مسقط - محمد البيباني
في أول لقاء رسمي بينهما.. هل يمكن أن تبدأ مسيرة تقارب جديدة بين واشنطن وموسكو أم أن الغزل والإعجاب المتبادل بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين أقل من أن يطوي عقودا من العداء؟
السؤال الأبرز الذي يترقب العالم إجابته قبل يومين من قمة العشرين التي تبدأ بعد غد الجمعة في هامبورج وتستمر يومين والتي ستحتضن لقاء ترامب بالرجل الذي تعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أنه نفذ مؤامرة استخباراتية للتأثير على انتخابات الرئاسة العام الفائت ومساعدته على الوصول إلى السلطة.
تركة الماضي الثقيلة وما أفرزته من أجواء تغلب عليها الشكوك علاوة على سمات الزعيمين الشخصية وأهدافهما أمور تؤشر إلى صعوبة إحداث التقارب بين الزعيمين وتقلل من فرص حدوثه.
1 - الغزل لم يدم طويلاً
مرت العلاقة بين ترامب وبوتين بمنعطفات خلال الأشهر الفائتة بدأت بحالة من الغزل المتبادل بمبادرة من المرشح الرئاسي ترامب خلال الحملة الانتخابية سرعان ما تغيرت خلال الأشهر الخمسة من عمر رئاسته.
بداية أعلن ترامب في أحد المؤتمرات الصحفية للحملة رغبته في إقامة علاقات قوية وجيدة مع موسكو، مشيرا إلى أن أمريكا في عهده سترحب بتوطيد التعاون على مختلف الأصعدة، خاصة ملف محاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية، ليرد بوتين أن ترامب رجل لامع وموهوب دون أدنى شك.
توطدت العلاقات فجر التاسع من نوفمبر الفائت، حين أعلن المجمع الانتخابي الأمريكي ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، ليأتي رد فعل رسمي من الكرملين يحمل تهنئة الرئيس الروسي بوتين لترامب.
الرابع من أبريل الفائت ظهرت بوادر الخلافات عقب هجوم خان شيخون بريف إدلب السورية بغاز السارين، هذا الهجوم حول موقف ترامب من الرئيس السوري بشار الأسد، منددا بموقف روسيا وتعاملها مع الأمر، ما أدى لتوجيهه ضربة جوية صاروخية لقاعدة الشعيرات العسكرية.
وأشار ترامب في تصريحات إلى احتمالية تورط روسيا في الهجوم وعلمها المسبق بالهجوم الكيميائي على ريف إدلب، مؤكدا أن العلاقات بين البلدين في أدنى مراحلها، مع ثبات موقف بوتين من بشار الأسد واستمرار دعمه له.
صباح السابع من أبريل الفائت، حمل تطورا سلبيا آخر حينما اعترفت سوريا بضرب أمريكا لأهداف عسكرية لها بقاعدة الشعيرات، وتباينت ردود الفعل العالمية بشأن الهجوم الجوي الأمريكي على سوريا، لتعلن روسيا الحليف الرئيسي والأساسي للأسد رفضها واستنكارها هذه الهجمة، مشيرة إلى وجود ضحايا مدنيين نتيجة الهجوم الأمريكي.
وعلق بوتين على الضربة الجوية الأمريكية أنها تعد خرقا للقانون، فضلا عن الثقة بترامب والولايات المتحدة بدأت في التراجع وفي أسوأ حالاتها منذ وصوله للبيت الأبيض.
2 - استحالة تجاهل التاريخ
المتابع للتحضيرات من الجانبين للقاء يدرك وجود حالة من الحذر المتبادل الناتج من الريبة والشكوك المتبادلة، على الجانب الأمريكي نقلت عن وكالة أسوشييتد برس الإخبارية عن وجود تحفظات لدى بعض مستشاري ترامب على شكل الاجتماع مع بوتين وتوقيته، كما أشارت الوكالة إلى خلافات عميقة داخل الإدارة في شأن موقف واشنطن إزاء موسكو، في ضوء تحقيق يجريه مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) في تدخل روسي محتمل في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وفي شبهات بارتباطات لحملة ترامب مع موسكو.
ولفتت إلى أن اللقاء المحتمل أثار انقساما داخل الإدارة، إذ حذر مسؤولون من تصرّف بوتين، منبّهين إلى وجوب إبقاء مسافة مع روسيا في وقت شديد الحساسية والتحرّك بحذر بالغ. وفي الإطار ذاته، نصح مسؤولون ترامب بلقاء ترامب بشكل عابر على هامش القمة، أو الامتناع عن لقائه، واقتصار الاجتماعات على الوفدين في شأن المحادثات الاستراتيجية بين البلدين.
