هيكل .. رحيل لا يوقف الجدل

مزاج الخميس ١٨/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م

مسقط -إسلام سمحان
رحل محمد حسنين هيكل، بعد أنباء متضاربة عن حالته الصحية، تواصلت حتى ظهر يوم أمس حيث قطع الاشاعات بوفاته، بعد معاناة مع المرض.
الصحفي والاعلامي الكبير الذي أثارت حياته ومواقفه الجدل، يعد من أبرز الصحافيين في القرن الواحد العشرين، ومنهم من يرى أن قربه من الحكام والرؤساء والملوك عزز في صناعة نجوميته وإبرازه، فيما يرى آخرون أن الرجل يستمد بهائه وألقه من أراءه ومواقفه المثيرة للجدل كذلك.
شكل هيكل صورة مغايرة عن الاعلامي العربي، فهو صحفي المعي من الطراز الرفيع ويشهد له بحنكته وخبرته ومقدرته على تحليل الأوضاع حتى صار يقال "سرب له".
كان هيكل الذي ولد في 23 سبتمبر من العام 1923 في قرية باسوس إحدى قرى محافظة القليوبية يتمتع بذاكرة شديدة القوة والحساسية، ورغم تجاوزه التسعين من عمره الا انه كان يسرد الاحداث والحكايات باسلوب شيق وممتع وخطير، حيث مكنه قربه من صناع القرار إذ بان صعود نجم الرئيس المصري الراحل الزعيم جمال عبد الناصر من الاقتراب أكثر إلى قادة العالم والوطن العربي، حتى غدا شاهدا على عصره وبئر أسرار الزعماء.
تمتع هيكل بتواضع شديد وبعفوية كانت تحسب له وبحضور وخفة ظل شديدتين تعكسان ثقة الرجل في نفسه ومدى خبرته التي اكتسبها عبر عقود عديدة شهدت فيها الأمة احتلالات وانقلابات وتحولات ومتغيرات مفصلية حددت شكل ومصير البلاد العربية.
لم ترض آراء هيكل ومواقفه عددا كبيرا من متابعيه ومحبيه خاصة في الأزمة السورية الحالية التي كان موقفه منها واضحا، إلا ان الصراع والحرب الدائرة في حاضرة الامويين دمشق لم تسحب من رصيد هيكل الجماهيري فحسب، انما تعرض مفكرون وأدباء وفنانون ومثقفون وقادة رأي عام للانتقاد، وانقسم الشارع العربي بتطرف، والتف كل حول موقفه المحدد : إما مع الحكومة السورية وإما ضدها، كما شكل آراءه في الثورة المصرية أثناء اندلاعها وبعد عزل الرئيس محمد مرسي وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي صدمة لدى البعض فيما عدها آخرون آراء مختلفة وبعيدة النظر من رجل خبير.
غير ان هيكل ورغم كل ما كان يثار من حوله من جدل واسئلة بقي يحافظ على هيبة الرجل العارف وكان خصومه قبل محبيه يعترفون بقيمته وبما يمثله من كنز ومخزون تاريخي معرفي كبير.
رحل محمد حسنين هيكل عملاق الصحافة العربية وأحد روادها في زمن أمست فيه الصحافة والاعلام في أسوأ حالاتها حيث تشهد الساحة الاعلامية العربية انتكاسة وآمالا مخيبة في عصر كان الوطن العربي في امس الحاجة لاعلام مهني ومحايد، غير أن الصورة عكس ذلك تماما.
القاب كثيرة التصقت في الراحل محمد حسنين هيكل منها "صديق الحكام" و"كاتب السلطة" و"مؤرخ تاريخ مصر الحديث"و"صانع الرؤساء"، غير أن نشوة من نوع خاص كانت تعتريه حين يلقب بـ"الصحافي" أو"الكاتب".
تولى هيكل مناصب عدة منها وزيرا للاعلام عام 1970، وفي عام 1974 أصدر الرئيس المصري الراحل انور السادات قراراً بأن ينتقل هيكل من صحيفة الأهرام إلى قصر عابدين مستشارا لرئيس الجمهورية، واعتذر هيكل، ثم خرج من جريدة الأهرام لآخر مرة يوم السبت 2 فبراير مجيباً على سؤال لوكالات الأنباء العالمية : " إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من الأهرام، وأما أين أذهب بعد ذلك فقراري وحدي. وقراري هو أن أتفرغ لكتابة كتبي... وفقط " !.
كما أنشأ هيكل مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ـ مركز الدراسات الصحفية ـ مركز توثيق تاريخ مصر المعاصر.
للراحل هيكل عشرات المؤلفات نذكر منها: "أكتوبر 73 السلاح والسياسة" و"اتفاق غزة - أريحا أولا السلام المحاصر بين حقائق اللحظة وحقائق التاريخ" و"أقباط مصر ليسوا أقلية رسالة إلى رئيس تحرير جريدة الوفد" و"مصر والقرن الواحد والعشرون - ورقة في حوار". و"1995 باب مصر إلى القرن الواحد والعشرين" و"أزمة العرب ومستقبلهم" و"المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل - الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية" و"المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل - عواصف الحرب وعواصف السلام" و"المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل سلام الأوهام أوسلو - ما قبلها وما بعدها". و"العروش والجيوش كذلك انفجر الصراع في فلسطين قراءة في يوميات الحرب" و ساسلة "كلام في السياسة نهايات طرق: العربي".