«الخصوصية» ورثة أم اختيار؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص
«الخصوصية» ورثة أم اختيار؟

سمعان كرم

كثيراً ما تستعمل الشعوب كلمة «الخصوصية» لتبرير بعض التصرفات أو عدمها أو لتفسير المواقف. وعلى سامعها أن يفهم أنها تتعلق بما يتميَز به المتكلم دون غيره من الشعوب وبالتالي يعتبر أن من حقه أن يغلق باب الحوار في أمور عديدة اجتماعية كانت أم اقتصادية. وتستعمل تلك الكلمة لإعطاء الأعذار أحياناً وللتفاخر أحياناً أخرى. وإذا سألت أحدهم لماذا قمنا بذلك التصرف أم لماذا لا نقوم بهذا الإجراء أو تلك المهنة، كما غيرنا، أجابك «هذه خصوصيتنا». فما هي بالضبط تلك الخصوصية وما مصدرها وعناصرها وماهيتها. هل هي موروثة وآتية من قدر محتوم لا يمكن تغييره؟ هل هي ثروة تغنينا أم عبء يتعبنا ويعيق حركتنا وابتكارنا. ما معنى «نحن غير».

إذا تكلمنا عن التصرف الاجتماعي فطبعاً هي كلمة تعني الكثير، والعناصر التي تكوَنها عديدة ومتنوعة. كلنا يعلم ويعترف أن الياباني له خصوصيته وكذلك الصيني والفرنسي والهندي والأفريقي والعماني. خصوصيتنا الاجتماعية نحن تقوم على قيم وعادات ومظاهر وتقاليد ورثناها عن الأجداد من أعماق التاريخ ونحافظ عليها بالتزام تام. من القيم التي يتحلى بها العماني التعلق بالدين، واحترام كبار السن، خصوصاً الأهل، والوسطية، وقبول الآخر والبعد عن التطرَف حتى في اختيار الألفاظ، وحب الشعر والأدب، والشورى والسعي للسلام، والتواضع المربوط بالكرامة، وحب الجبل والبحر والسيوح، والرقصات الشعبية والإبحار والسبلة والمهرجانات. كذلك لنا مأكولاتنا الخاصة من حلوى ومشاكيك وشواء. ولنا لباسنا الممَيز من دشاديش وخناجر وعمائم وبراقع وأوزار. ولنا طريقة خاصة لإلقاء التحية، ومراسم المناشدة وأخذ العلوم عن الأحداث والأهل والبلاد وحتى على سبيل المزاح نذكر الحسد البريء كواحد من تلك العناصر. كلها سمات موروثة تشكل مجتمعة ما نتميز به دون غيرنا وهذا هو ما نعني به عندما نقول هذه «خصوصيتنا» أو «نحن غير» هذا ما عرف به العماني وله الحق أن يتفاخر به ويحافظ عليه، إذ إنها أمانة في عنقه ولا بأس في ذلك. تلك هي الهوية الاجتماعية والإنسانية.

لكن لو أردنا أن نترك الموروث برهة وأن ننتقل إلى الزمن المعاصر وتساءلنا عن هويتنا الاقتصادية، كأفراد وكمجتمع، هل عندنا خصوصية أم أن الرؤية الواضحة تلك تتلاشى وتغمض أمام أعيننا. هل نحن مزارعون أم تجار؟ هل نحن وراء وظيفة أم روَاد أعمال؟ هل نحن صيَادون؟ هل السلطنة بلدٌ سياحي أم صناعي أم لوجستي؟ هل نحن فعلاً في نظام السوق الحرة؟. هنا نخرج عن الموروث وندخل في باب الاختيار. بنفس الدرجة من الشفافية والوضوح،علينا أن نحدد هويتنا الاقتصادية التي تتناسب مع مواردنا الطبيعية والبشرية وموقعنا الجغرافي والمعنوي في العالم. هذا ما تسعى إليه الخطط الخمسية والرؤية 2020 و2040 وبرنامج «تنفيذ». لكن هل يمكننا اليوم وبعد مرور أربعة عقود ونيف على النهضة المباركة التي أنجزت الكثير، هل يمكننا أن نقول مثلا أننا بلد سياحي بامتياز وأن أجيالنا مهيئة ومستعدة لاستقبال الملايين من السائحين مهما كانت ثقافتهم أو عاداتهم أو خصوصيتهم؟ هل مرافقنا مجهزة لذلك؟ أو أن نقول مثلاً أننا مركز تجاري عالمي وممر للبضائع في جميع الاتجاهات براً وبحراً وجواً. نرى جيداً أن الخصوصية هنا هي بمتناول أيدينا، نحددها نحن دون غيرنا من أسلاف أو من غرباء.

