رسائل إرهابية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٤/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٤٠ ص
رسائل إرهابية

أحمد المرشد

شاء السميع القدير أن ينجي معتمري بيت الله الحرام في الساعات الأخيرة من رمضان المبارك من كارثة محققة، فقد أرادت مشيئة المولى عز وجل إنقاذ هؤلاء، بل وأن يكتب لغيرهم صلاة عيد الفطر بأمن وأمان في رحاب المسجد الحرام، وللأسف لم تمنع رحمة رمضان ومغفرته، أحفاد الشيطان من ارتكاب أبشع أنواع الإرهاب وهو إرهاب المصلين والمعتمرين بالمخالفة لتعاليم الإسلام، فأي إسلام يدين هؤلاء الحمقى الذين لا دين لهم سوى القتل والتعذيب وإزهاق الأرواح، مسلمين ومسيحيين، فأصبحنا نعيش حالة من الإرهاب في كل بقاع الأرض تقريبا، ولم تعد هناك دولة في أي مكان من المعمورة بمنأى منه، وكان أخطرها هو إرهاب المسجد الحرام لولا رحمة الله بالمصلين وأهل المدينة السمحة التي قال عنها رسول الله أنها أكثر مدن الأرض قرباً الى قلبه، فلماذا لم يتأس هؤلاء الإرهابيون بقول نبينا الكريم عليه أفصل الصلاة والسلام؟، ولماذا لا يقيمون شرع الله الذي حرم قتل النفس؟، فهل هؤلاء لا يعلمون أن من قتل نفسا بغير حق كمن قتل الناس جميعا؟، وأين هؤلاء من الإسلام والدين الحنيف بريء منهم ومن أفعالهم وتصرفاتهم؟.

لكم كنا نتمنى أن يهل علينا العيد السعيد ونحن تغمرنا مشاعر الفرح والسرور، بعد أن من الله علینا بإتمام صیام شهر رمضان المبارك، وقیام لیالیه، والتزود بما فیه من فرص عظیمة، وبعبادة اختصها الله سبحانه وتعالى بالأجر الجزیل والثواب العظیم، وذلك لقوله صلى الله علیه وسلم، فیما رواه عن ربه (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).

ورغم أن المولى شرع لنا الأعياد لنفرح فيها، إلا أن ثلة من البشر وللأسف يحسبهم العالم على الإسلام، أرادوا عكس ذلك لأن العيد فرصة للتواصل والسعادة وبث روح التسامح والألفة والتكافل بين فراد المجتمع الإسلامي، فیجود فیه الغني على الفقیر مما أنعم الله علیه من فضل، ویصفح المظلوم عمن ظلمه، ویصل ذو الرحم رحمه، ولكن هؤلاء يحاولون فرض رؤيتهم علينا لإرهابنا وزعزعة استقرارنا.

وإذا عدنا لحادث مكة الإرهابي، فقد عشنا لحظات مؤلمة حقا لولا ما كشفت عنه وزارة الداخلية السعودية ليلة وقفة عيد الفطر من أن قوات الأمن أحبطت عملا إرهابيا كان يستهدف أمن المسجد الحرام ومرتاديه. ونحمد الله أن الكشف عن العملية أعقب القبض على الجناة لأن التخطيط كان دقيقا لإيقاع أكبر قدر من الضحايا، حتى أن أحد الإرهابيين الانتحاريين اضطر لتفجير نفسه بعد تشديد الخناق عليه لتسليم نفسه، وللأسف دخل على خط الإرهابيين النساء بعد أن كن مثالا للرحمة، ولكن قادة الإرهابيين نجحوا في استمالة المرأة لتساعدهن في العمليات الإرهابية القذرة التي تزهق الأرواح بلا حق.

لقد أراد الإرهابيون تبديل شرع الله، وبدلا من أن يتفرغ المصلون والمعتمرون لأداء فرائض الله وشعائره، يتفرغون للالتفات يميناً ويساراً خشية أن يكون الذي بجانبهم شخصا انتحاريا، بعد أن كان مجرد دخولنا للمسجد الحرام يجعلنا نشعر بالراحة والطمأنينة، والخشية من أن البعض لم يعد يحترم المناسبة الدينية. فبأي حق أن يدخل المعتمر بيت الله الحرام بملابس الإحرام ثم يلقي حتفه وهو يطوف بالكعبة المشرفة أو خلال السعي بين الصفا والمروة، لتتحول لحظات الهدوء النفسي والروحانيات إلى فوضى وغضب ودماء على أرض الحرم.

