مسقط- سعيد الهاشمي -تصوير- إسماعيل الفارسي
أقام مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ملتقى «الإعلام ودوره في التقارب والوئام الإنساني/ العلمي» الذي يأتي في إطار فعاليات أسبوع التقارب والوئام الإنساني الخامس بمشاركة كبار المفكرين والمثقفين والباحثين والأكاديميين من مختلف دول العالم.
رعى حفل الافتتاح بجامع السلطان قابوس الأكبر الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية معالي يوسف بن علوي بن عبدالله أمس بحضور وزير الإعلام معالي د.عبدالمنعم بن منصور الحسني وعدد من ضيوف الشرف من خارج السلطنة.
وأوضح معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في تصريح صحفي عقب الافتتاح أن هذا اللقاء يأتي في إطار نشر ثقافة الحوار والتعايش والتسامح كمنهج حياة بمشاركة مختلف المشارب الفكرية والعلمية، مبيناً أن الجميع يتطلع لأن يتوسع هذا المنهج لأن فيه كل خير للبشرية جمعاء.
وأكد معاليه أن التوترات إنما هي مدعاة للعمل من أجل الوئام والمودة والتسامح وأن هذا الأسبوع سوف ينظر في كل هذه النواحي بهدف الابتعاد عن التشاحن والجاهلية والتمسك بالإسلام كمنهج حياة وليس كمنهج تصارع على المصالح.
الإعلام وقضاياه الشائكة
من جانبه ألقى الأمين العام لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم سعادة حبيب بن محمد الريامي كلمة قال فيها: نناقش في أسبوع التقارب والوئام الإنساني، في دورته الخامسة ملف الإعلام وقضاياه الشائكة، وإسهامه المأمول في نشر ثقافة التسامح والسلم بين بني البشر. وذلك من خلال معالجات مختلفة يقدمها ضيوف السلطنة سفراء السلام والإسلام تتصل بذات الموضوع.
وأضاف سعادته: التفاوت والخلل في النظام الإعلامي العالمي الراهن على كافة المستويات، أوجد تحديات متداخلة العناصر والمؤثرات مهنية وتكنولوجية وثقافية، فالتناقض الحاد بين ما تقدمه وسائل الإعلام الموجّهة وبين الواقع، وغياب التنسيق والتعاون المتكامل بين واضعي السياسات الإعلامية والثقافية والعاملين عليها، وعدم تمتع الإعلاميين العرب والصحفيين منهم على وجه الخصوص بحقوقهم المشروعة، وضمانات ممارستهم للمهنة من جانب، وخطر التدفق الإعلامي غير المتوازن بين الشرق والغرب، وعجز الإعلام العربي المطبوع عن مواكبة التقانة الحديثة وعصر المعلومات، في الوقت الذي تشهد فيه هذه الصناعة نقلة نوعية وعالمية على مختلف الأصعدة من جانب آخر، وكيفية التوفيق بين الحقوق الاتصالية للأفراد والجماعات ومبدأ الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية لكل شعب، وشيوع ظواهر الاحتكار والهيمنة والاختراق الثقافي السافر، وعجْز النخب العربية في الوطن العربي عن صياغة مشروع ثقافي حضاري مستقل في مواجهة تلك المشاريع الوافدة في الوقت الذي تخوض فيه ثقافتنا العربية والإسلامية معركة حاسمة متعددة الجبهات، كل ذلك وغيره مِمَّا لم يُذكر يتطلب في الواقع وبإلحاح شديد وقفات ومراجعات، لتحديد المنطلقات وآليات المواجهة إستراتيجياً وإجرائياً.
