التنقيب في النظام الطــائفـي فـي الهــند

مقالات رأي و تحليلات الجمعة ١٩/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٣٥ ص

شاشي ثارور
في 17 يناير قام روهيت فيمولا، طالب دكتوراه في جامعة حيدر أباد في ولاية تيلانجانا في الهند بشنق نفسه. رغم الكثافة السكانية في هذا البلد والتي تصل إلى 1.2 بليون نسمة، فإن لموت فرد واحد تأثيرا كبيرا.

كان فيمولا من الطبقة الطائفية المنبوذة (داليت) وكان عضوا في ما كان يعرف باسم «المنبوذين» في الجزء الأسفل من النظام الطبقي الطائفي الهندي. كما كان زعيم رابطة الطلاب أمبيدكار في جامعة حيدر أباد التي تسعى إلى تعزيز حقوق الداليت. وحقق فيمولا شيئا لا يمكن تصوره من خلال موته: لقد أصبح بطلا وطنيا، وأصبحت مأساته عبارة عن رمز الصلابة السامة للطبقية في مسار التنمية بالهند.

على عكس العرق الطبقة الطائفية غير مرئية: فوجه الشخص لا يحدد طائفته. ومع ذلك فإن الطائفية تسيطر بشكل قوي على المجتمع الهندي، مما يحد من الفرص المتاحة في جميع مراحل الحياة. الأشخاص الداليت يحتم عليهم ارتداء بصمة عار خفية واحتقار في كل التفاعلات اليومية. وقد ذكر موت فيمولا الهنود مرة أخرى بأن أكثر من 300 مليون شخص ينتمون إلى الطبقات الدنيا، فضلا عن «القبائل» أو السكان الأصليين، الذين لا يزالوا يعانون من التمييز والتعصب والعداء، وحتى العنف في كل خطوة من السلم الاجتماعي.
ومن المؤكد أن الحكومة الهندية قامت بجهود كبيرة لتصحيح الوضع. فبعد تسعة أيام من وفاة فيمولا، احتفلت الهند بالذكرى 66 لاعتماد دستورها، الذي سعى إلى مكافحة الطبقات الاجتماعية الجامدة في البلاد بتطبيق أول وأشمل برنامج عمل إيجابي في العالم. وتم ضمان المساواة في الفرص وتحقيق نتائج إيجابية للطوائف والقبائل المستهدفة، وذلك عبر تخصيص حصص لها في المؤسسات التعليمية والوظائف الحكومية، وحتى مقاعد في مجالس البرلمان والدولة.
ومنحت هذه الحصص أو «التحفظات» بناء على هويات (المفترض أن تكون غير قابلة للتغيير) الطبقة الشعبية. وكانت خطوة صغيرة نحو تعويض الملايين من البائسين الذين عانوا يوميا من الظلم والإذلال بسبب «النبذ».
على مدى السنوات الـ 66 الفائتة، التزم السياسيون التزاما قويا باعتماد العمل الإيجابي. رغم أنه من المرتقب أصلا أن تنتهي صلاحيته بعد عشر سنوات، فقد يتم تمديد التحفظات لمدة سبعين سنة، مع مزيد من التمديدات عندما يحين وقت التجديد في العام 2020. إن الحصص تبقى بمثابة «السكة الثالثة» للسياسة الهندية. إذا مسها أحد سيكون في خطر.
ولم تتحسن أحوال الداليت أكثر من أسلافهم البائسين إلا قليلا. وفي الواقع، ما زالوا يحتلون المكانة الدنيا في المجتمع من حيث جميع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، من مستويات التعليم إلى دخل الأسرة.
وتم قبول فيمولا في جامعته عن جدارة واستحقاق، وليس من خلال نظام التحفظات. لكنه واجه كل التحيز الذي يواجهه أي داليتي. وقد ترك وراءه رسالة عميقة تصف سوء معاملته من طرف إدارة الجامعة البيروقراطية والعديمة الرحمة. وكانت الإهانة القصوى تتمثل في قطع المنحة الجامعية التي كان يعتمد عليها ليس لدعم نفسه فقط، ولكن أيضا لدعم أمه الوحيدة- وذلك كعقوبة لنشاطه السياسي. وأوصى في رسالته الحزينة جدا بأن تدفع الجامعة جزءا من المال الذي في ذمتها لعائلته قصد تغطية ديون تكبدها نتيجة حرمانه من المنحة. والواضح أن تحفظات وظائف القطاع العام ومقاعد الكلية وحدها قد فشلت في وضع حد للتمييز.
لقد أثار موت فيمولا موجة من الاحتجاجات الشعبية، وتدفق كبار السياسيين إلى حيدر أباد لإضافة أصواتهم إلى الدعوات المنددة ليس بالجامعة فقط، بل وبالحكومة أيضا وخاصة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي ظل صامتا لمدة أسبوع تقريبا بعد وقوع المأساة. وأخيرا، تحدث مودي بشكل مؤثر في جامعة «باباصاهب بيماراو أمبيدكار» في «لكنوا» ذات الأغلبية الداليت (وقد سميت هكذا على اسم الزعيم الداليت الكبير والذي ترأس لجنة صياغة الدستور)، قائلا إنها قضية ليست لها علاقة بالسياسة: «فالسياسة لها مكانها، ما نواجهه الآن هو فقدان أم لابنها».
لكن لا تزال السياسة جزءا لا يتجزأ من المشاكل التي أبرزتها هذه المأساة. وكان أول رئيس وزراء الهند جواهرلال نهرو يأمل أن يتلاشى هذا الوعي الطبقي الطائفي بعد الاستقلال. ولكن حدث العكس، لأن الطبقات الطائفية كانت دائما تشكل مصدرا قويا لتعريف الذات، وثبت أنها أداة مفيدة للتعبئة السياسية في الديمقراطية الانتخابية في الهند: عندما يدلي الهنود بأصواتهم، فإنهم غالبا ما يصوتون لفائدة طبقتهم الاجتماعية. كما استعملت وعود السياسيين بمنح امتيازات لمختلف الطبقات كتكتيك رئيسي للحصول على أصوات الناخبين في الهند.
إذا أرادت الهند القضاء على التمييز والإهانة الموجهة ضد أفراد الطبقات الدنيا، يجب عليها تجاوز سياسات الهوية والتركيز على الأهداف الإنمائية على أوسع نطاق وعلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية. لن يكون هذا بالأمر السهل - خاصة أن الهنود يتنافسون بقوة نظرا لقلة فرص العمل في بلد مكتظ بالسكان. وطالما استمر وجود التحيز، سيقوم السياسيون باستغلاله في الديمقراطية المثيرة للجدل في الهند.
وصادف تاريخ 30 يناير الذكرى 68 لاغتيال مهاتما غاندي، الذي ناضل ليس فقط من أجل الاستقلال، ولكن أيضا من أجل مزيد من العدالة والمساواة والأخلاق في الهند. يجب على الدولة أن ترى في مأساة فيمولا تذكيرا مهما بالحاجة الماسة لتجديد التزامنا لمثل غاندي، حتى لا يدفع بطلاب رائعين مثل داليت إلى اليأس أو ربما أسوأ. فقد يعتبر هذا أملا تقيا، لكنه الأساس الحقيقي للأمة الهندية.

وكيل أمين عام سابق للأمم المتحدة

ووزير دولة هندي سابق للشؤون الخارجية