جِسر صندوق النقد الدولي إلى مكان معلوم في اليونان

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
جِسر صندوق النقد الدولي إلى مكان معلوم في اليونان

محمد عبدالله العريان

مؤخراً، أحيا صندوق النقد الدولي أسلوباً قديماً ــ شاع استخدامه في ثمانينيات القرن العشرين أثناء أزمة الديون في أمريكا اللاتينية ــ والذي من شأنه أن يسمح لليونان بتجنب العجز عن سداد قسط من ديونه المستحقة لدائنين أوروبيين الشهر المقبل. ويمنح هذا الإرجاء أيضا صندوق النقد الدولي وشركاءه الأوروبيين الوقت اللازم لتسوية خلافاتهم الفنية بشأن آفاق النمو في الدول المتعثرة وميزانياتها. ولكن على الرغم من هذه التسوية الأنيقة من قِبَل صندوق النقد الدولي يظل اليونان رازحا تحت شبح أعباء ديون هائلة؛ ويتطلب تقليص هذه الديون أن تعمل أوروبا على إيجاد وسيلة لتخطي السياسات الوطنية والعمل على أساس المنطق الاقتصادي والضرورة.

لم تتمكن أوروبا وصندوق النقد الدولي من التوفيق بين رأيين بشأن قدرة اليونان على تحمل ديونها، مع انتشار الخلافات بين الجانبين إلى المجال العام. وبالاسترشاد بتحليل التدفقات النقدية في الأساس، تزعم السلطات الأوروبية أن أسعار الفائدة المنخفضة وفترات الاستحقاق الطويلة جعلت ديون البلاد مستدامة. ولكن الصندوق يلاحظ أن مخزون اليونان من الديون، الذي اقترب من 200% من الناتج المحلي الإجمالي، يعرقل الاستثمار وتدفقات رأس المال إلى الداخل. ويرى صندوق النقد الدولي أن خفض الديون بشكل جدي أمر بالغ الأهمية لتوليد القدر اللازم من الثقة والمصداقية لانتشال اليونان من فترة مطولة من الفقر.

وهذا ليس مجال الخلاف الوحيد بين دائني اليونان الرئيسيين. فهما يختلفان أيضا حول واقعية بعض التوقعات الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك الرابطة المهمة بين النمو وميزانية الحكومة، مع تبني أوروبا لمنظور أكثر تفاؤلا.
وفي نظرنا نحن الذين كنا نتابع مأساة اليونان الاقتصادية لأكثر من سنوات، فإن قسما كبيرا من وجهة النظر الأوروبية يظل يتحدى المنطق الاقتصادي ــ ولسبب بسيط: إذ يشعر الساسة الأوروبيون بالقلق إزاء العواقب السياسية المحلية المترتبة على منح اليونان تخفيفا للديون، وخاصة قبيل الانتخابات الاتحادية الألمانية في سبتمبر.
ويُخشى أن يتسبب تخفيف أعباء الديون في تقويض مصداقية الأحزاب الحاكمة وإعطاء دفعة للحركات المتطرفة.من المؤكد أن الإعفاء من الديون أمر شائك، وهو يثير قضايا معقدة تتعلق بالعدالة والحوافز. ولكن في بعض الحالات، يأتي وقت إذ يكون رفض الإعفاء من الديون أكثر ضررا. ويدرك المسؤولون الأوروبيون كما يدرك صندوق النقد الدولي أن اليونان كانت لفترة طويلة في هذه المرحلة، الأمر الذي يحول البلاد إلى «قاصر تحت الوصاية» الدائمة داخل منطقة اليورو التي لا تستوعب هذه النتيجة تماما. ولكن يبدو أنهم عاجزون عن التصرف.
مع فشل أوروبا وصندوق النقد الدولي في التوصل إلى اتفاق، جُرِّدَت اليونان من التمويل الإضافي الذي تحتاج إليه لتسوية المتأخرات المحلية وسداد أقساط خدمة الديون الخارجية الكبيرة في يوليو. وفي الوقت نفسه، بدأ النمو يضعف مرة أخرى، على الرغم من تحسن أداء الاقتصاد الأوروبي ككل. ولعبور عنق الزجاجة هذا، توصل صندوق النقد الدولي إلى حل وسط، من خلال إحياء ممارسة الموافقة على برنامج تمويل «من حيث المبدأ».
تشير الموافقة من حيث المبدأ إلى إقرار صندوق النقد الدولي لنوايا السياسة الاقتصادية للبلاد. ومن الممكن أن يفتح هذا الباب أمام تمويل آخر (في حالتنا هذه، من أوروبا). ولكن صندوق النقد الدولي يمتنع عن صرف قروضه بالفعل، ريثما يتم التوصل إلى نتيجة أكثر إقناعا بشأن ضمانات التمويل الشاملة (في هذه الحالة، تخفيف عبء الديون عن اليونان على النحو اللائق).
إنه حل توفيقي قصير الأمد يعترف بالأجندة السياسية الأوروبية وقيودها، ويساعد اليونان في تجنب العجز عن السداد في الصيف، ويحمي موارد صندوق النقد الدولي. ويقضي هذا الترتيب بتحويل المزيد من أعباء التمويل إلى أوروبا، حيث تنتمي حقا. وهو يقدم إشارة للوحدة، على الرغم من الخلافات الكبيرة التي لا تزال قائمة.
ولكن هذا ليس أكثر من حل مؤقت آخر، أو استمرار لما أصبح يُعرَف بنهج «التمديد والتظاهر». وعلى الرغم من معالجة مسألة التمويل المباشرة حقا، فإن التدابير الرامية إلى وضع اليونان على مسار واقعي للنمو والقدرة المالية في الأمد المتوسط تظل منقوصة. وهو يخاطر أيضا بتعريض صندوق النقد الدولي لضغوط سياسية أثقل، على النحو الذي يزيد من حدة التساؤلات المشروعة حول تجانس واتساق تعاملها مع الدول الأعضاء.
بعد تنازل صندوق النقد الدولي، ينبغي له الآن أن يتمسك بشروطه ويرفض تطبيق ترتيبه لليونان قبل أن يرضى عن تخفيف الديون والافتراضات الفنية على حد سواء.

كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز