ولد الشيخ.. و«الحرب المبهمة»

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
ولد الشيخ.. 

و«الحرب المبهمة»

علي ناجي الرعوي

كثيرون ربما يحسدون مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد على برودة أعصابه وعلى نفسه الطويل، وقدرة تحمله لسيل الانتقادات التي يتعرض لها من أطراف الصراع والتي وصلت حد اتهامه بالعجز والفشل والتماهي مع الأجندات المستفيدة من إطالة الحرب باليمن.. كما يحسده البعض على تفوقه في تكرار نفسه وثباته على مواقفه مع أنه الذي لم يسبق له وأن انشغل في السياسة وكل خبراته العملية تتصل كلياً في الجوانب الإنسانية عوضاً عن أنه الذي لم يمل طوال ما يزيد عن العامين من الدوران حول العواصم الإقليمية والدولية والجلوس مع السياسيين في تلك العواصم لإقناعهم من أنه لم يجد في اليمن ما يساعده على تحقيق اختراق في تحصينات الصراع الذي أوكلت إليه مهمة حلحلته ودفعه إلى مسار جديد تتقدم فيه التسويات السلمية على لغة الحرب ودوي الانفجارات مع أن الحقيقة أنه ورغم كل هذا الدوران فإن الرجل ليس لديه ما يحسد عليه وأن كل المسألة أن ليس لديه غير ما كان في جعبته قبل تكليفه كمبعوث خاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وكذا ما حمله معه من داخل المبنى الأزرق في نيويورك من التعليمات بعد تسلمه للملف اليمني الشائك.

حين حل ولد الشيخ خلفاً للمغربي جمال بنعمر في أبريل 2015 كان هناك من يتساءل عن المعايير التي تتبعها الأمم المتحدة في اختيار مبعوثيها إلى مناطق الأزمات لمعرفة الجميع بأن خلفية ولد الشيخ هي في المجالين الإنساني والاقتصادي وليس في المجال السياسي وأن وجاهة اختيار شخصية عربية بإمكانها استيعاب المزاج اليمني، وفهم خلفيات الصراع المستعر في اليمن ليس بالأمر المقنع الذي يمكن البناء عليه خصوصاً إذا ما كان المدلول الإيجابي لاختيار هذه الشخصية هو من قد ينعكس سلباً على مجريات المهمة التي يتعين على تلك الشخصية الاضطلاع بمسؤولياتها بكفاءة عالية إلا أن هذا التوصيف يتجاوزه البعض لاعتقاده أن الانفراج في اليمن لا يرتبط بأي حال من الأحوال بجهود المبعوث الأممي أو بقدرته التفاوضية أو حتى بتوافقات الأطراف المحلية بعد أن أصبح الوضع في اليمن يدار من قبل قوى إقليمية تتنازع وتتقاتل في إطار الصراع على النفوذ والهيمنة في المنطقة كما هو الحال في سوريا وليبيا وقبلهما في العراق ولبنان ومن هذه الزاوية فإن ولد الشيخ ليس أكثر من موظف يؤدي الدور المرسوم له.

ما زال الجميع يتذكر أن المبعوث الأممي استطاع في العام الفائت أن يقنع طرفي النزاع المحليين بالذهاب إلى دولة الكويت لإجراء مشاورات حول الأفكار المقترحة من قبله لتسوية النزاع في بلادهم، وبالفعل فقد علق اليمنيون الكثير من الآمال على تلك المشاورات التي استمرت لما يزيد عن ثلاثة أشهر إلا أن تلك الآمال سرعان ما تبخرت وتبددت نتيجة تحفظ كل طرف على بعض النقاط التي طرحها المبعوث الأممي لتتحول التصريحات والمواقف المتفائلة التي كانت توحي أن التسوية أصبحت على الأبواب وأن السلام بات قاب قوسين أو أدنى إلى انحدار مفزع نحو (لعبة الدم) وسقوط مدوٍ في بئر الاستقطاب، والذي كان من شأنه أن ضاعف من حجم الاحتقان واستفحال ثقافة الغنيمة والمصالح الضيقة والمطامع الفئوية ومسالك التموقع وراء الخيارات العسكرية قبل أن يجرس تنفيس هذا الاحتقان عبر (خطة كيري) وزير خارجية الولايات المتحدة في حكومة أوباما والتي حملت مجموعة من المبادئ لحل الأزمة اليمنية إلا أن تلك المبادئ هي من تراجعت حظوظها بمجرد أن رفضت من حكومة الرئيس هادي المسنودة من التحالف العربي مما دفع بالعديد من المراقبين إلى القول: إن التسوية في اليمن قد عادت إلى المربع الأول وأن كيري قد حاول بتلك المبادئ إحراز انتصار أخير للإدارة الديمقراطية على حساب التحالف العربي الذي لم يكن قد وصل بعد إلى ضالته وأهدافه التي قادته إلى التدخل العسكري المباشر في اليمن.

