احمد المرشد
كلما تحين ذكرى تحرير دولة الكويت الشقيقة من براثن احتلال غاشم، تجيش صدورنا نحن أبناء شعب الخليج جميعا - لا نفرق هنا بين هذا وذاك - بالألم والصدمة لما عانيناه آنذاك من نكسة من أشد نكسات الدهر علينا شعوباً وقادةً، وأية نكسة، فالمصيبة فوق الاحتمال ولم يتخيلها عقل بشري. ورغم ما نراه في الشرائط السينمائية لهوليوود من توقعات وأحداث وخيال علمي، من احتلال دول وكواكب للولايات المتحدة، إلا أن «اليوم التالي»، أو هكذا كان عنوان أحد هذه الشرائط، إلا أننا لم نرَ مثله في عالمنا المعاصر وأغلب الظن أننا لن نراه، فقد استيقظنا في الثاني من أغسطس عام 1990 على صدى نكبة خليجية، ولم نصبح كما أمسينا، حيث كادت إحدانا تُسلب من بين أيدينا، وكاد للمغتصب أن ينعم بفريسته البريئة التي طالما أمدته بالأموال في أغلب كوارثه المالية التي وقع فيها نظامه. إلا أن السميع القدير أراد خيراً بنا وبشعوبنا وخليجنا الحر الأبي، ليتوحد إثر النكبة وما بعدها ليعود الخليج كما هو ست دول حرة، متماسكة، ليؤكد مجلس التعاون الخليجي حينذاك أن «التعاون» لم يكن مجرد اسم فقط وإنما معنى وقلب ومضمون.
الآن وبعد نحو ربع قرن على تحرير الكويت، لن نسمح لأنفسنا لتذكّر ويلات الاحتلال، فالهدف من الاحتفال بذكرى التحرير هو استلهام الهمم واسترجاع قوتنا في الأزمات، لنظهر للأجيال الحالية كيف كانت الوقفة الخليجية حقيقية في مواجهة قوة البغي والشر، فكان القادة على قدر المسؤولية وعلى قدر ما أحبتهم شعوبهم وأوكلت إليهم مهمة النصر والتحرير وطرد المغتصب المحتل.
في أزمة احتلال الكويت، لم يشعر الشعب الكويتي الشقيق بأنه وحيد في نكبته، فالنكسة عامة والمصيبة مشتركة بيننا جميعا، فكان شعار «الجهاد» الذي وحَّدنا جميعا، وجمع قادتنا على قلب رجل واحد، ولا ننسى هنا جهود ومشاركات الإخوة الأشقاء من مصر وسوريا وبقية الدول العربية التي ساندتنا بقوة، فكان النصر حليفنا.
لقد توحَّد قادة دول مجلس التعاون الخليجي وكان التنسيق شعارهم، حيث ترسّخ هذا التعاون جلياً في أول استخدام فعلي وعملي لقوات درع الجزيرة التي تأسست مع قيام المجلس في 25 مايو 1981، والتي تكونت آنذاك من قوات برية لدول الخليج الست، وكانت هذه القوات في طليعة الجيوش التي اضطلعت بمهام الدفاع عن الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية، والاستعداد للمشاركة ضمن القوات البرية في حرب تحرير الكويت.
وإذا جاز لنا التعبير بالقفز على مجريات الأزمة التي نتحدث عنها لنمر على نحو 22 عاماً ولنصل مباشرة للعام 2012 عندما استضافت البحرين القمة الخليجية الثالثة والثلاثين، ففي هذه القمة التي عقدت برئاسة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، تحدث الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني، عن إنشاء قيادة عسكرية موحدة تقوم بالتخطيط وقيادة القوات البحرية والبرية والجوية في دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى إقرار الاتفاقية الأمنية بين دول المجلس، لماذا؟
لأنه تبيّن لشعوب وقادة المنطقة بعد تجربة الحرب الخليجية الثانية، أن الاتفاق الأمني ضروري للغاية في ضوء المصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، وتأكيداً على أن أي اعتداء على دولة من دول مجلس التعاون الخليجي هو اعتداء عليها كلها، وأن أي خطر يهدد إحداها إنما يهددها جميعا. وبالأمن - مع بقية منظومة التعاون - يتم دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك ويخدم الأهداف السامية للأمة العربية، بما يحافظ على ما تحقق من إنجازات ومكتسبات وسعياً لتحقيق المزيد منها وصولاً إلى ما يلبي طموحات وآمال قادة وشعوب دول مجلس التعاون، وذلك بصياغة منظومة متحدة متكاملة قادرة على التفاعل مع المتغيّرات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتحقيقاً للمواطنة الخليجية والوحدة الخليجية المنشودة التي طالما أكد عليها القادة الخليجيون.
