ليبيا تتحول لمركز استقطاب المتطرفين

الحدث الخميس ١٨/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
ليبيا تتحول لمركز استقطاب المتطرفين

طرابلس – ش – وكالات
انتفضت ليبيا ضد حكومة الرئيس السابق معمر القذافي قبل خمس سنوات ووضعت حدا لـ 42 سنة من الديكتاتورية، على امل بناء ديموقراطية ودولة مؤسسات، لكنها غرقت بدل ذلك في الفوضى، ما فتح الباب امام وصول تنظيم داعش اليها.
وعلى الرغم من الاعلان أمس الأول عن تشكيل حكومة وفاق وطني، فان الآمال ضئيلة بعودة الاستقرار إلى البلاد المفككة التي تتنازعها صراعات على السلطة ومعارك بين اطراف متعددة.
في ساحة الشهداء في وسط طرابلس، يرفرف علم "الثورة" الليبي بالوانه الحمراء والسوداء والخضراء استعدادا لاحياء ذكرى انطلاق "الثورة" في 17 فبراير 2011. في مدينة سرت الغنية بالنفط على بعد 450 كيلومترا شرقا وحوالى 300 كيلومتر من اوروبا، يعلو علم تنظيم داعش الاسود الابنية وينتشر في الشوارع، بحسب ما افادت تقارير عدة اخيرا وكالة فرانس برس.
ويقول المحلل لودوفيكو كارلينو من مركز "آي اتش اس" للتحليل الامني والاقتصادي ان "تنظيم داعش ينظر إلى ليبيا على انها افضل بلد لاقامة قاعدة اقليمية لإمارته". ويضيف ان "توفر مقدرات نفطية ضخمة ووجود طرق تهريب منظمة ومربحة نحو دول جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا، والرقابة الضعيفة على الحدود، تجعل من ليبيا محطة جذابة لتنظيم داعش، كما العراق وسوريا، وربما اكثر حتى".
ويسيطر تنظيم داعش منذ يونيو الفائت على مدينة سرت الساحلية، مسقط راس معمر القذافي المطلة على البحر المتوسط قي مقابل السواحل الاوروبية والتي تضم ميناء ومطارا وقاعدة عسكرية.
وحول التنظيم المتطرف سرت إلى أرض له، بحسب ما يسميها في بياناته، وقاعدة يجند فيها المقاتلين، ويدرب عناصره على شن هجمات في دول اخرى، وينطلق منها للتقدم شرقا نحو المناطق الغنية بالنفط وجنوبا نحو الدول الافريقية المجاورة.
لكن جذور الخطر المتطرف في ليبيا لا تنحصر ببروز تنظيم داعش في اوائل العام 2014 في بلد غرق في الفوضى الامنية، بعدما لم تتمكن السلطات التي ورثت الحكم عن القذافي من نزع سلاح الجماعات التي قاتلت النظام السابق.
ويوضح كارلينو في تقرير حول صعود الخطر المتطرف في ليبيا ان هذا البلد الشمال افريقي يمثل "نقطة استقطاب مهمة بالنسبة إلى المتطرفين، حتى قبل تنظيم داعش".
ويتابع ان "الفراغ السياسي والامني في اعقاب سقوط نظام معمر القذافي في 2011، إلى جانب وجود كميات كبيرة من الاسلحة، والرقابة غير الفعالة على الحدود، جعلت من ليبيا بلد العبور الرئيسي للمقاتلين في شمال افريقيا نحو سوريا والعراق".
كما ان "غياب سلطة مركزية فعالة (...) سمحت لجماعات متطرفة بان تجد موطئ قدم لها" في ليبيا منذ خمس سنوات، وعلى راسها جماعة "انصار الشريعة" القريبة من تنظيم القاعدة.
ودفع تصاعد الخطر المتطرف الدول الكبرى إلى التفكير في احتمال التحرك عسكريا في ليبيا، نظرا لموقع البلد الجغرافي الحساس وثروته النفطية الضخمة (أكبر احتياطات النفط في أفريقيا وتبلغ حوالي 48 بليون دولار).
في الوقت ذاته، يضغط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتشكيل حكومة وفاق وطني توحد السلطتين المتنازعتين على الحكم منذ اكثر من عام ونصف، قبل اتخاذ قرار حول طبيعة التدخل المحتمل في ليبيا.
ويعترف المجتمع الدولي بالسلطات والبرلمان المستقرة في طبرق (شرق)، لكن يوجد في طرابلس برلمان مواز، "المؤتمر الوطني العام"، غير معترف به ويسيطر عليه تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا".
وبفعل الاقتتال بين السلطتين وسيطرة تنظيم داعش على مناطق نفطية، انخفضت صادرات النفط إلى اكثر من النصف، وتوقفت المشاريع الاستثمارية، واغلقت عشرات الفنادق والمطاعم ابوابها، وتراجع مستوى الخدمات وبينها الكهرباء، وتوقفت معظم المؤسسات الحكومية عن تادية عملها في ظل غياب سلطة مركزية واضحة.
وسيكون على الحكومة الجديدة، في حال تمكنها من الحكم، مواجهة تحديات اخرى غير الخطر الجهادي، تتمثل في الانهيار الاقتصادي والارتفاع القياسي في الاسعار، فيما تحتل ليبيا مرتبة متقدمة على سلم الدول الاكثر فسادا.
كما ان الخروج من ليبيا والدخول اليها اصبحا اكثر صعوبة من اي وقت مضى، بعدما توقفت خطوط الطيران الاجنبية عن الهبوط في المطارات الليبية، فيما تقلع الشركات الليبية بطائراتها نحو عدد محدود من الدول المجاورة.
وتقول كريمة الغويل التي تعمل موظفة في مصرف في طرابلس "السنوات الخمس الماضية كانت عبارة عن سلسلة من اخطاء بعد اخطاء"، مضيفة "حياتنا اليومية تصبح اكثر صعوبة يوما بعد يوم".
لكن الليبيين عاجزون عن الشعور بالفرح في ظل الاوضاع الامنية والاقتصادية المتردية السائدة. وتقول فلورانس (50 عاما) الفرنسية المتزوجة من ليبي "الحياة اصبحت اكثر غلاء، ولم نعد نستطيع ان نسحب اموالا من المصارف"، في اشارة إلى عدم توفر السيولة في المصارف طوال ايام الشهر. وتتابع "لكن خوفي الاكبر هو ان يصل داعش إلى طرابلس".

