التزامنا بالأطفال اللاجئين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٠١ ص
التزامنا بالأطفال اللاجئين

إلياس بو صعب

أثارت صور اللاجئين اليائسين وكثير منهم من الأطفال في العام الفائت ضميرنا الجماعي ودفعت زعماء العالم إلى اتخاذ الإجراءات ولكن حولت سنة من الاضطرابات السياسية اهتمام وسائل الإعلام عن محنة اللاجئين. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والهجمات الإرهابية والانتخابات الوطنية في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا جعلنا نتعامى عن حقيقة مفادها أن أزمة اللاجئين تزداد سوءا.

واليوم تطلق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليوم العالمي للاجئين عريضة «مع اللاجئين « لتذكير الحكومات بأنها يجب أن تعمل معا لإنهاء الأزمة والواقع هناك حاجة للتذكير بالطبيعة الملحة لهذه القضية.

إن جميع اللاجئين وطالبي اللجوء يحتاجون إلى المساعدة ولكن الأطفال معرضون بشكل خاص للخطر لذا واحدة من أفضل الطرق للتخفيف من محنتهم هي تزويدهم بالتعليم ومع ذلك، تكافح البلدان المضيفة التي غالبا ما تكون قريبة من مناطق الحرب من أجل إدماج الأطفال اللاجئين في نظمها التعليمية و هناك 3،75 مليون طفل - 900،000 منهم من السوريين - من بين اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمن فيهم اللاجئون الفارين من أفغانستان والصومال غير ملتحقين بالمدارس إذ إن فرصة حرمان طفل لاجئ من التعليم هي خمس مرات أعلى من المتوسط العالمي.
وتعد هذه وصمة عار على المجتمع الدولي لأنه من المهم أن يحصل الأطفال اللاجئين على التعليم حتى يتمكنوا يوما ما من العودة إلى بلدانهم الأصلية بالمهارات والمعارف اللازمة لإنشاء دول ناجحة وهذا بالضبط ما تريده إحدى الفتيات اللاجئات التي التقيت بها فقد قالت لي عندما سألتها عن خططها المستقبلية أن حلمها هو أن تصبح مهندسة حتى تتمكن من إعادة بناء بلدها.

إن التعليم هو أيضا أداة حيوية لمكافحة التطرف العنيف الذي يمكن أن يأسر عقول الشباب دون أمل في المستقبل كما أن الحضور المدرسي ضروري لرعاية الأطفال لأنه يمنحهم إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية ويحميهم من أهوال عمل الأطفال و الدعارة.

ولحسن الحظ تضيف بلدان مثل اليونان والتي تقع على الخط الأمامي لأزمة اللاجئين في أوروبا أحكاما تعليمية أكثر استدامة لنموذج رعاية اللاجئين لديها ولكن في لبنان، كان علينا اللجوء إلى التفكير الإبداعي لاستيعاب تدفق اللاجئين من سوريا.
لقد كان نظام التعليم في لبنان عندما وصل اللاجئون السوريون لأول مرة بحاجة في الأصل إلى الإصلاح والتحسين ويستضيف لبنان الآن نحو مليوني مهاجر منهم 1.5 مليون لاجئ سوري، وذلك بالإضافة إلى سكانه الذي يصل عددهم الى 3.75 مليون نسمه إذ يوجد في لبنان لاجئ واحد لكل مواطنين اثنين وهذا تسبب في زيادة كبيرة في الطلب على الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم.
لقد اضطرت الحكومة اللبنانية بالإضافة إلى 250.000 طالب لبناني في نظام المدارس الحكومية إلى إيجاد وسيلة لتعليم 450.000 طفل سوري وللمساعدة في تلبية هذه الحاجة قمنا بإنشاء مبادرة «الوصول إلى جميع الأطفال من اجل التعليم» والتي تركز على تحسين فرص حصول اللاجئين السوريين واللبنانيين المحرومين على التعليم الرسمي.

ولأنه من المهم أن يتم توفير التعليم لجميع الأطفال كان علينا أن نستخدم مواردنا لأقصى درجة واليوم يتلقى العديد من اللاجئين السوريين في سن الدراسة تعليمهم من نفس المعلمين الذين يقومون بتدريس أقرانهم من اللبنانيين والعديد من مدارسنا تستخدم فترات الدوام المدرسي الصباحية وما بعد الظهر من اجل استيعاب اللاجئين.