ومن هنا، كان لـ»إعلان الصخير» أهمية قصوى حيث أكد على ضرورة العمل على تعزيز روح المواطنة الخليجية لدى مواطني دول مجلس التعاون، في مختلف المجالات، بما يتحقق معه استمرار واستقرار التنمية المستدامة والأمن الشامل المستدام.. وتحقيق المواطنة الخليجية الكاملة، تعزيزاً للحمة الاجتماعية والنسيج الأسري وتقوية وشائج القربى والترابط الاجتماعي، وتسهيل المهام والأعمال الاقتصادية لمواطني مجلس التعاون.. وتوسيع آفاق التعاون والتبادل والتكامل الاقتصادي والاجتماعي.
ومن بين النقاط المهمة في «إعلان الصخير»، التأكيد على مبدأ الأمن الجماعي المشترك من خلال العمل على تطوير القدرات العسكرية والبناء الذاتي لكل دولة من دول المجلس، والالتزام بتعزيز وتطوير منظومة الدفاع المشترك عن مقدرات ومكتسبات دول وشعوب مجلس التعاون، باعتبارها رمزاً للتكاتف ووحدة المصير والهدف وتجسيداً للدفاع المشترك، وهو ما يصب في ضرورة التكاتف للوصول إلى اتفاقيات أمنية خليجية تجنِّبنا شرور ما جرى بالكويت في وقت سابق.
وإذا اعتبرنا أن «إعلان الصخير» من المضامين السياسية رغم تأكيده على الشق الأمني في إطار الحفاظ على مقدرات منطقة الخليج بالكامل وسعياً على تجنيبها سيناريوهات سيئة، فإن لحرب الخليج التي ساهمت فيها البحرين بدور مهم للغاية دروساً مستفادة، قادت جميعها للتضامن السياسي والعسكري والاقتصادي لدول مجلس التعاون.
ومن نافلة القول ووفقاً لما تشكل من آفاق التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي، فإن حرب تحرير الكويت ساهمت في تكريس مبدأ التعاون الفعال والمؤسسي بين دول المجلس، وإذا كان تأسيس المجلس جاء لتنظيم المصالح بين دول الخليج الست ووضعها في ترتيبات تعاونية فيما بينها، فإن الفترة العصيبة التي عايشتها المنطقة برمتها إبان تلك الأزمة الخطيرة كان لها دور كبير في تأمين المصالح الوطنية لدول المجلس، كما أنها ساعدت في التغلب على معوقات تحقيق الاعتماد المتبادل بين الدول الست، حيث اكتشف الجميع أهمية الحفاظ على المصالح المتبادلة فيما بينها، وكذلك ضرورة تحقيق مكاسب مطلقة مع وجود قدر من الثقة في امتثال والتزام الدول الست بقواعد التعاون.. كما يكتب للمساهمات الفعالة لدول المجلس في حرب تحرير الكويت، نجاحها في إبراز أهمية أعمال التنسيق والتكامل بين قوات دولها ونظم أسلحتها وتدريبها حتى يمكن أن تعمل في منظومة واحدة متناغمة لا نشاز فيها في ظل نظام موحد للقيادة والسيطرة.
ليس هذا فحسب، فقد ثبت أيضاً وبشكل قاطع لدول المجلس، أنه لن تكون هناك قائمة للمجلس من دون قوات خليجية قوية ومتطورة توفر القدرة على الردع وتأمين حدود دوله وأهدافه.. ولهذا بدأت الدول الست بمجرد انتهاء الحرب وضع خطة طموحة لتطوير قواتها وإعادة بنائها لمواجهة التهديدات المستقبلية لها. كما أدركت دول المجلس مكنون دورها الفعال فيما قدمته من مساعدات لقوى التحالف وما قامت به من تسهيلات، فكانت المساعدات الخليجية اللوجستية في الحرب وراء تحرير الكويت. وربما نشير هنا إلى ما أثبتته الحرب أيضاً من أن القيادة الجيدة والتدريب العملي والتنسيق القتالي بين القيادات المختلفة هو الأساس لأي نصر.
كاتب ومحلل سياسي بحريني