عزيزة راشد
تمتلئ صفحات الصحف بالألوان البراقة الزاهية، والتي كلّفت النشر فيها ألوف الريالات العُمانية، تقام الاحتفالات الباذخة وتنفق أموال طائلة في عمل الأناشيد والأغاني الوطنية، ما يلبث 23 يوليو أن يغادر بعد عمره الافتراضي الذي لا يدوم سوى 24 ساعة فقط، ومعه ينتهي كل شيء فتذهب الصحيفة إلى إعادة التدوير وينتهي الحفل وتختفي الأغاني وأناشيد 23 يوليو، أهكذا نحتفل بـ23 يوليو المجيد؟
23 يوليو تاريخ عظيم له في قلوبنا مكانة عزيزة، هو قصة لرجل أوجد من العدم دولة عصرية، وأحيا أمجاد امبراطورية سحيقة في القدم ما تزال أعلامها تُرفع في بيوت يذكر فيها اسم الله تحت راية إسلام نشره عمانيون ناضلوا من أجل رفعة شأن الإسلام وأهله.
إن الاحتفال بهذه المناسبة ليس احتفالاً مؤقتاً، وكان من الأجدى والأفضل أن يتم الاحتفال به بطرق أخرى أكثر فائدة على الوطن، فافتتاح مكتبة عامة بمناسبة 23 يوليو أطول أمداً في التأثير، وتشغيل مصنع يوظف من أبناء الوطن ما يجعلهم يعتزون بهذا التاريخ، وافتتاح مشروع يخدم الوطن أروع هدية ممكن أن نقدّمها بمناسبة 23 يوليو.
الوطن يحتاج للبناء وللتعمير وللتنمية أكثر من مجرد شعارات ترفع؛ لأن عُمان بلد بدأ قبل أن تبدأ الجغرافيا في رسم حدود البلدان، استوطنت على أرضها مختلف القبائل العربية، وانتجت عقولاً فذة تقلّدت مناصب قيادية على مستوى العالم تستطيع هذه العقول الآن من الشباب أن تنجز إنْ تم استغلالها الاستغلال الأمثل وتم صقل مهاراتها بطرق وأساليب عدة وقدّمنا للوطن كفاءات مدرّبة ومؤهلة، هكذا نكون قد احتفلنا بمناسبة 23 يوليو.
في كل مناسبة وطنية تُصرف مبالغ طائلة من الأموال لعمل نشيد وطني كلّف الدولة تذاكر سفر وإقامة وعمل لفريق الإعداد في إحدى الدول العربية لمدد زمنية قد تصل إلى شهرين وثلاثة، ثم ما يلبث أن يختفي النشيد بعد غروب شمس تلك المناسبة، ألا يمكن أن نستبدل كل ذلك العناء وتوفير الأموال الطائلة لعمل مشروع يخدم الوطن ويبقى للأبد.
إن أموال الوطن أمانة وصرفها لخدمته واجب، وتحقيق مبدأ التنمية المستدامة ركيزة أساسية في الاستمرارية للتقدم والازدهار، نحن الآن أمام مفصل خطير من مفاصل الاقتصاد والتي لا نعلم إلى أين ستنتهي؛ فالنفط بأسعاره المتذبذبة والتي تدخل فيها السياسة لتتحكم فيه وفق تقلبات سياسات الدول تجعلنا نفكر ملياً قبل صرف أي مبالغ لا فائدة من صرفها وليس وراءها مردود على الوطن.
انتهى وقت الترفيه وحان وقت الجدية، وإيجاد اقتصاد متعدد متنوع سعياً وراء حلم تحقيق الاكتفاء الذاتي، فالاستيراد من الدول ليس إنجازاً وإنما عجز عن تحقيق النجاح في الداخل، فنحن على سبيل المثال رغم أننا نمتلك الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة ومشروعاً ناجحاً كمشروع الاستمطار الصناعي إلا أننا ما نزال نستورد ما نأكله من شتى دول العالم، والأمر سيان على كل البضائع الأخرى التي تهم معيشة المواطن.
الإنسان العُماني مؤهل وقادر على العمل، تشهد له نجاحات نفتخر بها خارج البلد، ويستطيع إنْ أُوتي التدريب اللازم وصقلت المواهب وافسح المجال للقدرات أن ينطلق في إنجازات شتى. أن نهتم بالإنسان قبل اهتمامنا بالمكان وصقل هذا الإنسان وتقديمه لخدمة بلده في مشروع يخدم البلد هو ما يجب أن نقدّمه لأنفسنا ولبلادنا وللعالم في 23 يوليو المجيد.