هل ينبغي للصين أن تخفض ديونها؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
هل ينبغي للصين أن تخفض ديونها؟

يو يونج دنج

في الآونة الأخيرة، أصبحت مشكلة الديون المتراكمة في الصين في دائرة الضوء عندما خفضت وكالة موديز تصنيف ديون البلاد السيادية. ولكن هل كان ذلك التخفيض مبررا حقا؟ ورغم أن إجمالي نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين ليست شاذة بين اقتصادات الأسواق الناشئة، ورغم اعتدال مستويات ديون الأسر والحكومة، فإن نسبة ديون الشركات إلى الناتج المحلي الإجمالي، التي بلغت 170 %، هي الأعلى في العالَم، وهي تعادل ضعف النسبة في الولايات المتحدة. كما تُعَد نسبة استدانة الشركات (نسبة الديون إلى الأسهم) في الصين مرتفعة للغاية، وتواصل الارتفاع.

الواقع أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي المرتفعة والمتزايدة الارتفاع، والتي تسير جنبا إلى جنب مع ارتفاع نسبة الاستدانة، من الممكن أن تؤدي إلى أزمة مالية من خلال ثلاث قنوات. الأولى تتمثل في تدهور جودة أصول المؤسسات المالية وانحدار أسعار هذه الأصول. ومع اضطرار المؤسسات بفِعل المحاسبة على أساس السوق إلى شطب كمية مساوية من حقوق المساهمين، ترتفع نسبة الاستدانة، على النحو الذي يؤدي إلى المزيد من تدهور جودة الأصول وانخفاض أسعارها. أما القناة الثانية فتتمثل في رفض المستثمرين، الذين يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع نسبة الاستدانة، ترحيل الديون القصيرة الأمد. وهذا من شأنه أن يجعل السوق المالية تتوقف، وتضطر البنوك وغيرها من المؤسسات المالية إلى إحكام شروط الائتمان ورفع أسعار الفائدة، مما يزيد بالتالي من ضَعف قدرة المقترضين على سداد أقساط الديون. وتتكاثر حالات العجز عن السداد ويزداد حجم القروض المتعثرة. تتلخص الطريقة الثالثة التي قد تجعل ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تؤدي إلى الأزمة في دفع البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية، غير القادرة على تأمين القدر الكافي من رؤوس الأموال، إلى الإفلاس. وفي هذه الحالة، ربما يتملك الذعر من عامة الناس فيسحبون أموالهم، ويُفضي هذا إلى التكالب على سحب الودائع على النحو الذي قد يؤدي إلى انهيار النظام المالي بالكامل. ولكن لا يبدو أن أياً من هذه السيناريوهات يشكل خطرا حقيقيا بالنسبة للصين، على الأقل ليس في المستقبل المنظور. ذلك أن الصين دولة مقتصدة وحريصة للغاية، إذ يعادل مجموع المدخرات الكلية نحو 48 % من الناتج المحلي الإجمالي. ونتيجة لهذا، فإن الأموال القابلة للإقراض وفيرة، ومن الممكن الإبقاء على تكاليف التمويل منخفضة. وبالتالي فإن الصين لديها مجال أوسع من دول أخرى للإبقاء على نسبة عالية من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. فضلا عن ذلك، ولأن ديون الصين تتألف أغلبيتها الساحقة من قروض مقدمة من بنوك مملوكة للدولة إلى شركات مملوكة للدولة، يشعر المودعون والمستثمرون بالثقة (سواء عن حق أو خطأ) لأن أصولهم تحمل ضمانة حكومية ضمنية. والأمر ليس أن موقف الحكومة المالي قوي فحسب؛ فهي تملك أيضا ما يعادل 3 تريليونات دولار أمريكي في هيئة احتياطيات من النقد الأجنبي وهو مبلغ يتجاوز كثيرا ديون الصين الخارجية. وبوسع الحكومة الصينية، إذا اختارت ذلك، أن تنقذ البنوك المتعثرة، وتمنع انتشار عدوى الإفلاس. وللمزيد من تخفيف مخاطر الدين، يظل حساب رأس المال الصيني مغلقا إلى حد كبير، مما يمكن الحكومة من منع هروب رؤوس الأموال وكسب الوقت الكافي للتعامل مع الأحداث المالية غير المتوقعة. ومن المفيد أيضا أن بنك الشعب الصيني مستعد لضخ السيولة إلى أسواق المال كلما دعت الضرورة. ولا شيء من هذا يعني أن ارتفاع مستوى ديون الشركات في الصين ليس مدعاة للقلق. ولكنه يعني ضمنا أن خفض الديون قد لا يكون ضرورة ملحة كما يتصور كثيرون، وخاصة في وقت حيث تتعامل الصين مع حتمية سياسية أكثر إلحاحا والتي قد يقوضها الخفض السريع للديون.

الرئيس الأسبق للجمعية الصينية للاقتصاد العالمي