مقتضيات العولمة
وأشار إلى أن على المسلمين أن يكونوا أكثر إبداعاً في تفاعلهم مع مقتضيات العولمة ومطلوباتها، قبولاً أو ردًّا، مثلما أن عليهم استخدام العناصر الفاعلة بتراثهم الحضاري في عملية التفاعل مع هذه الظاهرة، وألَّا يخلدوا إلى وضع سكوني سالب إزاءها؛ لأن بعض مضامينها مجافٍ لثقافتهم ومعتقداتهم ومن ثمَّ قد يُصار إلى الإنكار المطلق أو الانعزال التام عن مجرى الحوادث الجادّة، وكلاهما مذموم ومرفوض. لذا فقد قررنا ولا زلنا نقرر ونؤكد كيف أن على العقل العربي والإسلامي أن يُدرك أن أحد المتطلبات والشروط الضرورية للتعامل مع هذا الوضع على نحو إيجابي وواقعي، أن تكون فضاءاتنا العربية والإسلامية فضاءاتٍ منتجة اقتصادياً، وقادرة على المنافسة ودخول السوق، وألَّا تكون من جانب واحد سوقاً مفتوحة ومستهلكة فحسب لقوى الاقتصاد الخارجية، ولمنتجات الشركات الرأسمالية الكبرى عابرة الحدود والأوطان والأمم.
مفهوم حقوق الإنسان
من جهته قال أمين عام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان د.عبيد بن سعيد الشقصي لـ«الشبيبة»: إن تعريف حقوق الإنسان يدل على ضرورة التقارب والوئام والتوافق بين جميع شعوب العالم بينما الناظر لمفهوم حقوق الإنسان يجده مفهوماً عالمياً، واستخدم كلمة إنسان بغض النظر عن عقيدته ولونه وشكله وعرقه وثقافته ولغته، وحقوق الإنسان جاءت لتتقاطع مع هذا المفهوم من حيث العالمية، بمعنى آخر أنه لا يوجد فرق بين عربي وأعجمي وأسود وأبيض، واستخدام كلمة إنسان لكي تعطي انطباعاً بأن هذه الحقوق غير مجزأة وهي حقوق طبيعية تولد مع الإنسان نفسه أينما وُجد هذا الإنسان، بالتالي علينا أن نعزز مفهوم التقارب وتعزيز القيم ذات الطابع الإنساني التي تتقاطع مع جميع الثقافات وجميع الحضارات بشكل أو بآخر، وعلى هذا الأساس اللجان المتعلقة بحقوق الإنسان والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان عليها أن تعزز هذا الفهم وتسعى إلى التقريب بين وجهات النظر في مختلف الشعوب والأعراف والأديان والثقافات.
وعن وسائل الإعلام قال الشقصي: وسائل الإعلام سلاح ذو حدين تستطيع من خلاله أن تغلب فكرة واحدة وتحاول فرضها على الناس كما تستطيع أن تؤثر على الرأي العام وتوجهه اتجاه العنف والكراهية، وتستطيع من خلال هذه الوسائل أن ترفض قبول الآخر وأن تستخدم كل إمكاناتها الفنية والعلمية وتحشد بناس يتكلمون في هذا الاتجاه، وبالتالي هذا لا يساعد على قضية الوفاق ولا يساعد على الوئام، أما في الشق الآخر تستطيع هذه الوسائل أن تسعى إلى التسامح وتدعو إلى التسامح والتقارب وقبول الآخر واحترام الآخر ووجود هذا الفكر المختلف يساعد على تنمية المجتمعات والتعايش، ولا تحكم عليه من خلال النظرة الأحادية التي تتبنّاها، ويبقى المعيار في من يدير هذه الوسائل ومن هو الذي يقوم بتحديد توجهاتها،
وأكد أن العالم محتاج إلى إعلام يقبل الآخر ويناقش بالرأي والحجة والإقناع.
وعن وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها قال أمين عام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان: إن شبكات التواصل الاجتماعي يقوم عليها في الغالب أفراد، هؤلاء الأفراد مدفوعون بتوجهات معيّنة، وهذه التوجهات قد يستقوها من بيئة العمل أو بيئة الدراسة أو من وسائل الإعلام، وقدرتهم على التحليل تكون أقل بكثير ولا ينظرون للمسائل بنظرة واسعة، وهذا جعل الأمر أسوأ خاصة إذا وقعت في أيدي أناس بعيدين كل البعد عن الفهم الواسع لمفهوم الوئام والتوافق بين الناس، فتجدها تصب الزيت على النار أكثر من أنها تقوم بإخماد هذه النار، كما أنه وللأسف الشديد تجد بعض المؤسسات تستخدم هذه وسائل من أجل إثارة الفتن والأحقاد.
