الأعمال الخضراء في الخليج

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٠٩ ص

فريق حوار الشرق الأوسط

عندما أرادت تاتيانا أنتونيلي أبيلا، قبل سبع سنوات، أن تُطلق مشروعاً صديقاً للبيئة في الإمارات العربية المتحدة، ضحك الجميع باستهزاء. والسبب؟ حينها، لم يكن أحد يهتمّ بعمليات إعادة التدوير، وكانت الأزمة المالية في ذروتها وبيئة الأعمال لا تُسهّل إطلاق الشركات، ولم تكن السلطات مهتمة بعد بالاقتصاد الأخضر أو الاستدامة أضف إلى ذلك أن أبيلا لم تكن تملك التمويل.

على الرغم من كل العوامل غير المواتية، ثابرت وصبرت واستمّرت أبيلا وكل فريق عملها وها هي اليوم المؤسسة والمديرة الإدارية لشركة «غومبوك» المستدامة التي تُدر الأموال وتدفع الرواتب لموظفيها وتحصد الشراكات وتتعاون مع السلطات من أجل زيادة الوعي حيال أهمية البيئة المحيطة بنا والمسؤولية التي تترتّب على كل فرد منّا من أجل الحفاظ على بيئتنا.

ولكن، لماذا كل هذا الإصرار؟ تخبرنا أبيلا، خلال لقاء معها في إحدى مقاهي دبي: «هذا أمرٌ أدين به إلى دبي. أتيت للاستقرار هنا ولم أكن مضطرة للعمل بسبب وضعي الاقتصادي المناسب، فقررت أن أكرّس وقتي لقضية عزيزة على قلبي. بالإضافة إلى ذلك، نجد في دبي العديد من النساء القديرات وذات خبرة اللاتي لا يجدن عملاً لأن نادراً ما يتمّ توظيفهن بدوام جزئي. وبالتالي، كنت أملك إمكانية التغيير ومعاونة مجموعة من الخبراء في آن واحد، فأطلقت شركتي».
وبفضل ما اختبرته في حياتها اليومية، لم يكن صعباً على أبيلا أن تختار المجال الذي ستركّز عليه. وهنا تقول: «عندما انتقلت إلى دبي، لاحظت غياب البنى الأساسية لإدارة النفايات. فكنت أشتري الكثير من زجاجات الماء البلاستيكية من دون أن أعرف أين أعيد تدويرها. كُنت أجمعها في شقتي لأتوجّه، مرة كل شهر، إلى مركز بلدية دبي لإعادة التدوير لأتخلص منها». وحينها، أطلقت صفحة على فيسبوك بعنوان «غرين هاند، دبي» حيث نشرت عليها معلومات عن كيفية إعادة التدوير والأماكن المخصصة لها، ومتاجر المنتجات العضوية.
ومن صفحة على فيسبوك، أسست، العام 2010، شركتها الخاصة، «غومبوك» التي أرادت أبيلا أن تكون دليلاً إلكترونياً يجمع كل المعلومات الضرورية حول أنماط الحياة المستدامة والممارسات الخضراء. وهنا تُطلعنا على سبب اختيار اسم الشركة قائلة: «أردت الابتعاد عن المصطلحات المعهودة مثل «الخضراء» أو «الصديقة للبيئة» لأنها لا تجذب الناس لا بل على العكس. فقمت ببعض الأبحاث عن الإرث المحلي ووقعت على كلمة «قوم» التي كانت تستخدم للإشارة إلى القبائل البدوية التي تجوب الصحاري ويعيش أفرادها معتمدين على ذاتهم مع حس عالٍ بالمسؤولية الجماعية ومشاركة الموارد والحرص على عدم تبذيرها.
هذا المصطلح ما زال مستخدماً في الإمارات للإشارة إلى القبيلة أو العائلة. أما الجزء الثاني من الاسم ويعني «كتاب»، فذلك لأننا نريد أن يعتبرنا الأفراد ككتاب يفتحونه للحصول على أي نوع من المعلومات».
إذاً أرادت أبيلا أن تكون «غومبوك» أشبه بمنصة اجتماعية تخدم المجتمع وتجمع بين الأفراد والشركات وتسعى إلى تشجيع وتعزيز الحس بالمسؤولية وجمع اقتراحاتهم وأفكارهم لنقلها للسلطات من أجل إحداث التغيير. إلا أن الأمر لم يكن سهلاً في البداية. وتشرح لنا أبيلا: «عندما أطلقنا المنصة، تسجلت أكثر من 1000 شركة من أكثر من 20 دولة في غضون بضعة أشهر إلا أننا لاحظنا أن الموقع يجلب القليل من الزوار. كانت الشركات مهتمة ولكن ليس المستخدم النهائي. أدركنا أننا نحتاج إلى دفع الناس إلى موقعنا وحثّهم على المزيد من الاهتمام والالتزام».

«أعطي غاف»

تريد مبادرة «أعطي شجرة غاف» التي انطلقت العام 2011 وما زالت مستمرة أن تُعزّز الوعي بالنظام البيئي المحلي، وحماية النباتات والحيوانات من مختلف الأخطار التي تُهددها، مثل التصحّر والغزو الاسمنتي وشح المياه والانقراض. واختارت «غومبوك» شجرة الغاف التي تعتبر شجرة وطنية ومحمية؛ شجرة دائمة الخضرة تمتاز بقدرتها على مقاومة الجفاف والأكثر قدرة على مقاومة طبيعة الصحراء القاسية.
وتسرد لنا أبيلا تفاصيل هذه المبادرة مشددة على أن شجرة الغاف لم تكن متوفرة في كل مكان ما حتّم أن تبدأ الشركة بمرحلة أولى بإنتاج البذور ليتمّ في مرحلة ثانية زرعها في مختلف المناطق بفضل شراكات أبرمتها «غومبوك» مع عدد من المبادرات والمؤسسات. وتضيف: «لأننا أردنا تطوير هذه المبادرة، أطلقنا هذا العام المشروع التجريبي للغابات التراثية في رأس الخيمة حيث سنزرع 4000 شجرة في غضون أربع سنوات إضافة إلى تحليل المياه الهواء والحياة البرية على أمل أن نستنسخ المشروع في الإمارات السبعة من أجل أن نتوصل إلى غابة غاف وطنية».
منذ انطلاقها، تم زرع ما يزيد عن 30 ألف بذرة شجرة غاف في مختلف أنحاء الإمارات؛ شجرات زرعها أفراد ومزارعون وشركات ضمن برنامجها للمسؤولية الاجتماعية وطلاب مدارس. ولا تقتصر المبادرة على إتاحة المزيد من المساحات الخضراء والهواء المنعش لا بل أنها تُسهم عملياً في تحويل الانبعاثات الكربونية إلى هواء نظيف للأجيال القادمة.

«اتركها»

وتعود أبيلا إلى اهتمامها الأول ألا وهو تقليص استعمال البلاستيك في حياتنا اليومية. فانطلقت هذه المبادرة العام الفائت من أجل توفير صلة وصل بين الأفراد والشركات الذين يدركون أهمية وضع حد لاستهلاك البلاستيك لاسيما زجاجات مياه الشرب البلاستيكية واستبدالها بالمياه المنزلية بعد فلترتها.

وهنا تخبرنا أبيلا: «لم أكن أعي كل المخاطر الصحية التي يسببها البلاستيك مثل مشاكل الهرمونات وغيرها. ونحن في دبي، من اللحظة التي نستيقظ فيها إلى أن نخلد إلى النوم، نستخدم البلاستيك ونشرب المياه فيه. واكتشفت أن المياه في الإمارات وتحديداً في دبي مياه صالحة للشرب. إلا أن كثيرين يخشون شربها لأنهم لا يثقون بحالة الآبار أو حتى يتحججون بكمية المعادن فيها فيما لا يدركون أن هذا العامل أكثر تسويقي منه صحي لاسيما أن الكمية في المياه صغيرة جداً مقارنة بما نجده في طعامنا مثلاً».

