المواجهة في آسيا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
المواجهة في آسيا

ديفيش كابور

على مدار شهر كامل تقريباً الآن، كانت القوات الهندية والصينية مشتبكة في مواجهة متعادلة في دوكا لا ــ إذ تلتقي حدود بوتان والصين والهند ــ وهو أطول مأزق من هذا النوع بين الجيشين منذ العام 1962. في إشارة غير خفية إلى الصراع الأخير، الذي منيت فيه الهند بهزيمة كارثية، حذر المتحدث باسم وزارة الدفاع الكولونيل ووكوان الهند ونصحها «بالتعلم من الدروس التاريخية». لكن دروس التاريخ تميل بشكل غريب إلى التكيف مع منظور أولئك الذين يستشهدون بها.

ترى القيادة الصينية الحالية في صراع العام 1962 الثمن الذي كان على دولة مجاورة أن تدفعه مقابل عدم استجابتها للضرورات الإقليمية. ولكن في نظر الهند، كان ذلك الصراع مذلة أثارت غضباً يقض مضاجع البلاد طوال ما يزيد على نصف قرن من الزمن. وعلى هذا فمن المرجح أن يخلف ما تبقى منه التأثير المعاكس لما توقعه وو.

الواقع أن الإجحاف في العلاقات الدولية ليست كمثل الإحراج. فهي ترقى إلى التدهور العام لقوة فاعلة أخرى، وحرمانها من مكانتها، وترسيخ تسلسل هرمي واضح. وتوفر الحروب فرصة الإذلال بطرق صارخة للغاية، لأن الهزيمة في ساحة المعركة لا تجلب السخرية والاستهزاء فحسب، بل تنطوي أيضا على خسائر واضحة، وخاصة في الأراضي.
وإن كان لأي دولة أن تفهم التأثير الذي قد تخلفه مثل هذه المعادلة، فهي الصين. ففي حين كان وو يبث رسالته إلى الهند، كان الرئيس الصيني شي جين بينج يؤكد، في إطار الاحتفال بالذكرى العشرين لتسليم هونج كونج إلى الصين، على أن تلك الخطوة أنهت ما ألحقته بريطانيا بالصين من «مذلة وحزن» عندما استولت على المدينة في العام 1842.
ويعكس هذا استخدام الحزب الشيوعي الصيني الأوسع نطاقا لوصف «قرن المذلة»، الذي ادعى أنه لم ينته إلا عندما أسس الحزب الشيوعي الصيني الجمهورية الشعبية في العام 1949، لتغذية النزعة القومية الناشئة. خلال تلك الفترة، تراجعت صورة الصين الذاتية بوصفها القوة المتفوقة في شرق آسيا بفِعل سلسلة من الهزائم، والتي كانت مؤلمة بشكل خاص إذ أوقعتها بها اليابان المحدثة النعمة.
على الرغم من هذا الوعي القوي بالتأثير المستمر المتخلف عن مذلتها، كثيراً ما تفشل الصين في إدراك حقيقة مفادها أن تصرفاتها السابقة ربما أفضت إلى تحفيز مشاعر مماثلة لدى آخرين. كانت هزيمتها للهند في العام 1962 تتويجاً لمنافسة دامت عشر سنوات على زعامة الدول المستقلة حديثاً التي نشأت عن إنهاء الاستعمار. وكانت لهذا السبب تشكل ضربة مدمرة لتطلعات الهند لأن تصبح القوة التي لا ينازعها أحد على زعامة حركة عدم الانحياز.
والهند ليست الدولة الوحيدة التي لاقت المتاعب على يد الصين. ففي فيتنام، تخلف عبارة «ألف سنة من الهيمنة الصينية» نفس الصدى الذي تخلفه عبارة «مائة عام من الإذلال الأجنبي» في الصين.
لكن الصين ليست الدولة الوحيدة التي عانت من المذلة وأذلت دولاً أخرى بدورها. ففي حين عانت الهند من المذلة على يد الصين في العام 1962، فإنها ألحقت بجارتها باكستان بعد تسع سنوات ما يتذكره أهلها باعتباره هزيمة مهينة. فمنذ استقلالها في العام 1947، سعت باكستان لترسيخ نفسها بوصفها ندا للهند في جنوب آسيا، فانضمت إلى تحالفات تقودها الولايات المتحدة أو توددت إلى الصين لإظهار أهميتها الاستراتيجية. ولكن حرب العام 1971 بين الهند وباكستان، التي انتهت إلى استقلال شرق باكستان (بنجلاديش الآن)، سحقت تلك الآمال.
بيد أن باكستان تظل أيضا غافلة عن الأثر المتعب المترتب على تصرفاتها: تاريخها الذي دام أربعة عقود من الزمن تقريبا من التدخل في أفغانستان لتأمين «العمق الاستراتيجي»، والذي أوقع بأفغانستان أذى من شأنه أن يستمر لسنوات مقبلة، على نحو لم يلحقه بها الغزو الروسي. ويصدق نفس الأمر على كافة أشكال المذلة المذكورة آنفا: فهي مؤلمة بشكل خاص لأن من أحدثتها جارة آسيوية، وليس قوة قادمة من بعيد.
الواقع أن مثل هذه المتاعب، كما رأينا في حالة الصين، تخلف تأثيراً طويل الأمد. والواقع أنها قد توجد رغبة عارمة في الانتقام تطغى على دوافع السياسة الخارجية الأكثر واقعية. ولهذا السبب، كان الجيش الباكستاني، على سبيل المثال، على استعداد لتقويض جميع المؤسسات الأخرى في البلاد والتي أقسم على الدفاع عنها، باسم الانتقام من الهند.
مع صعود النزعة القومية في مختلف أنحاء آسيا، يُصبِح لدى القادة حوافز قوية لصياغة نسخة من التاريخ تعزز قضيتهم، ومن الواضح أن المذلة الصادمة من أكثر الذكريات التاريخية فعالية في تعزيز هذا الغرض. وقد أتقنت الصين هذا الفن، ولكن بوسعنا أن نرصده في أماكن أخرى أيضا، بما في ذلك في الهند. ويتمثل المفتاح في إيجاد تراتبية هرمية للمذلة، والتي بموجبها تصبح المذلة التي تلحق ببلد المرء شديدة الأهمية، في حين تتضاءل أهمية تلك التي تلحق ببلد الآخر، ولا تُذكَر إلا للتأكيد على المنزلة التراتبية.
مع ذلك، وكما يوضح النزاع الدائر الآن في دوكا لا، فإن مثل هذا النهج كفيل بخلق مخاطر جسيمة. فبعد الحرب العالمية الأولى، عندما فشلت أوروبا في معالجة إرث المذلة على النحو الملائم، كانت النتائج كارثية. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، ارتفعت أوروبا إلى مستوى التحدي، مما مهد السبيل إلى تعاون إقليمي غير مسبوق. ولا يملك المرء إلا أن يأمل أن تسلك آسيا مساراً مماثلاً ــ قبل أن يبلغ الغضب إزاء المهانة التاريخية نقطة الغليان.

مدير مركز دراسات الهند المتقدمة في جامعة بنسلفانيا