دعـم المبتـكــريـن في العالم النـامي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
دعـم المبتـكــريـن 
في العالم النـامي

دينيش موندال

لقد أشار إعلان لندن بشأن الأمراض المدارية المهملة في العام 2012 إلى رؤية جديدة جريئة للتعاون الدولي، إذ يمكن أن تدعم فيها الشبكات والعولمة الجهود المبذولة في الجنوب العالمي للقضاء على الأمراض القاتلة التي تؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات المحلية الأشد فقراً وقد ساعد إعلان لندن وهو أكبر تعاون عالمي في مجال الصحة العامة حتى الآن على تعزيز الثقة في النظام العالمي القائم على القواعد التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية.

ولكن أصبحت الآن هذه الثقة المكتسبة بصعوبة في خطر شديد لأن القوى الشعبوية في العالم الغربي تأخذ في عين الاعتبار التزامات بلدانها بالمساعدات الخارجية، ولقد أعلن على وجه الخصوص الرئيس دونالد ترامب التخفيضات الشاملة لميزانية المساعدات الدولية للولايات المتحدة من أجل استرضاء الناخبين الأمريكيين المحبطين اقتصاديا والذين يريدون إنفاق أموالهم الضريبية في بلادهم ولقد فشل هذا النهج في الاعتراف بأن المنافع على المدى الطويل من دعم البحوث الطبية في جنوب العالم تفوق بكثير التكاليف على المدى القصير.