ونظراً إلى أن «غومبوك» تعتمد على حملات التوعية ولا تريد أن تفرض حلّاً أو طريقة عمل، أجرت العديد من الأبحاث لتعرض أفضل شركات تركيب فلاتر المياه. وهنا تشدد أبيلا: «حالما أطلقنا مبادرة «اتركها»، تواصلت معنا أكثر من 30 شركة أرادت أن ندرجها على موقعنا. إلا أننا اخترنا البعض منها اعتماداً على أسعارها المقبولة ونوعيتها العالية والشركات الموجودة في الأسواق منذ وقت طويل».
وإضافة إلى الأفراد الذين اختاروا التخلي عن الزجاجات البلاستيكية، انضمّت العديد من الشركات في الإمارات إلى هذه المبادرة علّها تساهم بترك أثر إيجابي فوري على البيئة بفضل تقليل النفايات البلاستيكية والحد من البصمة الكربونية.
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت «غومبوك» موقع «التنمية المستدامة مينا» الذي يريد أن يكون بوابة ودليلاً أخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يستعرض كل الخدمات والمنتجات والمواد الخضراء بهدف مساعدة المنتجين والتجار والمستهلكين على التواصل مع بعضهم البعض على نحو يعزز الاقتصاد الأخضر المحلي.
كل هذه المبادرات والحملات ونتائجها تؤكد أن مثابرة أبيلا أعطت ثمارها. وهنا تقول: «لقد تجاوزت أهدافي. أطلقت المشروع عندما نصحني الجميع بألا أفعل». ويعود الفضل إلى جهود أبيلا وفريق عملها بالطبع وإنما أيضاً إلى التغيرات التي شهدتها الإمارات في السنوات الأخيرة أيضاً. وتعلمنا أبيلا: «قبل بضعة سنوات، كثُر الكلام عن الاستدامة والمبادرات الخضراء وتأسست العديد من الشركات إلا أنها سرعان ما أقفلت أبوابها. الأمور تبدّلت اليوم لأسباب عدة مثل اهتمام السلطات المتزايد ما حثّها على التعاون مع المبادرات الموجودة والشراكة معها ووضع الاستدامة في صلب إكسبو 2020».
إلا أنها تشير أن ما ينقص هو المزيد من القوانين الخاصة بالاستدامة والممارسات الخضراء. وتضيف: «أشعر أحياناً بالخيبة لغياب القوانين لاسيما أن دولاً أخرى لا تملك الموارد مثل إثيوبيا ورواندا وغيرها قد نجحت في حظر استخدام البلاستيك. الوضع سيتغير ولكنه يحتاج إلى الوقت». كما أنها تتمنى أن تتضافر الجهود على الصعيد الوطني قائلة: «كل إمارة تبذل جهوداً على حده في حين نأمل أن تعمل يداً بيد».
بانتظار أن يتحقق ذلك، تتواصل مشاريع «غومبوك» التي تنوي أن تُطلق مبادرة «اتركها» للشاب في سبتمبر المقبل كما أنها تعمل على مبادرة متعلقة بالنفايات الغذائية «كُلها أو وفّرها». وتتمنى أبيلا أن يدرك كل فرد مسؤوليته تجاه البيئة أينما كان حتى لو لفترة زمنية محددة.
وتضيف: «لا يجب أن نظن أن ما نقوم به لا يترك أثراً. بالطبع، لن نغير العالم إذا أوقفنا استعمال الأكياس البلاستيكية إلا أننا جميعنا في العالم نتنفس الهواء ذاته. نحن ننتمي إلى كوكب الأرض وأي تغيير في عاداتنا ولو طفيفاً سيكون له أثر كبير على حياتنا جميعا».