في الخروج البريطاني

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٤/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص

رين نيوتن سميث

قبل ما يقرب من العام، صوت البريطانيون ــ بنسبة 52% إلى 48% ــ لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتوقع كثيرون أن يؤدي التصويت إلى تقلبات اقتصادية شديدة. ولكن الاقتصاد أثبت حتى الآن قدرته على الصمود، برغم أننا ونحن نتجه إلى الانتخابات العامة المبكرة هذا الأسبوع، نرى من الدلائل ما يشير إلى أن التضخم المرتفع يؤثر سلبا على المستهلكين وبعض الشركات. والسؤال هو ما إذا كان الاقتصاد قادرا على تحمل إجراءات الطلاق الفعلية.

في أعقاب التصويت لصالح خروج بريطانيا، ساعد التحرك السريع من قِبَل بنك إنجلترا في تهدئة الأسواق المالية والحفاظ على تدفق الائتمان. وخلافا لما حدث أثناء الأزمة المالية العالمية في العام 2008، لم ترتفع تكاليف الائتمان لأغلب الشركات والأسر في المملكة المتحدة؛ بل إنها انخفضت في واقع الأمر. في الوقت نفسه، فعل المستهلكون البريطانيون ما يقومون به على أفضل نحو: فقد أنفقوا أموالهم في المتاجر وعلى الإنترنت. وساعد إنفاق الأسر في دعم النمو الإجمالي بنسبة تقرب من 2% العام الفائت.