على الجانب الآخر أشارت وكالة سبوتنيك الروسية إلى تحفظ المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في الحديث عن اللقاء وتفاصيله مؤكدا أن برنامج زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى هامبورج لم يشكل بعد بالكامل، وتفاصيل اللقاء المزمع عقده مع رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، سيتم الإعلان عنها في وقت لاحق.
وقال بيسكوف للصحفيين، مجيبا على سؤال عما إذا تتوفر تفاصيل حول لقاء بوتين وترامب المزمع عقده على هامش اجتماع مجموعة العشرين، فقال «نحن سنبلغكم في الوقت المناسب، عندما يتم تشكيل برنامج زيارة الرئيس في هامبورج بالكامل، أنتم تعلمون أن بوتين سيكون في هامبورج في 7 و 8 يوليو، عندما يتم تشكيله بشكل كامل، نحن، لاحقا، سوف نتحدث حول هذا».
وأضاف المتحدث باسم الكرملين «في الوقت الراهن لا أستطيع إلا أن أقول، إن هناك سلسلة من الاتصالات الثنائية مقررة لدى الرئيس».
3 - لقاءات في ظل الاتهامات
يأتي اللقاء في ظل تحقيقات أمريكية بتدخل روسي في الانتخابات الأمريكية وشبهات حول تواطؤ بين حملة ترامب والمسؤولين الروس قبل الانتخابات، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على موقف الرئيس الأمريكي وقد يحول دون التقارب الذي تحدث عنه طويلا.
في هذا الشأن علقت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية، على اللقاء المرتقب هذا الأسبوع وجها لوجه في واحد من أكثر الاجتماعات التي يتم انتظارها بحرص كبير بين اثنين من رؤساء الدول منذ سنوات.
وأوضحت «سي إن إن» أن الظروف غير العادية والتداعيات السياسية للمحادثات المرتقبة في هامبورج ستضمن أن هذا اللقاء، وأي مواجهة أمام الكاميرات في اللحظات الأقل رسمية خلال قمة العشرين، ستكون محل تدقيق شديد.
وتقول «سي إن إن» إن على ترامب أن يتجنب أي تفاعل مرتجل مع بوتين يمكن أن يصب في مصلحة مزاعم معارضيه أنه خاضع إلى حد ما لتأثير الرئيس الروسي في الوقت الذي يخصص فيه مستشار خاص فيما إذا كان هناك تواطؤ بين حملة ترامب والمسؤولين الروس قبل الانتخابات.
ويرى المراقبون الأمريكيون أن السؤال المهم هو أن ترامب سيستغل الاجتماع للشكوى بشأن التدخل في الانتخابات. فعدم فعله هذا سيمثل خسارة سياسية له في الداخل، إذ سيتهمه معارضوه بالتخلي عن مسؤوليته للحفاظ على تكامل الديمقراطية الأمريكية.
4 - سمات ترامب وبوتين الشخصية
بدون شك ستلقي طبيعة شخصية الزعيمين بظلالها على مخرجات اللقاء المرتقب وربما تقود في اتجاه بعيد عن التقارب الذي طالما تحدثا عنه خلال الفترات السابقة، فكلا الرئيسين يمجد نفسه، ترامب يظن أنه سيكون أعظم رئيس يحكم الولايات المتحدة منذ زمن طويل، في حين يؤكد بوتين على أنه سيعيد إحياء مجد روسيا العظمى. من جهة أخرى فإن شعار ترامب «أمريكا أولا» ورغبة بوتين في استعادة أمجاد الماضي يؤكدان أن أهداف كلاهما حائلا دون التقارب، إذ يسعيان إلى إعطاء مصالح الدولة أولوية قصوى، وإعادة مجد بلادهم.
هذه المتغير تحديدا أشار إليه المؤرخ الأمريكي والأستاذ في العلوم السياسية ألكسندر جي موتيل في تحليل نشره موقع نون بوست حينما اشار إلى أن الفرق الوحيد بينهما يتمثل في أن ترامب يرى أن أعداءه الحقيقيين في الداخل، أما بوتين فيظن أن أعداءه خارج موسكو. علاوة على ذلك، ومن هذا المنطلق، من الصعب جدا أن نرى هذين الرئيسين يتفقان حول مسألة ما.
ويرى موتيل أن بوتين يمثل تهديدا للمصالح الحيوية للولايات المتحدة، ليس لأن من مصلحة روسيا أن تطيح بها، بل لأن الأيديولوجية التي أسس وفقها بوتين عقيدته، تقوم على سياسة عدائية.