لقد استوعب لبنان حتى الآن بالفعل حوالي 40 % من جميع الأطفال اللاجئين في سن المدرسة المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ويكلف هذا الإنفاق سنويا حوالي 343 دولاراً لكل طفل سوري يدرس في الفترة الصباحية و550 دولاراً للطفل في فترة ما بعد الظهر وليس من الإنصاف أن يتحمل لبنان هذا العبء وحده كما أن من غير الممكن استدامة ذلك.
وعلى الرغم من أن مؤتمر دعم سوريا والمنطقة في لندن سنة 2016 حصل على تعهدات بتقديم مساعدات بلغت قيمتها الإجمالية 12 بليون دولار فإن الكثير من هذه الأموال قد تأخرت كثيرا أو لم تتحقق قط وقد كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة «ذير وورلد» الخيرية للأطفال أنه تم تسليم 400 مليون دولار فقط من أصل 1.4 مليار دولار تم التعهد بها لغايات التعليم.
إنه من الصعب تأكيد ما إذا كانت الحكومات تفي بتعهداتها أم لا ولكن أصبح من الواضح تماما أن المجتمع الدولي عموما يتحرك ببطء و لا يمكننا الاستمرار في بدأ ووقف تعليم الأطفال أثناء انتظار التمويل وكلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة كلما أصبح من الصعب إعادتهم إلى الفصول الدراسية والى المسار الصحيح لإكمال دراستهم.
يحتاج المجتمع الدولي إلى جانب الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالتمويل إلى زيادة استثماراته في تكنولوجيات التعليم المتنقلة والقابلة للتطوير فعلى سبيل المثال ستكون أدوات التعلم عن بعد مفيدة بشكل خاص لتعليم الأطفال في مجتمعات اللاجئين حيث سيتمكن أي معلم جيد من الوصول إلى أي مكان يحتوي على تكنولوجيا الأقمار الصناعية وأجهزة الكمبيوتر التي تعمل بالطاقة الشمسية وبث مباشر تفاعلي.
إن هذه الفكرة هي الفكرة التي يقوم على أساسها برنامج التعليم للوصول إلى الفصول الدراسية النائية وهو برنامج للتعليم عن بعد بتمويل من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتي تشرف عليها مؤسسة فاركي كما يمكن باستخدام هذا البرنامج لمعلم في استوديو في العاصمة الغانية أكرا أن يعطي دروسا مباشرة لحوالي 300 طفل لاجئ في سن المدرسة حيث هرب الكثير منهم من الصراع في ساحل العاج وهم يتلقون تعليمهم الآن في مدرسة ابتدائية في مخيم أمبين للاجئين في غرب غانا وهؤلاء الأطفال المشردون يلتحقون الآن بالتعليم الأساسي بينما يتعلمون أيضا لغة البلد المضيف وسيكونون في وضع جيد لمتابعة التعليم الثانوي أو العالي في المستقبل.
يبين برنامج التعليم للوصول للفصول الدراسية النائية ما يمكن للحكومات والجمعيات الخيرية والقطاع الخاص تحقيقه من خلال التعاون الإبداعي، ولكن يجب على السياسيين تحمل مسؤولياتهم والتحرك وينبغي للقادة في جميع أنحاء العالم وخاصة الذين انتخبوا مؤخرا أن يضعوا أزمة اللاجئين العالمية على رأس جداول أعمالهم.
ولهذه الغاية، كنت فخور بالانضمام إلى مجموعة أتلانتس كعضو مؤسس وسوف نجمع معا بعد إطلاق المنتدى العالمي للتعليم والمهارات هذا العام وزراء التعليم ورؤساء الدول السابقين من جميع أنحاء العالم لتقديم المشورة للحكومات وصانعي السياسات حول معالجة القضايا الرئيسية في عصرنا وليس أقلها تعليم اللاجئين.
ولا يمكن يتوقع العالم أن تتحمل مجموعة صغيرة من البلدان الواقعة على حدود مناطق الحرب المسؤولية الوحيدة عن المشردين و يجب على البلدان المحظوظة بما في الكفاية لتحصل على الأمن والسلام أن تقوم بدورها وذلك لحل أزمة اللاجئين.

وزير التعليم اللبناني الأسبق.