ومن المسجد الحرام إلى مسجد النوري بمدينة الموصل، أحد أشهر المساجد التاريخية بالعراق الذي لم ينج من وحشية الذين يلتحفون زورا بالإسلام لتحقيق مآربهم الخبيثة، فلم يتورع الإرهابيون أنصار خليفة الشيطان أبو بكر البغدادي من تفجير المسجد الكبير الذي یعود تاریخ بنائه إلى 850 عاما مضت بمنارته الحدباء الشهیرة، ولم يتورعوا عن إلحاق الأذى بالموقع الأثري الهام بالعراق، فهم لا يرون أي قيمة تراثية للمسجد ولا المنطقة التاريخية المقام بها، فكل ما فعلوه في الماضي في العراق وسوريا هو تدمير التراث الديني والثقافي. فقد حولوا كل مقتنيات المدينة إلى أنقاض وركام وجثث متناثرة هنا وهناك ورائحة العفن المنبثعة من كثرة جثث القتلى المتراكمة نتيجة أعمال القتل والتفجير والتفخيخ. ويكمل المشهد الحزين في مدينة الموصل المدمرة المباني التي سويت بالأرض والشوارع المغطاة بالأنقاض وجبال من الركام.

وهل يعقل لنفس بشرية أن تحجز الأطفال والنساء لعشرات الأيام كدروع بشرية وتمتنع عن إمدادهم بالمياه والغذاء إمعانا في إذلالهم بسبب عدم خضوعهم لأفكارهم الشيطانية، وفتح التحرير الجزئي للموصل لنا الإطلاع على مدى وحشية هؤلاء الداعشيين الذين أسروا عشرات الأسر لفترات طويلة، ويكفي وصف إحدى الأمهات لحال طفلها قائلة: طفلي لم یتناول إلا الخبز والماء على مدى الأیام الثمانیة الفائتة». وحتى كتابة هذه السطور، يرى بعض رجال الأمن العراقيين أنه لا زال أكثر من 100 ألف مدني یعتقد أن نصفهم من الأطفال محاصرين في بیوت عتیقة في المدینة القدیمة في ظل نقص في إمدادات الغذاء والماء والرعایة الطبیة.

ويكفي للمرء حزنا أن يطلع على عناوين الصحف في يوم واحد ليكتشف أن ثلة من المسلمين يعبثون بديننا العظيم ويرهبون العالم ليس كقوله تعالى: «ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم»..ولكن إرهابا وحشيا وقتلا وإراقة دماء، فمثلا نقرأ في صحيفة واحدة وفي ويوم واحد: «الشرطة البريطانية تتسلح على ضوء تزايد الهجمات الإرهابية..انتحاري مانشستر تعلم صنع القنبلة من الإنترنت»..»بروكسل: قلق من التحاق مراهقات بتنظيم داعش في سوريا..مخاوف من عودة المقاتلين من مناطق الصراعات إلى أوروبا»..»تحالف بين جماعتي أبو سياف وداعش أسفر عن تشريد الآلاف من السكان في الفلبين»..باكستان تعزز الإجراءات الأمنية في عيد الفطر بعد ثلاث هجمات خلفت 57 قتيلا». هذا بخلاف عناوين القتل والتشريد والإرهاب التي تعج بها الصحف والأخبار عن سوريا والعراق واليمن وليبيا.

كتبت من قبل عن رمضان أنه فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة تصفو فيها النفوس وتكثر فيها دواعي الخير، وفرصة عظيمة تفتح الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وأنه شهر التهجد والتراويح، والذكر والتسبيح، وجود وصدقات، وأذكار ودعوات، وضراعة وابتهالات. وبدلا من أن يستغل الإرهابيون هذا الشهر في أواخر أيامه، لجأوا إلى القتل والعنف وهو شهر الروحانيات التي يجد فيه المسلمون فرصة لإصلاح أوضاعهم ومراجعة تاريخهم، وإعادة أمجادهم.

إجمالا..نسجد شاكرين للمولى جلت قدرته على إنقاذ بيته العتيق، وندعو الله العلي القدير أن ينقذ المسلمين في كل مكان وأن يحل عليهم الأمن والأمان والطمأنينة والسكينة، وأن تنتهي أخبارنا السيئة من صحف العالم، وأن نعيد النظرة الإيجابية للعرب والمسلمين التي أساء إليها الإرهابيون من كل حدب وصوب بحجة نشر الإسلام ولكن بطريقتهم الخاصة التي أساءت لنا ولديننا الحنيف.

كاتب ومحلل سياسي بحريني