لندن - أ ف ب:
تحوَّل السويسري روجيه فيدرر من شاب ذي شعر طويل سريع الغضب على أرض ملاعب كرة المضرب، إلى لاعب متكامل وأيقونة للعبة في العصر الحديث وأحد أعظم لاعبيها تاريخيًا.
بعد 14 عامًا على إحراز لقبه الكبير الأول، يقف السويسري الذي سيبلغ السادسة والثلاثين من العمر في الثامن من أغسطس المقبل، على عتبة إنجاز جديد، في حال إحرازه الأحد لقبه الثامن في بطولة ويمبلدون، ثالث البطولات الأربع الكبرى.
وفي حال تمكن من تخطي عتبة الكرواتي مارين سيليتش، سينفرد فيدرر بالرقم القياسي لألقاب ويمبلدون (7 حاليًا)، ويعزز رقمه القياسي في عدد ألقاب الدورات الكبرى (18 حاليًا). كما سيصبح في حاله فوزه على منافسه البالغ من العمر 28 عامًا، أكبر لاعب يحمل لقب البطولة المقامة على الملاعب العشبية لنادي عموم إنجلترا.
وقال السويسري بعد فوزه في نصف النهائي الجمعة على التشيكي توماس برديتش وبلوغه نهائي ويمبلدون للمرة الحادية عشرة "العام 2003 يبدو بعيدًا جدًا، بسبب ذيل الحصان (ربطة شعره الطويل)، اللحية، كل شيء يخطر في البال. هذه المرة مختلفة."
تغير الكثير منذ أحرز فيدرر أول لقب كبير، بتغلبه على الأسترالي مارك فيليبوسيس على الملعب الرئيسي في ويمبلدون العام 2003.
على أرض الملعب، حصد أكثر من 100 مليون دولار جراء 92 لقبًا في دورات المضرب. أما خارجه، فأصبح والدًا لأربعة توائم من زوجته ميروسلافا "ميركا"، لاعبة كرة المضرب السابقة التي تعرف عليها خلال أولمبياد مدينة سيدني الأسترالية العام 2000.
إلا أن مسيرة السويسري لم تكن دائمًا مستقرة.
لم تكن موهبته في المراحل الأولى خافية على أحد، إلا أن طباعه الحادة وسرعة غضبه، هددت أي مستقبل له.
وأقر السويري بأنه مر "بأوقات صعبة" ليتمكن من "التصرف بشكل لائق على أرض الملعب. بالنسبة إليَّ كان ذلك مسألة مهمة".
في 2001، هزم فيدرر الأمريكي بيت سامبراس -أحد أبرز اللاعبين في حينها والذي يتشارك وفيدرر نيل سبعة ألقاب في ويمبلدون- على الملاعب العشبية في لندن، لكنه خسر في الدور الأول بعد عام.
تطلب الأمر مأساة شخصية لتتخذ مسيرة فيدرر منحى مختلفًا: مع بلوغه سن الحادية والعشرين، توفي صديقه المقرب ومدربه في الأعوام الأولى لمزاولة كرة المضرب، بيتر كارتر، في حادث سير في جنوب إفريقيا. ومنذ ذلك الحين، قطع فيدرر عهدًا على نفسه لتحقيق الفوز تلو الآخر، بأسلوب سلس ورشيق يضع حدًا لنزعاته العصبية.
في الثامن من أغسطس 1981، ولد روجيه في مدينة بازل، لأب سويسري هو روبير وأم جنوب إفريقية هي لينيت، وبدأ مزاولة كرة المضرب في الثامنة من عمره.
أحرز أول لقب كمحترف في دورة ميلان الإيطالية 2001، وحصد منذ ذلك الحين لقبًا على الأقل في كل سنة، باستثناء العام 2016 عندما توقف موسمه في نصفه تقريبًا، وغاب لستة أشهر بسبب معاناة مع إصابة في الركبة.
منذ بداية 2017، أعاد فيدرر إلى الأذهان المستوى الذي قدمه في أعوام القمة، لاسيما خلال العقد الأول من الألفية الجديدة. بدا عائدًا بقوة بعد أشهر الراحة بسبب الإصابة، إذ أحرز في يناير 2017 لقب بطولة أستراليا المفتوحة، أول ألقابه الكبيرة منذ 2012.
وتحمل بطولة أستراليا ذكرى عزيزة لدى فيدرر، إذ أنه بعدما أحرز لقبها للمرة الأولى العام 2004، تصدر ترتيب اللاعبين المحترفين عالميًا، وهو موقع احتله خلال مسيرته لمدى 302 أسبوع.
رصيده في الألقاب الكبرى موزع على البطولات الأربع: خمسة في أستراليا، ولقب في فرنسا، وسبعة في ويمبلدون، وخمسة في الولايات المتحدة. إلى ذلك، أضاف 26 لقبًا في دورات الماسترز، وذهبية أولمبياد 2008 في فئة الزوجي، وكأس ديفيس للمنتخبات 2014.
كان لرصيد فيدرر أن يكون أكبر لو لم يواجه خلال مسيرته لاعبين من طراز الإسباني رافايل نادال والصربي نوفاك ديوكوفيتش، اللذين خسر أمامهما في تسع مباريات نهائية في البطولات الكبرى.
استمراريته على أرض الملعب تثير الإعجاب: 101 مباراة حتى الآن على ملاعب ويمبلدون (قبل المباراة النهائية)، 100 في ملبورن ضمن بطولة أستراليا المفتوحة، 89 في فلاشينج ميدوز الأمريكية، و81 في رولان جاروس الفرنسية على الملاعب الترابية.
رغم هذه الإحصاءات الكفيلة بحجز موقع دائم له بين أكبر الأسماء في عالم الرياضة على مر التاريخ، يقر فيدرر بأن توتره العصبي لا يزال هو نفسه قبل كل مباراة مهمة.
ويقول: "أحيانًا تشعر أن (هذا التوتر) ينعكس تباطؤًا في حركة الرجلين، أو تسارعًا في نبض القلب (...) لطالما أقول إنني سعيد لأنني أشعر بهذه الأمور، لأن ذلك يعني أنني مهتم".
"أخرج فائزًا أم خاسرًا الأحد أمام سيليتش"، يؤكد فيدرر أنه لم يحدد بعد موعدًا لاعتزال اللعبة. ويوضح "أتناقش دائمًا مع زوجتي حول العائلة، الأطفال، هل الجميع سعداء في الدورات، هل نحن سعداء عندما نحزم حقائبنا وننتقل للمشاركة في دورات كرة المضرب على مدى خمسة، ستة، سبعة أسابيع. هل نحن مستعدون للقيام بذلك؟".
أضاف "حتى الآن، يبدو أن ذلك لا يسبب أية مشكلة على الإطلاق، وهذا أمر رائع".
لم يخسر فيدرر أي مجموعة بعد في بطولة ويمبلدون هذه السنة. ويبدو منافسه في النهائي سيليتش، الذي فاز عليه مرة واحدة في سبع مواجهات بينهما، مدركًا لصعوبة المهمة الملقاة على عاتقه الأحد.
ويقول الكرواتي: "إذا نظرت إلى لاعبين آخرين يبلغون من العمر 35 أو 36 عامًا، يمكن بوضوح أن ترى أثر العمر والسنين التي أمضوها في ملاعب كرة المضرب لكن ليس عليه"، في إشارة لفيدرر.