وعن سياسة السلطنة قال: سياسة السلطنة معتدلة تماماً في أوقات النزاعات أو في أوقات السلم والأمن والاستقرار وهي سياسة واضحة، وأصبحت عمان مركزاً رئيسياً لكثير من النزاعات التي تدور في المنطقة ليس باعتبارها طرفاً في تلك النزاعات بل باعتبارها طريقاً وسبيلاً لحل تلك النزاعات وإيجاد مخرج سلمي آمن لها.
وعن مقولة البعض بأنه لا بديل عن العنف أوضح الشقصي، أن العنف لا يجلب إلّا العنف، فالعنف سبيل الضعفاء فنلجأ للعنف إذ لم نستطع أن نُحكِّم العقل، فالعنف هو مرحلة انفلات فكري وعقلي يلجأ إليه البشر عند عدم قدرتهم على التحكم بأنفسهم وكل الأشياء التي تبدأ بعنف تنتهي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
قال مدير قناة الميادين غسان بن جدو: كنا سابقاً عندما تحدثنا عن الإعلام المسؤول نعتقد أنه صوت لبعض الأنظمة التي تريد أن تحجب عنا حرية الإعلام والتعبير، أما وقد أصبح العالم العربي في هذا المخاض الدموي القاتل والفتاك بالفتن الطائفية والمذهبية وبالحروب الداخلية فأعتقد أنه لا بد أن نرفع شعار الإعلام المسؤول الذي يبتعد عن التحريض، مضيفا: أن مسقط تشكل واحة نموذجية للهدوء والابتعاد عن التحريض والفتن وخصوصاً وأن هذا اللقاء نجح في رفع شعار التقارب.
وقال مدير تحرير صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية ورئيس تحرير صحيفة «القدس العربي» سابقاً عبدالباري عطوان: إن هذه الفترة هي أخطر مرحلة تمر بها المنطقة بسبب حالة الانقسام غير العادية أو هي انقسامات تقوم على الطائفية وتقوم على أيديولوجيات غريبة عن المنطقة بأسرها، والإعلام هنا للأسف يعمّق هذه الانقسامات في ظل حالة الاستقطاب السياسي التي تنعكس أيضا على حالة استقطاب إعلامي غير مسبوقة، من المؤسف جداً أن عقلنة الخطاب الإعلامي أصبحت مسألة ضرورية جداً وإذا لم نستطع منع النتائج الكارثية على الأقل يمكن أن نقلص من أخطارها بقدر الإمكان، مضيفا أن الإعلام اليوم يلعب دوراً تأجيجياً ويُوظف من قِبل بعض الجهات من أجل أغراض سياسية تخدم حالة الانقسام وحالة التوتر وحالة الصدام التي تزحف إليها المنطقة بسرعة وأعتقد أن الشهور المقبلة ستكون شهوراً خطيرة جداً ولا أستبعد حدوث صدامات دموية ربما يكون ضحاياها المئات إن لم يكن آلاف الأبرياء.
عضو مجلس الدولة المكرم زاهر بن عبدالله العبري قال: أرى أن يحرص القائمون على وسائل الإعلام أن تأخذ رسالتهم المعاني التي تؤدي إلى التقارب بين شعوب الأرض وإلى التفاهم فيما بينهم في إطار من الوئام الذي يحقق الاحترام المتبادل ويفضي إلى مزيد من الازدهار والتقدم لبناء البشرية قاطبة.
وأضاف العبري أن احتضان مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم هذا الأسبوع إنما هو ترجمة للفكر السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ومن الفكر النير الذي يقتبسه من فهم عميق ووعي صادق لحقيقة الدين الإسلامي الذي جاء به رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، ولن تتحقق هذه الرحمة في إطار الشحناء والبغضاء والحروب وإنما تكون هذه الرحمة بالسلام والرحمة والإخلاص للعمل البناء المثمر.
