تحقيق: رجاء محمد الغافرية
بين الحقيقة والوهم وبين الطب والشعوذة تناقضات كثيرة أفرزها ما يعرف بالطب البديل والطب الشعبي والتعالج من السحر والعين والمس الشيطاني.
ففي وقت أصبح العالم يطلق مركباته الفضائية ويصدّر للعالم الأبحاث العلمية لعلاج الأمراض المستعصية ما زلنا نحن نصدر الوهم والخرافة والشعوذة في طرق مختلفة وبأساليب متنوعة، حتى أصبحت مهنة الشعوذة رائجة وتدر أرباحا طائلة من خلال لبس عباءة الدين البريء مما يمارسه البعض من استغلال وتلاعب بعقول الضعفاء والمغلوبين على أمرهم، حتى وصل بالناس البحث عن رزقهم الذي كفله لهم رب العالمين في غرف مظلمة مقابل مبالغ طائلة من خلال بيعهم حفنة من الوهم الزائف. الشعار الذي يرفعه المشعوذين هو التعالج بالقرآن الكريم والحقيقةالصادمة مختلفة تماما عندما تبدأ مطالبهم الغريبة تتعب كاهل الشخص كمثل ديك لونه أحمر و كبش لونه أبيض وكتابة كلمات غريبة في أوراق معينة في ما يطلقوا عليه (الحجاب أو الحرز).
ليس لأحد أن ينكر حقيقة السحر فقد ذكر في آيات و مواضع كثيرة في القرآن الكريم كقصة النبي سيلمان في قوله تعالى:
"يعلمون النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ" وقوله تعالى: "فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه".
الكثير ممن يدعون علاج مشاكل السحر والجان حاولوا القفز على مفهوم العلاج القرآني والتستر بالآيات القرآنية كوسيلة ليصدق الناس أوهامهم وحيلهم.
القرآن الكريم الذي أنزله الله رحمة للعالمين، والذي لم يحصره على شيخ أو معالج أصبحت تباع آياته على ألسنة تجار الوهم .
عظمة القرآن الذي قال عنه سبحانه وتعالى "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" ترجمها المشعوذين إلى استغلال وجشع لا ينتهي.
ضحايا وقعوا في فخ المشعوذين والسحرة والنصابين
"م ن" تروي قصتها بألم وحرقة حيث أنها لم ترزق بأطفال منذ 10 سنوات، الأمر الذي دفعها للبحث عن علاج يجلب لها فلذة كبدها التي تحلم به.
وبعد رحلة علاج طويلة مع المستشفيات المتخصصة لعلاج هذا النوع من المشاكل والتي باتت تكلف أكثر من جدواهاـ قررت اللجوء إلى أوكار المشعوذين والدجالين بسبب رغبتها المــُلِحَة في الإنجاب جعلها تصدق كل ما يملى عليها من حلول وتكهنات ووعود.
تروي بان أغلبها كانت تتناقض في المضمون والسبب وتتفق في التكلفة والسعر. فبعضهم أرجع السبب إلى أن هنالك" ربط" قام أحدهم بعمله لمنع حملها وبعضهم أرجع السبب إلى أن هنالك عمل شيطاني مدبر أم الآخر فقد أرجع المشكلة لوجود مس شيطاني أو عين حاسدة وما شابه، والكل كان يطمئنها بأن حل المشكلة في متناول اليد مقابل التصديق التام بتكهناتهم وتلبية طلباتهم التي تنوعت بين المبالغ المادية والطلبات الأخرى كلبس حجاب وشرب مياه معينة وذبح ولائم بألوان وأشكال مختلفة وكل هذا وغيره تنفذه حرفيًا دون فائدة تُذكر!
"م .ر" يقول بأن فكرة اللجوء للمشعوذين ظلت مستعصية عليه حتى أصابه الوهن في شفاء ولده الذي فقد القدرة على الحركة بسب حادث أدى إلى أصابته بشلل نصفي. ومع الإلحاح المستمر من زوجته التي تؤمن بشكل قاطع بقدرات المشعوذين والدجالين وتجار الوهم انصاع لإلحاحها ليس متذكرًا في مخيلته سوى الخطوات الأولى لابنه عندما كان صغيرًا وكله أمنيات أن تعود تلك الخطوات لتلامس أقدامه وهو كبير. لكن ما حصل جعله يلقي باللوم على مستواه الثقافي والتعليمي الذي أدى به إلى الدخول إلى نفق مظلم ومستنقع تعيش فيه كائنات تتغذى على جهل و ضعف وازع الإيمان والدين عند الناس.
