عندما تستباح كرامة الإنسان

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
عندما تستباح كرامة الإنسان

علي بن راشد المطاعني

يبدو أن لا أحد يسلم من نزعة المتاجرة بأحوال الناس السائدة الآن في مواقع وحسابات التواصل الاجتماعية‏، فحتى المرضى كان لهم نصيب في عرض حالاتهم وإثارة أوجاعهم على الملأ بهدف الاستعطاف تارة، والكسب من ورائهم تارة أخرى، والتشهير بهم مرات، متجاهلين ما لهؤلاء البشر من حقوق تحتم علينا جميعا عدم استباحة كرامتهم والخوض في أعراضهم بشكل فاضح ومؤلم اجتماعيا ونفسيا بدون هوادة.

يحدث هذا تحت شعار التبرع لهم بعلاج في الخارج بعد أن فشلوا في ارتياد الطريق الصحيح في طلب الخدمة العلاجية من الجهات المختصة، فانبرى هؤلاء لأصحاب تلك الحاجات زاعمين أنهم يتحدثون بالنيابة عنهم وعن ذويهم، وهم في الواقع لا يملكون أي حق يذكر يخول لهم تناول هكذا خصوصيات، فلكل شيء حدود يجب أن نتوقف عندها، لاسيما في الأحوال الشخصية للناس، إذ هي مؤطرة بسياج محكم من الأوامر والنواهي الربانية والقرآنية، إذن فالمتاجرة بهذه الأمور يعد بمثابة تجاوز لتلك الخطوط الحمراء.

نجد اليوم أن وسائل التواصل الاجتماعي مترعة بهذا المنهي عنه وعلى نحو صريح وفاضح، إذ بتنا نرى سلوكيات مستهجنة تهدف للتكسب من الأوضاع المرضية لهؤلاء الأبرياء من خلال فتح أبواب للتبرعات والهبات بزعم الصرف على علاجهم ومواساتهم في مصابهم، مستغلين ظروفهم وأوضاعهم المعيشية الصعبة على نحو صارخ، غير آبهين بما تخلفه تلك الممارسات من أوجاع وآلام اجتماعية مبرحة، لا تقل قسوة عما يعانوه من آلام جسدية فعلية، وقد تعجل هذه الطعنات بجندلتهم إذ هي إضافة قاسية لما ينخر عظامهم وأرواحهم من عذاب وضنى.
بعض المغردين لهم مآرب سيئة من المتاجرة بأحوال الناس واستغلال احتياجاتهم من أجل الكسب المادي الرخيص، والبعض الآخر يفعل ذلك من أجل زيادة المتابعين لحساباتهم الشخصية في تلك الوسائل، وحشد الإعجابات واستعطاف الناس لتأييد ما يغردون به، بغض النظر عن صحته بطبيعة الحال.
البعض يرغبون وهماً في أن يقوموا بدور الجهات المختصة في تقديم العلاج تارة والمساعدة الاجتماعية تارة أخرى، والأعمال الخيرية مرات، ويزعمون في إطار ذلك بأنهم رعاة للخير أين كان وأين وجد.
بالطبع لا يمكن أن نعمم هذه الممارسات علي جميع المغردين ومستخدمي حسابات التواصل، لكن المسألة باتت الآن ظاهرة واسعة الانتشار، يحدث هذا في مجتمع تتجسد فيه أصلا صور التكافل الاجتماعي على نحو فريد، وهذا ما يميز مجتمعاتنا عن المجتمعات في الدول الأجنبية، وهذا بالطبع من فضل الله علينا.
نأمل أن لا تستغل أحوال الناس وعدم وعيهم باستخدام التقنيات الحديثة على نحو يلحق بهم هذا القدر من الضرر الأليم.