نويل لينوار
في أكتوبر 2015، كانت الدعوى القضائية التي أقامها ماكس شريمز، الناشط النمساوي في مجال الخصوصية والذي يبلغ من العمر 28 عاما، سبباً في إلغاء ما يسمى اتفاق المرفأ الآمن الذي يحكم كيفية امتثال شركات الولايات المتحدة لقوانين الخصوصية في الاتحاد الأوروبي. فقد ألقى قرار محكمة العدل الأوروبية بظلال من الشك القانوني على عمليات جمع، ومعالجة، ونقل، وتخزين بيانات المستخدم من قِبَل نحو 4500 شركة أمريكية. وقد دَفَع الحكم كثيرين في أوروبا إلى عقد المقارنات بين شريمز وإدوارد سنودن، المتعهد الاستخباري الذي سَرَّب معلومات سرية تتناول بالتفصيل برامج المراقبة العالمية الأميركية. والواقع أن الدعوى القضائية التي أقامها شريمز استفادت كثيراً من الأسرار التي أفشاها سنودن، والتي اشتملت على تفاصيل برنامج وكالة الأمن القومي الأميركي والذي بمقتضاه سلمت شركات أميركية لوكالة الأمن القومي، وفقاً لمزاعم سنودن، معلومات شخصية مخزنة على أنظمة الكمبيوتر لديها.
وكانت رسالة المحكمة واضحة: فما لم تعدل حكومة الولايات المتحدة الطريقة التي تجمع بها الاستخبارات، عن طريق تقييد القدرة على الوصول إلى البيانات الشخصية وتبني نهج يتعامل مع كل حالة على حِدة في إدارة تحقيقاتها، فسوف يكون من المستحيل نقل معلومات المستهلك من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة عبر إطار المرفأ الآمن.
وفي الثاني من فبراير، أبرمت الولايات المتحدة وأوروبا اتفاقاً جديدا -درع الخصوصية- لتلبية اشتراطات المحكمة، بما في ذلك «الحدود الواضحة، والضمانات، وآليات الرقابة» على استخدام البيانات الشخصية من أوروبا بواسطة مسؤولي إنفاذ القانون والأمن القومي. وبالإضافة إلى هذا، سوف يُمنَح مواطنو الاتحاد الأوروبي حق إقامة الدعاوى المدنية في ما يتعلق بحماية بياناتهم الشخصية في الولايات المتحدة ضد أي هيئة حكومية في الولايات المتحدة.
والواقع أن درع الخصوصية، الذي يجب أن توافق عليه البلدان الأعضاء الثمانية والعشرون في الاتحاد الأوروبي، لا يزال في احتياج إلى «قرار كفاية» من قِبَل مفوضية الاتحاد الأوروبي، ربما في شهر أبريل. وفي غضون ذلك، يتولى مراجعته فريق عمل المادة 29، الذي يتألف من ممثلين لسلطات حماية البيانات في البلدان الأعضاء. وإلى أن يحظى درع الخصوصية بالموافقة، يطالب فريق عمل المادة 29 الشركات الأمريكية في أوروبا باستخدام أدوات بديلة -«البنود التعاقدية القياسية» و»قواعد الشركات الملزمة»- لنقل بياناتها إلى الولايات المتحدة، لتجنب ملاحقتها من قِبَل القائمين على تنظيم حماية البيانات الوطنية في أوروبا.
ومن غير المستغرب أن يتم التوصل إلى اتفاق. ففي أعقاب الهجمات التي شهدتها باريس في نوفمبر، أعطى أغلب مواطني الاتحاد الأوروبي الأولوية القصوى للمعركة ضد الإرهاب. كما تريد الحكومات تحسين فعالية جمع المعلومات الاستخبارية - والانعزال عن الولايات المتحدة ليس السبيل إلى تحقيق هذه الغاية.
وتتجلى الضغوط لتوسيع قدرات وكالات الاستخبارات بوضوح في الضغط الذي تمارسه الحكومات الوطنية على البرلمان الأوروبي لحمله على تبني تشريع يسمح بجمع البيانات الخاصة بالمسافرين جوا. ومن المتوقع أن يتم التصويت في وقت مبكر من هذا العام على التوجيه الذي من شأنه أن يُلزِم شركات الطيران بتزويد الحكومات بأسماء، وعناوين، وأرقام هواتف، وبيانات بطاقات ائتمان، ومسارات رحلات الأشخاص الذين يسافرون من وإلى مطارات الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من اتفاق درع الخصوصية، فإن دعوى شريمز القضائية من المرجح أن يظل صداها يتردد في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي. إذ يحث قرار المحكمة سلطات حماية البيانات على ضمان التزام الدول التي تُنقَل إليها بيانات مواطنين أوروبيين بالتشريعات الأوروبية، وتعليق نقل البيانات إلى الدول التي لا تلتزم بذلك.
نتيجة لهذا، وبالإضافة إلى عواقبه على الشركات وجمع المعلومات الاستخبارية لصالح الولايات المتحدة، فربما يدعو قرار محكمة العدل الأوروبية إلى التشكك في سلوك وكالات الاستخبارات التابعة للبلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.لا أظن أن هذا هو آخر عهد الهيئات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي بمسالة شريمز، الذي أقام بالفعل عدة دعاوى قضائية مماثلة لتلك التي أسقطت مبادئ خصوصية المرفأ الآمن. وقد اقترح حلاً جذرياً من شأنه أن يصبح شرطاً لممارسة الأعمال في الاتحاد الأوروبي: حيث يزعم هو وآخرون أن كل البيانات المتعلقة بأوروبيين لابد أن يكون استقبالها على خوادم مقرها الاتحاد الأوروبي. وإذا اكتسب هذا الاقتراح القدر الكافي من الثِقَل فإن العواقب قد تكون بعيدة المدى؛ بل إنه قد يفضي إلى حظر استخدام شبكة الإنترنت في هيئتها الحالية، بكل ما يرتبط بها من خدمات لا حصر لها وتقدر قيمتها بمئات البلايين من اليورو.
وزيرة الشؤون الأوروبية الفرنسية سابقا