والحكمة تقضي ألا نضحي بهويتنا الاجتماعية من أجل الهوية الاقتصادية من جهة وألا تبقى هويتنا الاجتماعية عثرة في تطوير وتقدم هويتنا الاقتصادية بل أن نوفق بين الاثنين لمنفعتنا ومنفعة الوطن. كيف يتم ذلك؟
الجواب يكمن في الاختيار الحكيم ومن ثم التركيز وبعدة التنفيذ. فإذا قررنا أن نكون بلداً سياحياً بامتياز وأن تحدد السياحة هويتنا الاقتصادية وهذا قرار حكيم بحسب رأيي المتواضع، يصار إلى التركيز. ولن نختصر اقتصادنا فقط على السياحة بل يبقى هذا القطاع بمثابة رأس الحربة والمحرك الرئيسي نحو الهدف. إذ إن السياحة تخدم ميزان المدفوعات وتنمي المناطق وتوجد الوظائف التي لا تتطلب الخبرات النظرية العميقة، وتعرفنا على خصوصيات الشعوب خصوصاً وأن الله تعالى حبا عمان بطبيعة فريدة بتنوعها وجمالها. ماذا نعني بالتركيز؟ أن يصبح ذلك الخيار خياراً للحكومة برمتها وليس فقط للوزارة المعنية. ويصار إلى تعديل مسار جميع المؤسسات نحو ذلك الهدف وتلك الأولوية. نبدل برامجنا المدرسية والتقنية والجامعية، تضع الوزارات جميعها السياحة عالياً في عملها. وقبل تنفيذ أي مشروع نسأل أنفسنا هل هذا الطريق والمطار والميناء يخدم السياحة، وهل أنشطة البلديات تخدم السياحة، وهل قوانين التأشيرات يخدم السياحة، وهل المواقع الأثرية والمحميات الطبيعية مجهزة لاستقبال السائحين، هل هناك برامج ترفيهية وتثقيفية، هل المستشفيات جاهزة لاستقبالهم، هل المطاعم والفنادق ودورات المياه متوفرة، هل النقل العام مفعَل لذلك الغرض، هل سائقو الحافلات وسيارات الأجرة مدربون ويتكلمون لغات عدة، هل الإعلام الداخلي والخارجي والتسويق عامة يتناغم مع المجهود العام؟ والعمانيون الذين يسافرون خارج السلطنة لأغراض سياحية ترفيهية كانت أم صحية أم علمية يعرفون جيداً كل تلك المتطلبات.

يقول البعض إن كل ذلك موجود ضمن الخطط التنموية. هذا صحيح لكن الذي ينقص هو التركيز وعدم تشتيت الموارد وبعثرتها على العديد من الأفكار والمشاريع. الرؤية التي تقدم العديد من الاحتمالات والخيارات ليست رؤية واضحة بل تعطي صورة ضبابية وتصيب العين بالحَول. لنقرر إذا على اتجاه واحد رئيسي ونركز عليه وننفذه فيصبح خاصا بنا. عندها يمكننا القول إننا لنا خصوصيتنا الاجتماعية والاقتصادية معاً.