يقولها بكل حسرة بأن الأموال التي أنفقها على المشعوذين داخل عمان وخارجها كانت تكفي لتأمين جزء كبيرمن مستقبل ابنه الذي سيعيش طول حياته مقعدًا على كرسي متحرك!
رأي الشريعة الإسلامية في السحر والشعوذة:
"س .ح" معالج قرآني يقول بأنه لا يؤمن بما يمارسه البعض من شعوذة وتلاعب بعقول الناس وإن في القرآن قوة روحانية كفيلة بعلاج الكثير من الأمراض العضوية والنفسية.
ويستغرب بأن كثير من الناس ما زالت تؤمن في الخرافات التي يدعيها الكثير من النصابين الذين يستخدمون مختلف الحيل والطرق لوهم الناس بالشفاء والعلاج، يقول بأنهم لا يملكون ضرر الناس ونفعهم في شيء وعلى الناس أن يتذكروا قوله تعالى {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}،وأمرنا الرسول الكريم تجنب كل ما يتعلق بالسحر فقد نهانا الرسول عن السبع الموبقات وذكر منها السحر لما فيه من ضرر على روح الإنسان. ويشدد على خطورة الذهاب للمنجمين والسحرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) ولو كان هؤلاء يعلمون الغيب لاستكثروا من الخير لأنفسهم فقد قال تعالى ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) . وأن العلاج الحقيقي هو بالرقى والأدعية الواردة في القرآن والثابتة في السنة النبوية، وقراءة القرآن الكريم الابتعاد عن هذا الكتاب العظيم هو السبب في تعاسة وضيق البعض.
يذكر بأن هنالك كثيرا ممن أتى أليه سكن الخوف في قلوبهم بسبب الأوهام التي زرعها هؤلاء المشعوذين في قلوبهم وهم في حقيقتهم لا يعانون إلا من بعض الوساوس والأوهام التي يعالجها من خلال قراءة بعض الآيات من القرآن الكريم وبعض الأدعية الواردة في القرآن الكريم.
رأي القانون والقضايا المتداولة في المحاكم
يقول المحامي رشاد بن راشد بن أحمد البلوشي": إن أغلب قضايا السحر والشعوذة تدخل ضمن مزاولة نشاط بطريقة غيرشرعية وضمن جريمة النصب والاحتيال، والقانون العماني لايعترف بالسحر والشعوذة إلاإذا اقترن عمل الشعوذة بطلب المال لتحقيق غرض أوهدف يتنافى مع الأخلاق العامة، فإن القانون في هذه الحالةيعتبر هذا العمل احتيالا وفقًا لقانون الجزاءالعماني، والقانون لا يعترف بالسحر والشعوذة لأن الأخير قائم خارج نطاق المنطق بعكس علم القانون الذي يقوم أصلا على المنطق لذلك يستحيل تنظيم السحروالشعوذة لعدم استطاعة القانون إثبات ذلك نظرًا لأن أعمال السحرعبارة عن خوارق"أعمال خارقة".
ومن جهة أخرى يقول البلوشي:"يجب تخصيص محاكم تختص بمعاقبة المشعوذين والسحرة بواسطة علماء أقوياء يستطيعون التعامل معهم بكل قوة بحيث لاي تضررون منهم".
رأي علم الاجتماع في السحر والشعوذة
ويقول أستاذ الاجتماع آدم عبد الحكيم الغول: "إن معامل السحر والشعوذة نجدها وبكثافة وخصوصًا في الأماكن الفقيرة أوالنائية وإن السحر أوما يسمى بالعمولة كله أشياء مادية تعطى للشخص المراد سحره مثل الشراب أوالطعام فالسحر عبارة عن سموم خفيفة لا تقتل ولا تظهر أعراض ولكن يشعر الشخص بالاكتئاب وبالكسل الدائم والحزن وعدم القدرة على فعل الأعمال وتلك السموم تتراوح مدتها حسب نوعيتها فهناك سموم طويلة الأمد تمتد لأكثر من سبع سنين وهناك سموم قصيرةالأمد، فمثلاً عندما يموت الانسان يخرج منه سموم وتعتبرهذه السموم هي أشد أنواع السموم على الإطلاق وأكثرها مدة فهم يأخذون مفتول أو أرز مثلا ويفركونه في جسم الميت وبعدها يبيعونه على أنه سحر والأشخاص التي ترتاد أماكن السحرة والمشعوذين تطعمه للأشخاص المراد إيذائهم.
