علي ناجي الرعوي
سؤال بات يتردد كثيرا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل وفي كل اجتماع أو حوار أو فعالية سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو حتى رياضية أو غيرها.. فالكل يتساءل في خضم التقلبات التي تشهدها المنطقة وما تمر به من أحداث وتطورات وصراعات طائفية ومذهبية وعمليات إرهاب وحروب وتطرف مضاعف: هل العرب على حافة كارثة شبيهة بالكارثة التاريخية التي حلت بهم عقب السقوط المدوي لغرناطة في العام 1492 وهي الحادثة التي مثلت نوعا من نهاية التاريخ لدى العرب الذين وجدوا في سقوط غرناطة والأندلس سقوطا لحضارتهم التي تشكلت بأدق معانيها في ذلك الجزء من العالم لتتحول بعدها الحضارة العربية والإسلامية إلى جسد ميت بين الحضارات الإنسانية.
الكثيرون يجمعون اليوم على أن العرب هم الآن الطرف الأضعف في الإقليم وأن الحروب والصراعات التي تدور على أرضهم وداخل بلدانهم هي بمثابة إعلان صريح على أن العرب يقفون في اللحظات الراهنة على عتبات خطر قادم سيكون مرعبا ومأساويا ومؤلما وفوق قدرات المجتمعات العربية على تحمل تداعياته وإرهاصاته شديدة القسوة كما أن الجميع يتفق على أن الاعتراف بهذا الخطر الذي يتهدد حاضر الأمة ومستقبلها أضحى ماثلا ومؤشراته تلوح في الأفق بصورة كافية تدل على قرائن ذلك الخطر الذي يتبدى من خلال الفراغ الذي يخيم على الساحة العربية مما يشي إلى أن العالم العربي مرشح للانفراط والتقسيم والتفتيت وأن عملية إعادة تشكيله تمضي منذ سنوات في صمت خافت أحيانا ومرتفع أحيانا أخرى وأن هذه التحولات التي تحدث على الأرض توحي بأن الهندسة التي يجري من خلالها إعادة رسم خارطة المنطقة لن تتوقف عند المنظور الجغرافي على غرار خريطة سايكس بيكو التي أنتجت الدول العربية القائمة قبل أكثر من مئة عام وإنما الأرجح أنها التي ستجري وفق رؤية العقل الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يرفض فكرة انتماء المنطقة العربية إلى وحدة ثقافية وحضارية واحدة.
تغدو مثل هذه الاحتمالات أكثر وضوحا إذا ما توقفنا قليلا أمام ما تضمنه كتاب الباحث الألماني فولكر بيرتس المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والذي عين مؤخرا مساعدا للمبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميتسورا بعنوان (نهاية الشرق الأوسط الذي نعرفه) والذي يعبر عن حقيقة لا تخفى على أحد وأعني أن ثمة اتفاق على إعادة صياغة خارطة المنطقة العربية بعد أن تكفل العالم العربي كما يشير الكاتب بتشويه حاضره وإضعافه ودفع القوى الخارجية مضطرة للتدخل لتحديد معالم مستقبل العرب حرصا من تلك القوى على مصالحها التي قد تتعرض للتهديدات نتيجة طوفان اللاجئين القادمين من المنطقة الذين يتدفقون على البلدان الأوروبية والغربية على نحو مزعج وصفه الرئيس أوباما ذات يوم بـ (تهديد لوجود أوروبا) فيما يعود السبب الآخر إلى مخاوف الغرب من التهديدات الناجمة عن تمدد تنظيم داعش والمجموعات الجهادية المتطرفة في البلدان العربية وإمكانية قيام هذه التنظيمات بالتسلل إلى خارج المنطقة ومنها إلى العواصم الأوروبية والغربية وضرب مفاصل الأمن والاستقرار في داخلها من خلال العمليات الإرهابية والانتحارية وبصورة قد تلحق الضرر البالغ بتلك البلدان.
