جانب الإيرادات الحكومية وإيرادات التصدير. ونتيجةً لتأثير الانخفاض المستمر في أسعار النفط على المقاييس الاقتصادية، والمالية، والخارجية.
ويضيف التقرير: «حققت الحكومات الخليجية تقدماً طفيفاً فقط في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط والغاز، لأن حجم مساهمة هذا القطاع في اقتصاداتها ما زال كبيراً. وفي حين أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي ارتفع في المنطقة منذ العام 2000، شهدت معدلات النمو انخفاضاً تدريجياً خلال السنوات الثلاث الفائت تزامناً مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي النفطي، مما يشير أيضاً إلى أن جهود التنويع لم تؤت ثمارها حتى الآن» بحسب التقرير.
وفي المقابل يشير التقرير إلى أن الحكومات الخليجية أعلنت عن خطط تنويع طموحة، بعضها قائم منذ سنوات عدة. وقد اكتسبت هذه الخطط مؤخراً زخماً جديداً بعد الانخفاض الحاد والمستمر في أسعار النفط. عموماً، قامت الحكومات بوضع خطط للتنمية الوطنية أو ما يطلق عليها في تلك الدول «الرؤى» بفترات تمتد ما بين 20 إلى 25 عاماً، عادة تتضمن استراتيجيات مدتها الوسطية خمس سنوات، والتي تساعد في تقييم ما إذا كانت البلاد على المسار لبلوغ أهدافها الاقتصادية قريبة المدى.
وتستهدف استراتيجيات الحكومات الخليجية بشكل عام التنويع من خلال توسيع قطاعات مثل السياحة، والأعمال، والخدمات المالية إلى جانب الخدمات اللوجستية. ومن وجهة التقرير من المرجح أن يســـتغرق ذلك عقداً أو حتى الانتقال إلى جيل قادم. يعتقد التقرير أيضاً أن المعوقات الهيكلية ستعرقل الانتقال إلى اقتصادات أكثر تنوعاً.

نظام صرف العملة الأجنبية

نظراً إلى أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مقومة بتدفقات الدولار الأمريكي المرتبطة بصادراتها من النفط والغاز، يعتقد التقرير أن ارتباطها بسعر صرف الدولار الأمريكي يبقى ملائماً لاقتصاداتها، مما يوفر لها ركيزة اسمية للتضخم. يتوقع التقرير بقاء الارتباط على حاله في المدى المتوسط، لاسيما وأن صادراتها غير النفطية تبقى جزءاً محدوداً نسبياً من اقتصاداتها. مع ذلك، يرى التقرير أن الارتباط يعيق قدرة اقتصادات دول المجلس المحدودة للتنافس على الأسعار في أسواق التصدير غير النفطية. بالنتيجة، يبقى تطوير الأنشطة المرتبطة بالقطاع غيــر النفطي ضــعيفاً في ظل غياب أي تعويض عن مكاسب الكفاءة أو القدرة التكنولوجية.

وفي حال حدوث تطور في سوق التصدير غير النفطي في المنطقة، فإن مرونة سعر الصرف عادة تعمل كممتص للصدمات استجابة لشروط الصدمات التجارية، كالانخفاض الحاد في أسعار النفط. سينخفض سعر الصرف محسننا القدرة التنافسية العامة لصادرات البلد غير النفطية ولدعم الإيرادات المالية بالعملة المحلية. يقول صندوق النقد الدولي إن سعر الصرف الحقيقي الفعال المقوم بعدل يعد أساسياً للتنويع الاقتصادي، ولكنه نتيجةً لارتباطات أسعار الصرف لديها، واصلت أسعار الصرف الفعالة الحقيقية لدول الخليج ارتفاعها رغم الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

التعليم والمهارات

نظراً للانخفاض في أسعار النفط والضغط على المالية العامة، تحاول حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحفيز التنويع الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص. من وجهة نظر التقرير، هذا سيتطلب تعزيز مهارات القوى العاملة في دول الخليج. من المرجح أن تكون فقط الوظائف ذات الأجور المرتفعة في القطاع الخاص هي الجذابة لإغراء المواطنين للابتعاد عن العمل في القطاع العام، في ظل استبعاد حدوث انخفاض حاد في أجور القطاع العام. مع ذلك، تبقى المجالات التي سيتم فيها استحداث فرص العمل في القطاع الخاص غير واضحة. بكل الأحوال ستحتاج القوى العاملة المحلية إلى الكثير من التدريب والتعليم لكي تكون مؤهلة لهذه الوظائف.

جاذبية العمل في القطاع العام

تمكنت حكومات مجلس التعاون الخليجي نظراً للحجم الصغير نسبياً لعدد السكان والإيرادات الكبيرة المتأتية من النفط والغاز من الحفاظ على نظام من الدعم طويل الأمد من القطاع العام لمواطنيها. تضمّن ذلك توفير الكهرباء، والتعليم، والرعاية الصحية والسكن بشكل مجاني، بالإضافة إلى التوظيف الواسع النطاق للمواطنين في القطاع العام. ويستفيد العاملون في القطاع العام حالياً من مميزات كبيرة مقارنةً بالعاملين في القطاع الخاص، مع رواتب مرتفعة وزيادة الأمن الوظيفي، مما يسهم في محدودية كفاءة سوق العمل كون أن جاذبية القطاع العام أدت إلى تراجع الحوافز لدى المواطنين المحليين للتقدم للعمل في القطاع الخاص. وبالتالي، نظراً لارتفاع مستوى المعيشة والتوازن بين الحياة والعمل نسبياً لدى السكان المحليين، فإن تطوير قطاع صناعي أو خدمي تنافسي يحتاج لقوى عاملة كبيرة قادرة على جذب المواطنين العاملين في القطاع العام بعيداً عن هذا القطاع يبدو أنه يشكل تحدياً كبيراً. وإذا لم يتم معالجة هذه الضغوط الاجتماعية فإنها ستؤدي إلى الحد من إمكانية التنويع الاقتصادي. وقامت حكومات مجلس التعاون الخليجي بتحفيز سياسات إدخال الحصص، من بين إجراءات أخرى، لتشجيع استبدال الموظفين الوافدين العاملين في القطاع الخاص بمواطنين. مع ذلك، يعتقد التقرير أن ذلك لا يعالج مسألة عدم تطابق المهارات بين المواطنين والوظائف في القطاع الخاص.

التنويع يبقى هدفاً

ويرى التقرير أن التحديات التي تواجه التنويع الاقتصادي لدى دول الخليج تبقى كبيرة وأن خطط الحكومات الممتدة لـ 20 و30 عاماً طموحة، مع الحاجة لإحراز تقدم كبير إذا ما أريد لهذه الخطط أن تتحقق. وبهدف تعزيز تطوير القطاع الخاص، ستكون اقتصادات دول الخليج قادرة على التخفيف من تعرضها للتقلبات السلبية لأسعار النفط وتعزيز النمو الاقتصادي طويل الأجل، والتي يرى التقرير أنها تشكل عوامل دعم لتصنيفاتها الائتمانية. إن ارتباط سعر الصرف والمناخ في هذه الدول لا يتماشى مع خطة النمو التي قادها النمو الذاتي لقطاع الصناعة الذي شهدته دول أخرى معتمدة على النفط والغاز عندما توجهت نحو التنويع. قد يسهم تحسين التعليم والقيام بتغييرات مجتمعية على نطاق أوسع في دعم تطوير القطاع الخاص أيضاً.