ومن جانبه قال أستاذ تاريخ العرب الحديث بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر د.محمد صابر عرب في كلمته: لقد شهد العالم خلال العقد الأخير صعود تيارات دينية أيديولوجية متشددة، لا مجال للحديث عن أسبابها، لكن نتائجها واضحة أمام العيان، وقد لاحظنا تمددها في بعض أوطاننا العربية والإسلامية على وجه الخصوص، وضاعف من مخاطرها أنها استغلت بشكل لافت ما حدث في بعض الأقطار العربية من أحداث عنف أُقحم فيها الدين بالسياسة وما صاحب ذلك من موجات عنف راح ضحيتها مئات الآلاف، حيث اُستبيحت أرواح الناس وأعراضهم وممتلكاتهم من خلال خطاب اتسم بطابع ديني مذهبي راح العالم يراقبه بقدر هائل من القلق والخوف.
وأضاف: على الرغم من أن كل الديانات السماوية عبر تاريخها الطويل قد أرست قيما إنسانية وحضارية جميعها تؤكد على حرمة الدماء واحترام العقل وتحفيز الإنسان لكي يمارس دوره في إعمار الأرض وشيوع التسامح والتعاون، لكن ما حدث وما يزال يحدث من استهداف كل منجزات الدولة الوطنية الحديثة، وخصوصا في منطقتنا العربية قد ضاعف من روح الكراهية وتعطيل برامج التنمية وحصد أرواح الأبرياء بعيدا عن القانون، فضلا عن إقحام الدين فيما لا يستوجب الإقحام بهدف العودة بمجتمعاتنا إلى عصور كنا نعتقد أنها قد ذهبت إلى غير رجعة.
أما الأستاذ المشارك بقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس د.أنور بن محمد الرواس فقال: تعد وسائل الاتصال الفاعل الأساسي في إذكاء الحوار بين الحضارات، وتحقيق السلام والتقارب والوئام الإنساني، ذلك أن الاتصال والإعلام بوسائله التقليدية هو القناة الفاعلة في توصيل المعاني، والمفاهيم، والمعارف الإنسانية بين مختلف الثقافات والحضارات. ولفهم دور وسائل الاتصال والإعلام في تحقيق التقارب الإنساني ينبغي في البداية التمييز بين الإعلام والثقافة من جهة، وبين الإعلام والتاريخ من جهة ثانية. فبينما يشتغل الإعلام على الآتي ليصنع رأيا عاما، تشتغل الثقافة على الماضي لتتفرغ لتشكيل الذوق العام والسمو بمستوى التلقي. ولذلك، فالإعلام مطالب بالسرعة في المواكبة وإلا تقادمت أحداثه ومواضيعه وأحيلت على التاريخ. ويصبح دور الإعلام، مقارنة مع الثقافة والتاريخ، هو دور المواكبة والسرعة في المعالجة.
وقال الخبير الإعلامي بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون د.سيف بن سالم الهادي في ورقة العمل التي تحدث فيها عن الخطاب الديني في وسائل الإعلام الرسمي: يتميز أهل عمان بسمت أخلاقي كبير يتعامل مع أي معارض داخلي أو خارجي بالحكمة والموعظة الحسنة، ويبتعد عن «الإيذاء الحسي والمعنوي» ولذلك ينوه النبي صلى الله عليه وسلمَ بهذه الخصلة الكريمة، فيقول لأحد رسله الذي رجع وقد أوذي حسيا ومعنويا: «لو أهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك» وظل هذا القدر من الأخلاق يتعامل مع الدعوة الإسلامية منذ بدايتها، فاستُقبلت رسالةُ النبي صلى الله عليه وسلمَ طواعية وعن قناعة تامة، وظلت التبعية للخلافة الراشدة دون محاولة للاستقلال السياسي أو الإداري (رغم توفر الحكم الذاتي)، بل شارك أهل عمان في الفتوحات الإسلامية بشكل مستمر، حتى عندما استقلوا إداريا وسياسيا لاحقا في زمن بني أمية والعباس.
رسالة للتقارب بين شعوب الأرض