في مقابل ذلك فاللافت أن أيا من مراكز صناعة القرار في البلدان العربية لم تعط هذا الموضوع الأهمية التي يستحق بل أن مؤسسة كالجامعة العربية والهيئات المتفرعة عنها لا تظهر أي قلق من هذا الخطر الذي ينذر بقلب بنية المجتمعات العربية رأسا على عقب والمؤسف أكثر أن من يتصدرون مراكز صناعة القرار لا يبدون حاضرون في كل ما يجري من تحولات على الساحة العربية وكأن ما يعتمل على السطح ليس أكثر من مجرد حالة عابرة أو عاصفة غبار لا تلبث أن تهدأ وتسكن لتعود الأمور إلى طبيعتها والأغرب من هذا أن لا نجد من يلتفت إلى الحروب والصراعات والفتن والانقسامات والوقائع المدمرة التي تعصف بحال البلدان العربية على الرغم مما قد يترتب على تلك الحرائق والمصائب من انعكاسات قاتلة على المضمار الجغرافي والديموغرافي والأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي العربي.
ليس سرا أن يظهر العرب بهذا الانكشاف فهم الذين يقتلون بعضهم البعض وهم الذين يجتهدون في شن الحروب على من يختلفون معه من إخوانهم العرب وهم الذين لا يلتفون حول رؤية تجمعهم أو مشروع يضمهم أو هدف يدافعون عنه.. وفي ظل هذه الملهاة فمن الطبيعي أن تحيق بهم هذه الحالة من الفراغ وأن يصبح العرب على فوهة بركان التقسيم والتفتيت والتشظي على أساس مذهبي أو طائفي أو قومي أو عرقي أو حتى سايكس بيكو جديد وبالذات ونحن لا نرى سوى ثلاثة مشروعات تتنازع المنطقة أولها إسرائيلي يتمدد نحو الاستيطان والثاني إيراني يتمدد سياسيا والثالث تركي يتمدد اقتصاديا وهو ما يضعنا أمام أمرين: إما أن مراكز صناعة القرار العربي تعلم أمورا ونجهلها نحن العامة أو أنها التي تعلم بكل ما يجري ولا تمتلك أدوات وسياسات تمكنها من إخراجنا من هذا المستنقع الذي ندفع إليه رغم أنوفنا وبالتالي فإنها وسلطاتها اليوتوبية لا ترغب في إزعاجنا طالما وهي عاجزة عن إنقاذنا من هذا الضياع.
التقديرات متعددة للخطر القادم فالاهتزازات التي أصابت سوريا والعراق واليمن وليبيا هي من قد تؤدي إلى تفكك هذه البلدان إلى عدة كيانات تنفجر بمواطنيها وجيرانها فالإقليم الكردي في العراق لم يعد أمامه لتحقيق الاستقلال إلا أن يزيل العلم العراقي من على منشآته ليلتحق بعده الإقليم الشيعي والإقليم السني في كيانين منفصلين يتمتعان بكل الاستقلالية فيما سوريا أصبحت مهيأة للدخول في ذات المرحلة والتفتت إلى كيانات علوية وسنية وكردية وغيرها من المسميات وإذا ما عرجنا على اليمن فإنها التي تبدو جاهزة للتمزق في مجموعة من الكيانات الجغرافية والجهوية بعد أن فقد هذا الجسم مناعته وتكالبت عليه العديد من الأمراض والعلل والصراعات والخلافات والحروب الداخلية والخارجية وفي ذات الوقت فإن رحلة عودة مصر إلى الاستقرار ما زالت بطيئة وشاقة بعدما ألقت العناصر الجهادية والمتطرفة بكل أوراقها في هذا البلد الذي افتقد دوره القيادي وترك مقعده شاغرا منذ عدة سنوات.
الأزمات التي تعصف بالمنطقة العربية لم تعد محصورة في بلدان محددة فالمشرق والمغرب العربيان يموجان بتداعيات وتطورات لا تحكمها قواعد أو نصوص أو آليات فالجروح الغائرة في هذا الجسد وإن كانت لا تسير في خطوط متوازية فإنها التي تتقاطع هنا وهناك وفق حسابات رياضية معقدة تذكر بحاجة العرب إلى يقظة عاجلة لإيقاف الخطر الداهم الذي يتهدد مصالحهم ووجودهم وخارطة بلدانهم وهذا الخطر لن ينتظر اللحظة أو اليوم الذي يستيقظ فيه العرب من سباتهم ويشعرون بأن سفينتهم تغرق وأن هذه السفينة إذا ما غرقت فلن ينجو أحد.
إذا أردنا الحل فهو موجود ولنبحث عنه في حدود المسافة بين علاقة العربي بالعربي وبين سقوط غرناطة وسقوط بغداد.
كاتب يمني