وباعتباري باحث بنجلاديشي في المركز الدولي لبحوث أمراض الإسهال في بنغلاديش (إيكدر، بي)، شاركت في الجهود المحلية بشكل وثيق للقضاء على داء الليشمانيات الحشوي (المعروف أيضا باسم كالا-آزار) وهو إحدى الأمراض التي يغطيها إعلان لندن وقد تمكنت بفضل الدعم السخي من المانحين الدوليين من إجراء بحوث رائدة في هذا المجال.
وفي العام 2006 لم أجد عملياً من خلال البحوث الممولة من قبل البرنامج الخاص لمنظمة الصحة العالمية للبحث والتدريب في أمراض المناطق المدارية أي مبادرات لمكافحة الفواصد في الأماكن والمناطق التي كان فيها داء الليشمانيات الحشوي – المنتشر عن طريق نوع واحد من الفواصد- متوطنا وكان هذا الإدراك بمثابة دعوة إيقاظ لصانعي السياسات مما أدى إلى بدء جهود لمكافحة الفواصد في جميع أنحاء البلد.
لقد وجد فريقي بعد سنوات كجزء من البحوث الممولة من مؤسسة أوبس أوبتيموس في أساليب مكافحة الحشرات على مستوى الأسرة أن التكنولوجيا الجديدة وهي نقع بطانات الجدار المتينة بالمبيد الحشري «دلتاميثرين» كانت فعالة في قتل الفواصد لمدة تصل إلى سنة بعد التطبيق ونختبر حالياً حلولاً أخرى دائمة للتحكم في الحشرات بما في ذلك دهانات الجدران الممزوجة بثلاث مبيدات حشرية مختلفة.
إن هذا العمل له آثار تتجاوز داء الليشمانيات الحشوي - وخارج بنجلاديش إذ إن الرش في الأماكن المغلقة ما زال يعد الأسلوب الأكثر استخداما على نطاق واسع لمكافحة الحشرات المنزلية في جميع أنحاء العالم، ولكن قد لا تكون الحلول التي نقوم ببحثها في المجتمعات الريفية المعزولة أكثر قوة وملائمة وفعالية ضد الفواصد فحسب ولكن أيضا ضد أنواع أخرى من الحشرات التي تحمل الأمراض مثل البعوض المصاب بزيكا.
ولقد انخرطت في البحث أيضا عن أنواع جديدة لانتقال داء الليشمانيات الحشوي إذ يستمر العديد من المرضى في بنجلاديش بعد التعافي من داء الليشمانيات الحشوي في تطوير حالة تعرف باسم «داء الليشمانيا الجلدي التالي لمرض الكلازار الجلدي» ومن أجل معرفة ما إذا كان مرضى «داء الليشمانيا الجلدي التالي لمرض الكلازار الجلدي» يمكن أن يكون بمثابة خزان لداء الليشمانيات الحشوي - وبالتالي تعزيز قدرتنا على القضاء على المرض – لقد أنشأت أنا وفريقي متحفاً للحشرات من أجل تربية الفواصد العقيمة.
يعد متحفنا الخاص بالحشرات - الممول من قبل مبادرة الأدوية للأمراض المهملة والمؤسسة الإسبانية للتعاون الدولي –واحداً من سبعة فقط في العالم (ومعظمها يقع في البلدان المتقدمة) ويمثل هذا المتحف مصدراً دائماً وقيماً للبحوث المتعلقة بمكافحة نقل الحشرات ونقل الأمراض في بنجلاديش.
وقد سهل متحف الحشرات بالفعل تقدما مهما كما أظهرت التجارب الأخيرة مع النتائج المنشورة في المجلة الطبية للأمراض المعدية بأن «داء الليشمانيا الجلدي التالي لمرض الكلازار الجلدي البقعي» يمكن أن يكون مصدراً للعدوى ونحن أيضا نستخدم متحف الحشرات لاختبار مقاومة المبيدات الحشرية لدى ذبابة الرمل والبحوث التي من شأنها دعم تحسين إستراتيجيات السيطرة على الفواصد في جميع أنحاء شبه القارة الهندية.
وبطبيعة الحال فإن أحد العناصر الرئيسية لأي استراتيجية للقضاء على المرض هو التشخيص المبكر والفعال إذ تعتمد التشخيصات القياسية عندما يتعلق الأمر بداء الليشمانيات الحشوي على الكشف عن الأجسام المضادة المتداولة في الدم أو البول ولكن نظرا لأن الأجسام المضادة تستمر في الدم حتى بعد الانتعاش، فإن هذه الطريقة تعرف المرضى الأصحاء وغير المعديين بشكل خاطئ على أنهم بحاجة للعلاج بينما يوفر الاختبار التشخيصي القائم على الحمض النووي نتائج أكثر دقة و تعتمد الأساليب المستخدمة حاليا على معدات باهظة الثمن مثل المدور الحراري والسلاسل الباردة العاملة.
لذلك ذهب فريقي إلى العمل من أجل تطوير نظام لتمكين التشخيص القائم على الحمض النووي في البيئات المنخفضة الموارد ولقد قمنا بتطوير طريقة سلسلة التبريد المستقلة للكشف عن داء الليشمانيات الحشوي باستخدام طريقة تضخيم الحمض النووي متساوي الحرارة تدعى «تضخيم ريكومبيناس بوليميراز» ثم أدرجنا في «حقيبة مختبر» متنقلة تعمل بالطاقة الشمسية التي يمكن استخدامها بسهولة في المناطق الريفية.
ونحن نحاول الآن إعادة استخدام هذه الحقيبة بحيث يمكنها أيضا تشخيص حمى التيفود والسل و هذا ما يزيد من ثورة مراقبة الأمراض في المجتمعات الفقيرة والريفية وبعبارة أخرى، فإن تطوير الكشف عن الأمراض المستقلة عن سلسلة التبريد لها آثار بعيدة المدى على الصحة العالمية مثل بقية أبحاثنا وابتكاراتنا.
إن كل النجاح الذي حققناه مع ذلك على مدى العقدين الفائتين أصبح الآن معرضاً للخطر وقد تضطر الوكالات المانحة التي تواجه مساعدات مخفضة من الجهات الفاعلة الرئيسية مثل الولايات المتحدة إلى سحب التمويل لهذا النوع من البحوث الموصوفة هنا وبسبب عدم تمكن بنجلاديش من تغطية العجز، ستنهار المشاريع المنقذة للحياة مثل مشاريعنا كما أن الموارد الطويلة الأجل التي وضعناها، من متحف الحشرات إلى الأجهزة التشخيصية الجديدة، سيتعين التخلي عنها؛ وستعاني المجتمعات الأشد فقرا في العالم النامي.
إن الموجود على المحك يتجاوز الكرم حيث تحقق الجهات المانحة للمعونة فوائد مهمة من تمويل البحث العلمي في الجنوب العالمي، وذلك بدءا بتعزيز الثقة التي تدعم النظام الدولي الهش الذي نعتمد عليه جميعا كما إن دعم تطوير ابتكارات صحية منخفضة التكلفة بشكل مباشر يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في الحد من إنفاق الرعاية الصحية في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة ويمكن لهذا التوفير، على المدى الطويل، أن يعوض بسهولة تكلفة دعم الأعمال المنقذة للحياة لمنظمات مثل إيسدر، بي.

باحث وعالم بارز في وحدة بحوث

التفاعل في مجال التغذية.