هل ينبغي إقصاء الصين من حقوق السحب الخاصة؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٩/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص

بنيامين جيه. كوهين

أحكمت الحكومة الصينية قبضتها الأسبوع الفائت على سعر صرف الرنمينبي، لتنكث بهذا فعلياً وعداً كانت قطعته على نفسها قبل ثمانية عشر شهراً عندما كثفت ضغوطها وشقت طريقها إلى داخل سلة العملات التي تحدد قيمة الأصل الاحتياطي الاصطناعي لصندوق النقد الدولي، أو ما يعرف بحقوق السحب الخاصة. ولن يكون للخطوة التي اتخذتها الصين مؤخراً تأثير يذكر في تقوية الثقة بعملتها. وكما حذر البعض منا حينها، كان إدخال الرنمينبي إلى سلة حقوق السحب الخاصة قراراً سياسياً بالدرجة الأولى ربما أسفر عن نتائج عكسية على المدى الطويل. كانت السلة تقتصر قبل ذلك على الدولار الأمريكي، واليورو، والجنيه الاسترليني، والين الياباني ــ وكلها عملات عالمية تستوفي معياريّ القبول اللذين وضعهما صندوق النقد الدولي، وهما: صدورها من قِبَل دول رائدة عالمياً في مجال التصدير، و»قابليتها للاستخدام الحر»، بمعنى تبادلها على نطاق واسع في أنحاء العالم.

بالمقارنة نجد أن الرنمينبي قد استوفى المعيار الأول فقط عند إضافته إلى سلة حقوق السحب الخاصة. لكن مع كون الصين وقتها أكبر دولة مصدرة في العالم، كانت أسواقها المالية بدائية، وعملتها بعيدة كل البعد عن القابلية للاستخدام الحر. ففي العام 2015، حل الرنمينبي سابعاً في احتياطيات البنوك المركزية العالمية، وثامناً بالنسبة لإصدار السندات الدولية، وحادي عشر في مجال تداول العملات العالمية، بينما ظل غير قابل للتحويل بالنسبة لمعظم معاملات حسابات رأس المال.

رغم هذا كله، أُدرج الرنمينبي ضمن سلة عملات حقوق السحب الخاصة. وكانت الصين قد أوضحت مراراً وتكراراً أنها لن تكون سعيدة حال صدور قرار سلبي، ولم يرد أحد أن يضايق التنين. وبدلاً من التمسك بالمعايير المعتادة، قبل صندوق النقد الدولي وأعضاؤه الرئيسون وعد الصين الغامض بجعل الرنمينبي أكثر قابلية للاستخدام مستقبلا.
من المعروف تاريخيا أن بنك الشعب الصيني اعتاد تثبيت سعر صرف الرنمينبي على أساس يومي، دون اعتبار للإحساس الحقيقي بنبض السوق، كما لم يكن يسمح بتداول الرنمينبي إلا في حدود ضيقة. لكن حتى قبل صدور قرار صندوق النقد الدولي بضم الرنمينبي إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة، أعلنت الحكومة الصينية أنها بصدد إرخاء قبضتها على العملة، كما أعلن بنك الشعب الصيني أنه سيبدأ من ذلك الوقت فصاعدا في وضع إشارات السوق في الاعتبار عند تثبيت سعر الصرف اليومي، ووعد بتحرير تدريجي للقيود المفروضة على رؤوس الأموال في الصين، الأمر الذي كان من شأنه أن يزيد من جاذبية الرنمينبي لدى المستثمرين.
لكن التحرك الأخير للسلطات الصينية يدل على أنها لا تعتزم بأي حال الالتزام بالقواعد أو التعامل بنزاهة. فبدلا من أن يقوم بنك الشعب الصيني بإرخاء قبضته بشكل أكبر على سعر الصرف، وجدناه يحكم سيطرته مجددا ويهمش دور إحساس السوق في عملية صنع القرار داخل البنك.الدليل على هذا واضح للعيان، حيث بات جليا أن الرنمينبي أصبح أقل قابلية للاستخدام الحر عما كان عليه قبل ثمانية عشر شهرا. فقد شرعت الصين منذ منتصف العام 2016 في فرض ضوابط جديدة على رؤوس الأموال لمنع تدفق الرنمينبي إلى خارج البلاد وتحويله لدولارات. كما فرضت الصين قيودا جديدة على الاستثمارات الأجنبية المباشرة للشركات الصينية، إضافة إلى مراقبتها للمعاملات الأخرى عبر الحدود.
وليس من الصعب فهم سبب تراجع الصين عن وعودها. فطوال العامين الفائتين، كان حديثو الثراء من الصينيين يبحثون عن طرق لنقل ثرواتهم إلى الخارج، الأمر الذي زاد من ضغوط خفض الرنمينبي وأجبر بنك الشعب الصيني على إنفاق أكثر من تريليون دولار أمريكي لتدبير احتياطيات من النقد الأجنبي في مسعى لدعم سعر الصرف. لكن هذا لم يكن كافيا لمنع خدمة موديز للمستثمرين من خفض التصنيف الائتماني للصين في وقت سابق من هذا الشهر، مما عرّض صانعو السياسات للانتقاد والهجوم.وقد لا تعدو مشاكل الصين الحالية عن كونها منعطفا قصيرا على الطريق الطويل نحو انفتاح أكبر. لكن قد لا يكون الأمر كذلك أيضا. وإذا كانت الحكومة الصينية جادة حيال فتح سوق رأسمالها، فيتحتم عليها تنفيذ إصلاحات تَنفذ مباشرة إلى قلب نموذج الحزب الشيوعي الصيني للإدارة السياسية والاقتصادية. وربما يتمكن قطاع مالي منفتح وفعّال بحق من تقليص سلطة الحزب الشيوعي الصيني، لا سيما وأن الكبت المالي يشكل مكونا رئيسا في آلية الاستبداد الصينية.
لقد تحركت الحكومة الصينية قبل استيفاء الشروط والظروف المناسبة حينما أصرت على ضم الرنمينبي إلى سلة حقوق السحب الخاصة. والأمر الأسوأ من ذلك أنها قَدَّمَت سابقة مؤسفة قد تشجع اقتصادات أخرى ناشئة، مثل الهند أو روسيا، على المطالبة بنفس المعاملة لعملاتها، بصرف النظر عن استيفائها لمعايير صندوق النقد الدولي من عدمه. فإذا كانت الصين قد استطاعت دخول مثل هذا النادي الحصري رفيع المستوى رغم سلوكها الاعتباطي في التعامل مع السياسات، فما المانع من انضمامها إليه هي الأخرى

أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربارا