فهم لغز الإنتاجية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
فهم لغز الإنتاجية

هاورد ديفيز

تتواصل حيرة الاقتصاديين وصانعي السياسات في كل الاقتصادات الكبرى إزاء ما يسمى بلغز الإنتاجية: فقد أصبح معدل الإنتاج في الساعة أقل بكثير مما كان مقدراً له لو استمر منحى النمو الذي شهدته فترة ما قبل العام 2008. حقيقة تبدو الأرقام صارخة ومفزعة، خاصة في بريطانيا، وإن كانت الظاهرة منتشرة أيضا عبر دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ولا شك أن الاقتصاديين لديهم الكثير من التفسيرات المبتكرة ليعرضوها، بيد أن أيا من تلك التفسيرات لم تكن حتى الآن مقنعة بالقدر الكافي لإيجاد الإجماع حولها.

وفقا لمكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، جاء معدل الإنتاج في الساعة في فرنسا العام 2015 أقل بنحو 14% من المستوى الذي كان مقدرا له حال الحفاظ على منحى النمو المعتاد سابقا. كما انخفض الإنتاج بنسبة 9% في الولايات المتحدة الأمريكية، و8% في ألمانيا، التي ظلت الأعلى أداءً بين الدول المتقدمة، وإن كان هذا أمر نسبي. وإذا استمر هذا المعدل الجديد المنخفض للنمو، سيهوي متوسط الدخول في الولايات المتحدة بحلول العام 2021 بمقدار 16% مقارنة بما كان منتظرا لو حافظت الولايات المتحدة على زيادة الإنتاجية السنوية التي اعتادت تحقيقها منذ العام 1945، والتي بلغت نسبتها 2% تقريبا.

أما بريطانيا، فتبدو إصابتها بهذا العرض حالة مزمنة خاصة. ففي العام 2007، كان معدل إنتاجية بريطانيا أقل بمقدار 9% من متوسط الإنتاجية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لتتسع هذه الفجوة وتصل إلى 18% بحلول العام 2015. ومن الحقائق الصادمة أن متوسط الإنتاجية في الساعة في المملكة المتحدة أقل بنحو 35% كاملة من المستوى الألماني، وأقل 30% من المستوى الأمريكي. بل إن الفرنسيين استطاعوا معادلة متوسط إنتاج العامل البريطاني في الأسبوع رغم أنهم لا يعملون يوم الجمعة. لذا فمن الواضح أن بريطانيا على الأخص تعاني من مشكلة ضعف الإدارة، إضافة إلى العوامل المشتركة التي تؤثر في كل الاقتصادات المتقدمة.
هناك عوامل عدة أسهمت في هذه المشكلة واعترف بها الجميع. فخلال الأزمة والفترة التي تلتها مباشرة، وهي الفترة التي شهدت تقييد عمليات الإقراض الجديدة في ظل جهود البنوك لإعادة بناء رأس المال، ساعدت أسعار الفائدة المنخفضة للغاية بعض الشركات في تسيير أمورها، وأبقى مديروها على الموظفين رغم العوائد المنخفضة نسبيا.
في المقابل، واجهت الشركات الجديدة المبتكرة والأكثر إنتاجية صعوبات في جمع رأس المال الذي تحتاجه للنمو، مما اضطرها لوقف توسعاتها أو إبدال القوى العاملة برأس المال. بمعنى آخر، تسببت أسعار الفائدة المنخفضة في تقليل الإنتاجية من خلال إتاحة الفرصة للشركات الحية الميتة الغارقة في الديون للاستمرار وقتا أطول مما كان ينبغي لها.
وقد اعترف بنك إنجلترا بهذه المقايضة، حيث ذكر في تقديراته أن الإنتاجية كانت لتزيد بمقدار 1% إلى 3% لو رفعت بريطانيا أسعار الفائدة في فترة التعافي إلى مستويات ما قبل الأزمة. لكنهم في الوقت ذاته يعتقدون أن العواقب المترتبة على ذلك ــ والتي تتمثل في بطء نمو الدخول وارتفاع البطالة ــ كانت لتعتبر غير مقبولة.
وقد امتد الجدال حول هذه القضية الآن ليتجاوز النظام المصرفي إلى أسواق المال ذاتها. وادعى منتقدو البنوك المركزية أن وجود سياسية ثابتة بخفض أسعار الفائدة بهذا الشكل الاستثنائي، مع تعزيزها بجرعات ضخمة من التيسير الكمي، قد تتسبب في رفع أسعار الأصول بلا تمييز. .

رئيس رويال بنك أوف اسكتلندا.