باختصار أغلب مايسمى بالسحرة والمشعوذين يعتمدون في عملهم على مثل هذه السموم ويسمونها سحرأوعمل أوشعوذة ولكن هي عبارةعن سموم خفيفة لا تقتل ولكن تنهك الجسد و ترهقه".
رأي علم النفس في انتشار ظاهرة السحر والشعوذة:
تقول د."أحلام ناجي"،متخصصة في علم النفس السلوكي:" يعد الاعتقاد في السحر والشعوذة من الأمورالهامةالتي قد تعترض طريقنا وتعوق عملنا في مجال الصحة النفسية وذلك لسيطرة بعض المفاهيم الخاطئةعلى قطاع عريض من الناس ولجوئهم الى السحرة والدجالين لحل بعض مشكلاتهم النفسية، حيث يعتقد الشخص المضطرب نفسيًا أوذويه أن هناك قوة خفية أدت إلى إصابته بهذه الحالة أو هذاالنوع من الاضطراب، وقد يؤدي إلى رسوخ هذا الاعتقاد الغرابة التي قد تعتري تصرفات الشخص المصاب أو ردود أفعاله الشاذة تجاه مايحيط به في البيئة الخارجية مما قد يؤدي إلى غياب التفكير العلمي وراءذلك أو أن يسلك الاتجاه الصحيح للعلاج.
ومما يزيد قلقي أنهن اكتزايدًا كبيرًا في الحالات المقبلة على مثل هذا النهج في العلاج وعزوفهم عن العيادات النفسية، وذلك نتيجة غياب الوعي الكافي والتثقيف الديني والجهل بطبيعة المرض النفسي وبعض المفاهيم الخاطئة حول المرض النفسي وما يعتقده البعض في أنه وصمة عار وعيب في الشخصية وقد يلقب الشخص بنقصانا لعقل أو الجنون!
وأسوق مثلا بسيطًا لحالةجاءت إلينا في العيادة النفسية وهي فتاة تبلغ من العمر إحدى عشر عامًا والتي تميزت في دراستها وكانت الأولى على مدرستها ثم لأسباب معلومةمن وجهة نظرنا اعترى الفتاة نوع من أنواع القلق أدى إلى تركها المدرسة وعزوفها عن الدراسة. وبدلًا من اللجوءإلى المختصين في المجال دق الأهل أبواب العرافين والدجالين وعلقوا لها الأحجبة على أمل الشفاء إلا أن الفتاة لازالت على رفضها ولازال الأهل غيرمقتنعين بمواصلة العلاج النفسي الذيي تطلب منهم الصبر والمداومة على الجلسات .. لذا فإننا بحاجة ماسة إلى نشرالمزيد من الرسائل التوعوية لدحض هذه السبل وتنوير العقول للاستفادة من مجال الطب النفسي والصحة النفسية".
كلمة أخيرة
إن استمرار التصديق والإيمان بقدرة المشعوذين والدجالين دليلٌ واضح على وجود جهل حقيقي في المجتمع بحقيقة هؤلاء، وهذه الظاهرة الخطيرة تحتاج إلى تكثيف الجهود وتعاون الجميع ابتداء من الدولة والمجتمع والأسرة والأفراد والمدرسة والمسجد وأصحاب الكفاءات العلمية والعملية وإن تعاون الجميع مما ذكرنا يساعد على القضاء على هذه الظاهرة ذات الأثر الخطير على جوانب الحياة ومؤثراتها، وكذلك يجب وجود قوانين صارمة تضرب بيد من حديد على كل من يحاول التلاعب والتحايل على الناس من خلال استخدام الشعوذة تحت غطاء مداواة الناس وهم بالمقابل يأخذون أموال الناس بالباطل والأكاذيب، لذا ينبغي أن نقف سويًا نحن كأفراد وجماعات للتصدي لهم بكل قوة وذلك بالكشف عن أوكارهم وطرقهم وإخبار الجهات المسؤولة عنهم لمتابعتهم وإن عدم تعاون المجتمع معهم يسحب البساط من تحت أرجلهم. وعلينا أيضًا أن نحذر من كيد السحرة والاستعانة بهم فربما انقلب السحرعلى صاحبه،ولن حصّن أنفسنا بطاعةالله وقراءة قرءانه وتجنب المعاصي والابتعاد عن المواقف التي تجعلنا عرضة لكيد السحرة.
قال الله تبارك وتعالى "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" صدق الله العظيم، لذا يجب علينا الاتكال على الله فهو نعم الوكيل وعدم اللجوء للسحر والشعوذة فهو طريق نهايته وخيمة فالنفع والضرر بيد الله تعالى وحده لا شريك له هوالذي يتم بأمره كل شيء .