كان التغير الكبير الذي طرأ على الأسواق المالية الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه. وقد ساعد سعر الصرف الأضعف في تعزيز القدرة التنافسية للمصدرين في المملكة المتحدة. وقد أظهر مسح الاتجاهات الصناعية في أبريل، والذي أجراه اتحاد الصناعات البريطانية (وأنا كبير خبراء الاقتصاد هناك)، أقوى ارتفاع في الطلب على الصادرات الصناعية منذ العام 2011. ولكن هذا سيف ذو حدين: ذلك أن شركات التصنيع البريطانية تواجه أيضا أسرع ارتفاع في متوسط تكاليف الوحدة منذ العام 2011، بسبب ارتفاع أسعار الواردات.
وربما يبدأ انخفاض قيمة الجنية أيضا في إلحاق الأذى بالأسر. فمن المتوقع أن يبلغ تضخم أسعار المستهلك ذروته عند مستوى 3% تقريبا هذا العام. ولكن نظرا للديناميكيات المتغيرة في سوق العمل وضعف نمو الإنتاجية، فمن غير المرجح أن يكون متوسط مكاسب الأجور أكثر من 2.5%. ومن المرجح بالتالي أن يظل متوسط دخول الأسر بالقيمة الحقيقية ثابتا أو ربما يتقلص، وهذا من شأنه أن يقوض محرك الإنفاق الاستهلاكي المهم لاقتصاد المملكة المتحدة.
الأسوأ من ذلك هو أن هذه التحديات الوشيكة في مجال الاقتصاد الكلي ربما تتضاءل بالمقارنة بتلك الناشئة عن مفاوضات الخروج البريطاني المقبلة، وإن لم يكن ذلك راجعا إلى السبب الذي قد يتوقعه المرء. فالخطر الرئيسي الذي يواجه الشركات، على حد تعبير رئيس إحدى شركات الهندسة الإنشائية، هو أن التخطيط لكل سيناريوهات الخروج البريطاني المحتملة قد يتحول إلى شأن مستنزف للوقت والجهد، فيصرف انتباه الشركات عن أهدافها الاستراتيجية الأكبر.
النبأ السار هنا هو أن مجتمع الأعمال يبدو واثقا حتى الآن. ويتمتع رواد الأعمال والمسؤولون التنفيذيون بقدر وفير من الخبرة في اتخاذ القرارات في عالَم يفتقر إلى اليقين. ولهذا فهم مستمرون، على الرغم من المجاهيل المرتبطة بالخروج البريطاني، في الاستثمار في مجالات ذات توجهات مستقبلية مثل الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات.
الحقيقة هي أن الثورة التكنولوجية وارتفاع الاستهلاك في آسيا ــ وليس علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي ــ هي التي ستحول طريقة إدارة الأعمال على مدى العقود القليلة المقبلة. ومن الأهمية بمكان، مع بدء المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، أن تضع الشركات هذا في الاعتبار، من خلال تطويق مجموعات عمل الخروج البريطاني والحفاظ على تركيز بقية إدارة الشركة على استراتيجية الأعمال الأعرض.
لا يعني هذا بطبيعة الحال أننا ينبغي لنا أن نشعر بالرهبة إزاء تعقيد المهمة المقبلة، ناهيك عن تجاهل التحديات التي سيجلبها الخروج البريطاني. بل على العكس من ذلك، يتعين علينا أن نواجه تلك التحديات بشكل مباشر، بما في ذلك من خلال مواجهة بعض الحقائق الصعبة والمطالبة باتخاذ بعض القرارات الصعبة في أقرب وقت ممكن.
من منظور الأعمال التجارية، يرتبط أحد أكبر التخوفات المحيطة بالخروج البريطاني بالناس أنفسهم. فكما هي الحال الآن، يواجه اقتصاد المملكة المتحدة نقصا في المهارات: أكثر من ثلثي الشركات لا تثق في قدرتها على سد العجز في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة. صحيح أن الحل الأمثل في الأمد البعيد هو تحسين التعليم والتدريب على المهارات في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. ولكن في الأمد القريب، لابد أن تلعب الهجرة دورا مهما.
وبالفعل، يقدم المهاجرون من الاتحاد الأوروبي ــ من العمال الموسميين في حصاد الفواكه والخضراوات إلى الأكاديميين الذين يعملون على توسيع آفاق وعقول الجيل التالي والأطباء والممرضين الذين يحمون صحتنا ــ مساهمات كبيرة في اقتصاد المملكة المتحدة. وفي العديد من المنظمات والشركات، يمثل مواطنو الاتحاد الأوروبي أكثر من 40% من الموظفين. والآن يعيش مواطنو الاتحاد الأوروبي وأسرهم حالة حقيقية من عدم اليقين.
ويدعو مجتمع الأعمال بشكل عام إلى تقديم الضمانات الفورية لتمكين مواطني الاتحاد الأوروبي العاملين حاليا في المملكة المتحدة من الاستمرار في أعمالهم. وعلى نحو مماثل، ينبغي لمواطني المملكة المتحدة العاملين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي أن يحصلوا على الحق في البقاء حيث هم. وهذا ليس التصرف الصائب فحسب؛ بل هو أيضا سلوك اقتصادي ذكي، لأن مهارات ومواهب قوة العمل ستكون المحرك الذي يدفع الشركات إلى الأمام في العقود المقبلة.
لكن مواطني الاتحاد الأوروبي المقيمين في المملكة المتحدة بالفعل غير كافيين بمفردهم لتشغيل ذلك المحرك. ولهذا السبب، تحتاج المملكة المتحدة أيضا إلى نظام هجرة جديد وقائم على الأدلة ــ وسريع. وينبغي للشركات والعمال والأسر أن تعرف بحلول نهاية هذا العام كيف قد يبدو مثل هذا النظام، بما في ذلك معايير الدخول. يتلخص قرار آخر حاسم يجب اتخاذه الآن في اعتبار «عدم التوصل إلى اتفاق» خياراً غير وارد. فبعيدا عن الإبقاء على هذا الاحتمال مفتوحا، كما فعلت حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، يتعين على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الالتزام بإبرام اتفاق واضح حول القضايا التنظيمية، وبالتالي ضمان قدرة الشركات على ضفتي القناة الإنجليزية على مواصلة القيام بأعمالها. ومن الأهمية بمكان أن نتجنب بأي ثمن سيناريو «حافة الهاوية» ــ حيث تنتهي فترة العامين للمفاوضات إلى تغير مفاجئ نحو نظام تنظيمي غير واضح أو حتى غير مستقر.
إذا كان للاقتصاد البريطاني أن يتعامل مع الخروج البريطاني بنفس النجاح الذي تعامل به مع التصويت على الخروج البريطاني، فيتعين على الحكومة، مثلها في ذلك كمثل الشركات، أن تعمل على الحد من تأثير عدم اليقين من خلال إدارة حالة عدم اليقين هذه بفعالية. وأيا كانت الحجة السياسية لصالح تأخير بدء مفاوضات الخروج البريطاني الجادة، فلا يجوز السماح لها بأن تطغى على الحجة الاقتصادية لصالح دفع الحوار إلى الأمام.

كبير خبراء الاقتصاد لدى

اتحاد الصناعات البريطانية.