*-*

القوى الرئيسية في ليبيا تستغل الفراغ الأمني
طرابلس – ش – وكالات
بعد خمس سنوات على الثورة التي اطاحت بالزعيم معمر القذافي العام 2011، تشهد ليبيا نزاعا مسلحا على السلطة بين قوتين رئيسيتين في موازاة محاولات جماعات متطرفة استغلال الفراغ الامني الناتج عن هذا النزاع للسيطرة على مناطق مختلفة.
وفي ما ياتي القوى المسلحة الرئيسية في ليبيا، البلد الغني بالنفط والغاز في شمال افريقيا، والذي لا تبعد سواحله عن اوروبا سوى نحو 300 كلم:
• قوات "فجر ليبيا": هو تحالف جماعات مسلحة بعضها إسلامية يضم في اساسه مجموعات من مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، الافضل تسليحا في البلاد. نشأ هذا التحالف في يوليو 2014 خلال عملية عسكرية ضد جماعات الزنتان المسلحة التي نجح في طردها من طرابلس لتعود الى مدينتها الواقعة على بعد 170 كلم جنوب غرب العاصمة. وانضمت الى تحالف "الثوار" هذا مدن في الغرب الليبي والسكان الامازيغ وجماعات اسلامية معتدلة بينها "غرفة عمليات ثوار ليبيا" المتمركزة في طرابلس.
* الجيش الوطني الليبي: هي قوات خاصة انشأها الفريق اول المثير للجدل خليفة حفتر وضباط سابقون من شرق البلاد انشقوا في بداية الانتفاضة على نظام معمر القذافي في 2011. وكان سلاح الجو بما يملكه من عدد قليل من مقاتلات ميغ-23 وميغ-21 ووحدات القوات الخاصة بقيادة ونيس بوخماد القوات الرئيسية التي انضمت الى تحالف حفتر لمكافحة "الارهاب" بدعم من الحكومة المعترف بها من المجتمع الدولي.
* مجلس شورى ثوار بنغازي: تحالف لجماعات اسلامية متطرفة شكل للتصدي لهجوم قوات حفتر. علاقاته مع قوات "فجر ليبيا" غير واضحة رغم ان الحكومة التي تدير العاصمة بمساندة قوات "فجر ليبيا" ولا يعترف بها المجتمع الدولي، اعلنت تاييدها له. ويضم خصوصا جماعة "درع ليبيا" و"سرايا شهداء 17 فبراير" و"كتيبة راف الله السحاتي" و"جماعة انصار الشريعة" المعروفة بقربها من تنظيم القاعدة.
* انصار الشريعة: تعتبر الامم المتحدة هذه المجموعة "منظمة ارهابية"، ولها فروع في درنة (شرق) وصبراتة (غرب). ويبدو ان عددا من اعضائها انشقوا عنها ليلتحقوا بتنظيم داعش.
- قوة برقة: تحالف معاد للاسلاميين من قبائل محلية في شرق ليبيا بقيادة ابراهيم الجدران. وتدعو الى الفدرالية وتطالب بحكم ذاتي للمنطقة. عطلت قواتها خصوصا المرافىء النفطية في الشرق ومنع التصدير منها. ولم تعلن هذه القوة بشكل واضح حتى الآن انضمامها الى الفريق اول حفتر لكنها معادية بشكل واضح لقوات "فجر ليبيا".