ستيفن روزنبوم
تسلم الأجهزة الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي اليوم قدراً كبيراً من المعلومات التي يعجز حتى المستهلك الأكثر حذقا ووعيا عن تقييمها جميعا. ويبدو الأمر وكأننا نعيش في نسخة من رواية ألدوس هكسلي «عالَم جديد شجاع»، إذ أُغرِقَت الحقيقة في بحر من العبث. ولكن المستقبل ليس بالضرورة «مدينة فاسدة» كما قد يقترح الحاضر.
الواقع أن نسبة الأمريكيين الذين يحصلون على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي سجلت نمواً سريعاً في السنوات الأخيرة، فبلغت 62 % اعتباراً من العام 2016. ومع ذلك، وفقاً لدراسة حديثة أجراها مركز بيو للبحوث، أصبح المهنيون في وسائل الإعلام، والدوائر الأكاديمية والتكنولوجية، ومؤسسات النشر، ينظرون على نحو متزايد إلى الإنترنت باعتباره «بالوعة» لخطاب الكراهية، والغضب، والمتصيدين.
الواقع أن أفضل وصف للكثير مما يصل إلى عتباتنا الرقمية هو «أخبار زائفة»: قصص خادعة، ودعاية، وغير ذلك من أشكال التضليل. ولكن في حين يُعَد وصف «الأخبار الزائفة» عنواناً مفيداً لكل مشكلة حقيقية، فإنه لا ينبئنا ما إذا كنا في حقيقة الأمر نعيش في عالَم «ما بعد الحقيقة»؛ وإذا كان الأمر كذلك، فمن ينبغي له أن يتحمل المسؤولية عن ذلك. للإجابة على مثل هذه التساؤلات، ينبغي لنا أن ندرس البنية الأساسية للأخبار الزائفة.
يستخدم العديد من الهواة السياسيين مجهولي الهوية ومخترقي مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينشئون وينشرون الأخبار الزائفة موقع ريديت (Reddit) للقيام بذلك. فمع استقبال 542 مليون زائر شهريا (234 مليون مستخدم فردي)، يصبح موقع ريديت رابع أكثر المواقع استقبالا للزائرين في الولايات المتحدة، والثامن عل مستوى العالَم، اعتبارا من هذا الشهر.
على الرغم من شعبيته الكبيرة، لا يُذكَر موقع ريديت في التغطية الإعلامية الرئيسية إلا عندما تحتدم أكثر محادثاته إثارة للجدال ، وفي أعقاب احتجاجات عامة، حذف موقع ريديت تلك الصفحة الفرعية في العام 2011، كما فعل مرة أخرى عندما انتبه عامة الناس إلى صفحة فرعية أخرى عن مطاردة النساء تحمل اسم «CreepShots».
ومع ذلك، استمر خطاب بغض النساء والكراهية في التدفق على الموقع. وفي زي تنكري قبيح يحمل مظهر حرية التعبير، استضاف موقع ريديت صفحات فرعية بعنوان «ضرب النساء»، و»كراهية البدينين»، و»الشمبر» (التي تحرض على العنصرية). ومؤخرا، استضافت صفحة فرعية بعنوان «بوابة البيتزا» أصحاب نظريات المؤامرة .
من جانبه، لا يبدو أن مؤسس موقع ريديت، ألكسيس أوهانيان، يشغل باله كثيراً بالمخاطر المحتملة التي يفرضها موقعه على شبكة الإنترنت. فعندما ألقى أوهانيان خطابا رئيسيا في مهرجان SXSW التفاعلي الشعبي في أوستن بولاية تكساس هذا العام، لم يتحدث عن الخط الفاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية. ولم يذكر الصفحة الفرعية على موقع ريديت بعنوان: «ذا دونالد»، والتي يؤمها أكثر من 300 ألف ستخدم مسجل، والتي ربما لعبت دورا بالغ الأهمية في انتخاب دونالد ترامب. وتحدث بدلاً من ذلك عن صفحة فرعية بعنوان «الألوان المائية القذرة» وأعلن أن «الأخبار الزائفة» السمة المميزة للحرية والخطاب غير الخاضع للرقابة. وخلال جلسة «اسألني عن أي شيء» التي أدارها بعد خطابه، لم يقبل أوهانيان أي أسئلة حول الصفحة الفرعية «بوابة البيتزا» أو «ذا دونالد»، أو خطاب الكراهية.
من المؤكد أن موقع ريديت ليس الداعم الوحيد لذلك النوع من تجهيل الهوية على الإنترنت والذي يسمح للمستخدمين بتوزيع خطاب الكراهية ، من دون التعرض لأي عواقب. وهناك أولئك الذين يخشون أن مهمة تنظيف ريديت لن تُفضي إلا إلى دفع المتصيدين إلى العمل سراً تحت الأرض مع مواقع أقل شعبية مثل Voat. ولكن في حين تتخذ منصات أخرى كبيرة على الأنترنت مثل فيسبوك خطوات لمعالجة هذه المشكلة، يظل موقع ريديت مصرا على التحدي.
وقد تساعد حصانة موقع ريديت النسبية من الانتقاد في تفسير عدم اكتراثه. فباعتباره أحد أكبر عشرة مواقع من حيث عدد الزائرين على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة، يعمل بمثابة قناة رئيسية للمنافذ الإعلامية، التي تستخدمه لزيادة معدلات مشاهدة صفحاتها، وبالتالي إيراداتها الإعلانية.
الواقع أن الأخبار الزائفة عَرَض من أعراض مشكلة أكبر. فمع انخفاض عائدات الإعلانات، تبحث المؤسسات الإعلامية في يأس متزايد عن فرقعات. ولا يتردد أغلب القراء في مشاركة أو إعادة نشر التغريدات الرئيسية التي تدعم تحيزاتهم ومعتقداتهم الخاصة. ولا تبالي شركات التكنولوجيا بكل هذا بزعم أنها «مجرد منصات»، في حين تجني الأرباح من حركة المرور التي تجلبها الأخبار الزائفة.
ماذا يفعل مستهلكو الأخبار إذن لمقاومة الأخبار الزائفة؟ بادئ ذي بدء، ينبغي لنا أن نطالب المنافذ الإعلامية الجديرة بالثقة بتجنب السماح لمواقع مجهلة الأسماء مثل ريديت باستضافة محتواها. وينبغي لنا أن نفرض المزيد من الضغوط على شركات مثل أدفانس للنشر لدفعها إلى تحمل المسؤولية عن المواقع التي تملكها وما يحدث هناك.
في المقام الأول من الأهمية، يعني كل هذا التراجع عن ثقافة تجهيل الأسماء الرقمية التي تسهل خطاب الكراهية والتضليل. وينبغي للمنصات الرقمية أن تلزم أولئك الذين يعتنقون الأفكار ويتبادلون المعلومات بالتوقيع بأسمائهم على مخرجاتهم. فالأسماء المستعارة تصلح لكتاب الخيال فقط.
باحث في ظاهرة الأخبار الزائفة كعضو في برنامج TED Residencyفي مدينة نيويورك. ومخرج فيلم «سبعة أيام في سبتمبر».