فريد أحمد حسن
ندوة مهمة للغاية عقدت أخيرا في المنامة شارك فيها الأمين العام لاتحاد الغرف الخليجية عبد الرحيم نقي ناقشت شأنا خليجيا ذا أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وأمنية خطيرة، الندوة التي كان عنوانها «العمالة السائبة في دول مجلس التعاون الخليجي .. التحديات والحلول» نظمها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» وحضرها متخصصون وخبراء من دول التعاون تم خلالها تداول معلومات كثيرة وخطيرة لعل أبرزها أن العمال الوافدين الذين يصل عددهم إلى نحو 29 مليون شخص في دول المجلس يحولون 10 % من النواتج المحلية الخليجية إلى الخارج (نحو مئة بليون دولار سنويا) وأن وجود القوى العاملة السائبة في المجتمعات الخليجية خطر وأنه حان الوقت للبحث عن حلول مناسبة خصوصا وأنه بات صعبا الاستغناء عن تلك القوى العاملة على اختلافها.
الورقة التي قدمها مركز «دراسات» أكدت أن دول مجلس التعاون مناطق جاذبة للعمل ووجهة لمن يسعى لكسب الرزق نظرا لما تتميز به من مستوى اقتصادي مرتفع وشعوب مضيافة. الورقة نبهت إلى مسألة مهمة هي أن أنظمة هجرة الأيدي العاملة في دول مجلس التعاون تقوم بتسهيل الهجرة المؤقتة للأيدي العاملة، وأنه يوجد في أسواق دول المجلس نوع آخر من عمال «سوق الظل» وهم العمال المهاجرون الذين يتقدمون بطلب تأشيرة سفر لشغل وظائف غير محددة أو غير متعاقد عليها من قبل في مقابل رسوم معينة وهم بالتالي يصبحون أحرارا لكسب ما بوسعهم في هذه السوق.
هذه المجموعة من العمال المهاجرين -كما بينت ورقة دراسات- وأولئك الذين يتجاوزون مدة الإقامة يسمون «القوى العاملة السائبة»، حيث التأشيرة القانونية والتقليدية تقوم بربط الموظف بوظيفة محددة وصاحب عمل محدد ، وغالبا ما تقوم هذه القوى العاملة السائبة بالعمل في أكثر من جهة ويؤدون العديد من المهام ليس بالضرورة أن تكون من تخصصهم.
الندوة ناقشت عدة محاور مهمة، أولها تضرر أصحاب الأعمال من ظاهرة العمالة السائبة، وثانيها معالجة مشكلة العمالة السائبة عبر سياسات داخلية للدول الخليجية ، وثالثها معالجة المشكلة عبر التنسيق مع الدول المصدرة للقوى العاملة، وفي كل محور من المحاور الثلاثة أدلى الحاضرون -الباحثون ورجال الأعمال والمسؤولون في الجهات ذات العلاقة- بدلائهم فأثروا الموضوع واقترحوا مجموعة من الحلول تبين أن دراسة أعدت في هذا الخصوص من قبل المركز وغرفة تجارة وصناعة البحرين قد احتوتها.
من الأسئلة المهمة التي طرحت خلال المناقشات ما هي الخسائر التي تتراكم على الشركات المنضبطة التي تتنافس مع الشركات غير المنضبطة؟ هل يعاني المستهلك من جودة منخفضة حينما يشتري خدمات القوى العاملة السائبة؟ هل يشتكي العامل الأجنبي المنضبط من التنافس مع العامل الأجنبي غير المنضبط؟ هل تفقد الحكومة إيرادات ملحوظة بسبب القوى العاملة السائبة؟ وفي محور المعالجة نوقشت أفكار كثيرة منها التشدد في تطبيق القانون على الحدود والعقوبات للعمالة المخالفة للقانون والعقوبات للشركات والأفراد الذين يتعاملون مع القوى العاملة السائبة، وكذلك تسهيل الانضباط عبر تحرير الأسواق، وتحفيز القوى العاملة السائبة على العودة إلى دولهم الأصلية بعد انتهاء العقد.
موضوعات أخرى نوقشت في هذه الندوة المهمة أيضا مثل مكافحة استغلال الوسطاء لخداع القوى العاملة الوافدة وسبل توعية هذه القوى العاملة بمخاطر الهجرة الدولية للأيدي العاملة، بالإضافة إلى التعاون الأمني الدولي ودوره في مكافحة القوى العاملة السائبة.
رئيس مجلس أمناء «دراسات» خالد الفضالة أكد في كلمته الشاملة والتي تناول فيها الظروف التي دفعت وتدفع القوى العاملة الوافدة للقدوم إلى دول مجلس التعاون والآثار والتداعيات السلبية لوجود هذه القوى العاملة في هذه الدول، أكد على أن هذه القوى العاملة تستحق التقدير لما ساهمت به في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة في دول المجلس من خلال العمل في مختلف القطاعات، لكنه نبه أيضا إلى مسألة خطيرة جدا وهي أن قضايا القوى العاملة الأجنبية أمست أداة للضغط السياسي والاقتصادي من جانب بعض الدول المتقدمة ومن الدول المصدرة للقوى العاملة والمنظمات الحقوقية الدولية، وأنها أمست كذلك وسيلة للتدخل في شؤون وسياسات دول المجلس بدعوى انتهاكها لاتفاقات العمل الدولي وحقوق الإنسان.
معلومتان مهمتان إضافيتان توفرتا في هذه الندوة غير العادية لا بد من التركيز عليهما، الأولى وفرها الفضالة وملخصها أن القوى العاملة السائبة بدأت في دول التعاون كحالات فردية ثم ترعرعت في ظل بيئة حاضنة ومواتية ومساعدة لتبرز في السنوات الأخيرة كظاهرة ذات تأثير كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني. والثانية وفرها نقي ملخصها أن بقاء العمال الأجانب لفترات طويلة في دول التعاون قد يترتب عليه أمور صعبة مستقبلا مثل حصولهم على حق اكتساب الجنسية والاستفادة من القوانين الدولية التي تستغلها المنظمات الحقوقية من باب الدفاع عن حقوق أولئك العمال، الأمر الذي من الطبيعي أن يكون له تأثير سلبي كبير على المجتمعات الخليجية.
نحن إذن أمام مشكلة خطيرة، هذه المشكلة لا تخص دولة خليجية واحدة فقط ولكن تعاني منها كل دول مجلس التعاون ولها آثار اجتماعية وأمنية وثقافية واقتصادية، مثل هذه المشكلة لا تكفيها ندوة أو ندوات تقام في هذه الدولة الخليجية أو تلك ولكنها تحتاج إلى التنادي لعقد مؤتمرات يشارك فيها كل ذوي العلاقة وتخرج بتوصيات واضحة ترفع إلى قادة التعاون ليتخذوا فيها القرارات المناسبة. إن موضوعا كهذا ينبغي أن يستنفر المسؤولون في دول التعاون من أجل التوصل إلى حلول عملية توازن بين الاستفادة من هذه القوى العاملة وتقليل سلبياتها وأضرارها.
كاتب بحريني