هذه اللعبة المبهمة والدرامية في اليمن وإن كانت تدعو إلى التشاؤم فإنها التي تؤكد على أن كل الصيغ والأفكار التي يقترحها ولد الشيخ ليست بعيدة عن رؤية القوى الإقليمية والدولية الوازنة التي ترى نفسها في موقع الإمساك بزمام الأمور وامتلاك القدرة التي تخولها فرض أجندتها في هذا البلد، وهو ما أصبح معه ولد الشيخ مقتنعاً أن لا شيء يمكن أن يدفع بنجاح مهمته في اليمن لاستحالة النجاح في هذه المهمة التي تعترضها العديد من العوائق الذاتية فضلاً عن مجموعة من التعقيدات التي تتصاعد يومياً بفعل تشابك المحلي بالإقليمي والدولي في الصراع القائم باليمن، وذلك ما جعله مؤخراً يتنازل عن طموحه في تبني حل شامل للمعضلة اليمنية وأن ينتقل إلى الحلول الجزئية كما بدا واضحاً في مبادرته المتصلة بوضع ميناء الحديدة والتي تدعو إلى تسليم هذا الميناء لطرف ثالث تحت إشراف الأمم المتحدة وهي المبادرة التي جرى القفز عليها بمبادرة مجلس النواب الأكثر شمولاً.

في العادة يحرص ولد الشيخ في جميع إحاطاته أمام مجلس الأمن أن يتجنب أي قول يمكن أن يؤخذ عليه من بعض الأطراف الإقليمية والدولية وهو موقف قد تبرره الرغبة في عدم إغضاب أي من هذه الأطراف لكن ما يبدو غير مبرر هو تغافله عن أمور غاية في الخطورة تحدث في اليمن كتغلغل الجماعات المتطرفة والمتشددة واستغلالها تحلل مؤسسات الدولة لتوسيع نفوذها، وهو ما قد تصبح معه اليمن حقلاً مفتوحاً لتنظيم (داعش) وبالذات بعد عودة مقاتلين من هذا التنظيم من سوريا والعراق إلى اليمن حيث وما يخشى منه أن يتجه هؤلاء إلى التنسيق مع عناصر تنظيم القاعدة التي تنتشر في أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية وبما يفتح أمام الركبان الأبواب للمضي في اتجاه تهديد الأمن والاستقرار في خطوط التواصل البحري على شواطئ البحر الأحمر وباب المندب وكذا البحر العربي وخليج عدن، وإلحاق الأذى بهذه المنطقة الحيوية التي ترتبط بها الكثير من المصالح الدولية، وكما أنه لا حكمة من وراء تغاضي ذلك المبعوث الدولي عن مخاطر ذلك الغول الإرهابي فلا تفسير منطقي لتجاهله لمظاهر الفوضى وحالة التفتت والانقسام التي يشهدها اليمن.
ثمة اختزاليان غير واقعيين يقع فيهما مجلس الأمن والأمم المتحدة عند تعاملهما مع الأزمة اليمنية..الأول ينطلق من تصوير المشهد اليمني أنه صراع مسلح بين فريقين يتقاتلان على السلطة ومركز القرار السيادي والمالي والإعراض كلياً عن حقيقة أن ما يحدث في اليمن هو صراع إقليمي على النفوذ والمكانة وشاءت الظروف أن تكون اليمن هي ساحة هذا الصراع الذي أوصل البلاد إلى الشلل التام.. أما الاختزال الثاني فهو في ربط الحلول بثلاث مرجعيات تجاوزتها الأحداث الأمر الذي يصعب معه أن تكون منتجة لمثل تلك الحلول، وإذا ما استمر التمسك بهذين الاختزاليين فلن يكون بوسع ولد الشيخ أو غيره فعل أي شيء للشعب اليمني سوى نقل التقارير والبلبلة حول الوضع الإنساني وإعطاء المسكنات والأمنيات باقتراب الحل فيما الواقع أن اليمن يتلاشى في تضاريس الخيارات الأممية التي تتجه به نحو الهاوية.

كاتب يمني