علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com
للمجتمع العُماني عبر العصور والأزمان عاداته وتقاليده الاجتماعية الراسخة رسوخ جباله الشامخات، ولطالما حافظ العُمانيون على هذا الموروث عبر السنين والأزمان، حتى باتت السلطنة تذكر في المجالس والمنابر خارج الحدود وذلك بتميزها في هذا الضرب العريق.
غير إن المدنية الحديثة وتداخل القارات واختلاط الحدود وتلاشي الحواجز الجغرافية والمكانية بفعل تكنولوجيا التواصل الإلكتروني وقدرة الفضائيات الفائقة على نقل أي شيء وكل شيء ومهما بعد عنا بالمقاييس التقليدية القديمة، كل ذلك أفضى إلى ظهور حالات لمرض فيروسي اجتماعي جديد لم يكن معروفا في مجتمعنا عبر العصور، ذلك ما يمكننا أن نسمية مجازا بفيروس (داء العظمة).
شوهد ضحاياه في مجالسنا وسبلاتنا وفي معظم مناسباتنا الاجتماعية والرســـمية، وفي أي تجمــع بشـــري كان، بغتة نجد المصابين بهذا الشيء يتقافزون عبر الكتل البشرية متخطين الرقاب ومزاحمين من هم أمامهم أو من هم سبقوهم للحضور مبكرين، إنهم كالسيل الجارف لا يلوون على شيء، ميممين صــدر المجالــس، مخلفين وراءهم زفرات الاســتياء من الحضور، ومن تأذوا منهم دفعا ولمسا ووطئا، هم لن يجلسوا في أقرب مكان يجدون فارغا ومتاحا الجلوس فيه، ذلك لا يشبع طموحهم الذي لا تحده حدود، ومهما كلفهم الأمر من عنت ومشقة فهم لا يلوون على شيء، ففي صدر المجلس يجدون أنفسهم، وهناك يشبعون غرورهم، ويؤكدون ظنا للحضور بأنهم من علية القوم وأنهم ليسوا سقط متاع، وبوصولهم لهناك يوزعون ابتسامات الظفر، ويرفعون فوق رؤوس الأشهاد بيارق الانتصار الواهم.
المسألة باتت بالفعل لا تطاق، المجتمع من جانبه كأنه قد ابتلع الطعم، فإن الناس لا يخفون ترحيبهم بأولئك الذين يصرون على الوصول إلى القمة رغم العذابات التي عانوها، وباعتبار إن الإنسان العادي ليس له مكان هناك في صدر المجلس.
وبما أن هؤلاء جاهدوا للوصول إلى هناك فمـــا من شـــك إنهم ليســـوا أناسا عاديين، هنا نجـــد المبالغــة في الترحيب بهم، باعتبارهم قد شــرفوا المكان والزمان معـــا بحضورهم البهي، وقد تكون الحقيقة غير ذلك تمــامـــا، فهم أكثر من عاديين، إشارة إلى أن كل ابن آدم يجب أن يكون عاديا مصداقا لقوله تعالى في الآية 37 من ســـورة الإسراء: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلــغ الجــبال طولا} صدق الله العظيم.
نأمل من أولئك شفاهم الله أن يعودوا للجذور العُمانية الضاربة في عمق الأصالة وليوقنوا بأن لنا شيئا اســمه آداب المجالس، كان نهجا تقليديا صرفا يلتزم به الناس جميعهم حتى أضحى رمزا للعُماني في حله وترحاله.