سـؤال وجيـه ؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٨/فبراير/٢٠١٦ ٠١:٢٥ ص

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

لأتمكن من إرسال طرد في لندن - حيث كنت أقيم – كان علي أن أقف في طابور البريد لساعة وربع الساعة! في المطار عليك أن تكون صبورا؛ فانتظار دورك قد يستغرق ساعة أو يزيد. إجمالا تحتاج لكثير من الصبر في تلك الدول فلإنجاز معاملة رسمية في بريطانيا، عليك أن لا تربط نفسك بأي موعد آخر يومها.. « فطابور» الخدمة قد يستغرق ساعات! حتى الحصول على قدح من القهوة في مقهى مزدحم قد يستغرق مالا يقل عن ربع ساعة. ولا أذكر أني وقفت في بلادنا في طوابير استهلكت هذا الزمن من حياتي اللهم إلا طوابير المدرسة الصباحية!

ومع ذلك، ورغم ذلك، لا يتذمر أحد.. ولا يحاول أحد تجاوز الطابور أو قطعه.. ولا يتصل أحدهم بجاره أو قريبه في دوائر كهذه ليختصر عليه وقت الانتظار.. ولن تجد أحدهم وهو «يطير» لينجز معاملاته وهو يحتسي الشاي في مكتب مغلق لمجرد أنه شخصية مهمة..!

الكل ينتظر دورة بأدب جم.. ولو تركت مكانك في الطابور لأي سبب سيفسح من ورائك المجال لك للعودة إن ميز شكلك.. الطريف في الأمر، أن أبناء الخليج من فئة الـ5 نجوم.. الذين لا يطيقون في بلدانهم الطوابير ويضجون إن طلب منهم موظف درويش الانتظار لدقائق.. ينتظرون بكل «وداعة» دورهم دون جدال أو «تحلطم» في تلك الدول.. بل ويمسكون بضائعهم -التي تكلف آلاف الجنيهات أحياناً- وينتظرون في الطابور دون أن يتوقعوا معاملة خاصة!!
فلماذا يقبل الخليجي في بلاد «الشقر» ما لا يقبله في بلاد «السمر» ؟
سؤال وجيه أليس كذلك ؟
لماذا – على صعيد آخر – يحترم وبشدة قوانين المرور ويلتزم بها في «بلادهم» فيما يقود سيارته بكل رعونة بعد أن يعود «لبلاده» بيوم واحد؟
لماذا يتخلى عن مقعده في القطار لكبار السن والحوامل.. ولا يملك «ذات الذوق» عندما يكون في بلاده حيال ذات الفئة؟
ولماذا، يمسك العلبة الفارغة في يده طويلاً حتى يجد سلة مهملات يرميها فيها فيما «يرمي» مهملاته في أي زاوية مخفيه في الشارع لو كان في بلده؟

  
واقعاً، ليس في الأمر سر، ولا علاقة للأمر بتأدبهم وتخلفنا كما ستفسرون الأول للوهلة الأولى.. كل ما في الأمر أن النظام هناك محكم لدرجة يصبح تجاوزها -معه- مغامرة لا تُحمد عقابها.

يُدرك من يستخدم الخدمات العامة أن القفز على دوره غير ممكن – ولا يستاء – لأنه يعرف أن لا أحد سيحصل على معاملة خاصة أو يسرق وقته.. في الباصات والقطارت وسواها هناك لوحات تنص على أن الأولية هي لكبار السن وللحوامل والأطفال، لذا لا يتنازل الناس بسبب الخلق القويم فحسب بل لأن من حق هذا المسن أن يطلب منه ترك مقعده.. كما أن تجاوز قوانين المرور له عواقب وخيمة تصل للسجن وسحب الرخصة.. وكذلك إلقاء المهملات في غير مواقعها.. وإن هربت من يد القانون لن تهرب من نظرات وعبارات الازدراء التي سيرمقك بها من حولك من سكان تشربوا تلك القيم.
شخصيا وجدت ذات مرة الرصيف مكتظا رغم وجود جهة خاوية فلجأت، بلقافة العرب إياها، لذلك المسار ظناً مني بأني أبصرت ما لم يروه، فخاطبني أحدهم قائلا إن هذا الشارع المنقط مخصص لاستخدام فاقدي النظر فقط فتراجعت معتذرة رغم عدم وجود معوقين في ذلك الوقت وليس ذلك بالطبع بمبرر عندهم لاستخدامه! قس هذا على ما تراه من اقتحام الكثيرين لمواقف المعوقين سيما إن أمنوا عدم وجود شرطة حولهم لمخالفتهم!
من السهل أن نلوم «ربعنا« ونصمهم بالتخلف ولكن الحقيقة التي لا تقبل الجدال هي أن هؤلاء -نفسهم- يتحولون حال تركهم لدولهم لأناس آخرين.
فالعيب ليس في «الجينات» كما ظننا بل في «البيئة» التي نعيشها
..والله من وراء القصد