افغانستان تئن من الفساد

الحدث الأربعاء ١٧/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م

كابول – ش

أكد الرئيس الأفغاني أشرف غني عزمه مكافحة الفساد في بلاده المضطربة.
وقال غاني في تصريحات لصحيفة "زود دويتشه تسايتونج" الألمانية الصادرة امس الثلاثاء: "لدينا نخبة كل همها النهب . لقد تم انتخابي لتغيير ذلك".
تجدر الإشارة إلى أن ملايين اليورو من أموال المساعدات تدفقت إلى أفغانستان منذ سقوط نظام طالبان عام 2001 والمهمة العسكرية الدولية اللاحقة له.
وذكر غاني أنه في الوقت الذي يعيش فيه 41% من السكان في أفغانستان تحت خط الفقر بدخل يقل عن 25ر1 دولار يوميا، يحقق مسؤولون فاسدون ثراء فاحشا، معتبرا عدم استفادة المعوزين الحقيقيين من الأموال الكثيرة التي تتدفق إلى أفغانستان "مأساة إنسانية".
وردا على سؤال حول شعوره تجاه رغبة العديد من الأفغان مغادرة بلدهم، قال غاني الذي تولى الرئاسة خلفا لحامد كرزاي في سبتمبر عام :2014 "إنه شعور رهيب".
وفي المقابل ذكر غاني أنه لا ينبغي في ظل أزمة اللاجئين تجاهل أن "مقابل كل أفغاني يغادر البلاد هناك مئات آخرين يريدون البقاء"، مضيفا أن من مهام حكومته منح الأمل وفتح آفاق مستقبلية للمواطنين للبقاء في أفغانستان.

جذور عميقة
تعاني أفغانستان من الفساد الذي يعرقل حتى اليوم مشروع إعادة بناء البلاد، بعد الإطاحة بتنظيم «طالبان» في العام 2001. إذ كشفت تقارير عدة تفاقم المشكلة، وظهر تردد المانحين في تقديم المساعدة بحجة أن «الفساد في الدولة له جذور عميقة».
وفي مارس الماضي، كشف تقرير للمفتش العام المختص ببرنامج «إعادة إعمار أفغانستان» (سيغار) جون سوبكو، عن إهدار 110 بلايين دولار أميركي خصصت لإعادة إعمار البلاد.
وبينما تخطط الولايات المتحدة لسحب قواتها بشكل نهائي من أفغانستان نهاية العام 2016، يظهر تقرير سوبكو أن عديد الجنود والشرطة الأفغانية وقدراتها عند انسحاب القوات الأميركية غير معروف بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأفغان، ما يضع أمن البلاد في خطر، على رغم أن الكونغرس خصص 60.7 بليون دولار خلال العقد الماضي لتجهيز الجيش الأفغاني وتدريبه ودفع رواتبه، وفق ما ذكرته «واشنطتن تايمز».
ولا تقتصر اوجه الفساد في أفغانستان على الاختلاس وتبييض الأموال، ففي نوفمبر من العام 2014 ، رفعت محكمة أفغانية أحكام السجن إلى 10 سنوات على مديرين تنفيذيين دينا بالتسبب في انهيار «بنك كابول» بعد اختلاس 900 مليون دولار. وعبر المانحون حينها عن غضبهم من اختفاء الأموال في جيوب المسؤولين، فيما لا تزال البلاد تعاني من الفقر والعنف، إذ منح البنك قروضاً لشركات وهمية، هربت الأموال في عملية معقدة لشراء منازل في بريطانيا ودبي وسويسرا والولايات المتحدة.
وحكم أيضاً على رئيس مجلس إدارة البنك السابق شير خان فارنود ومديره التنفيذي السابق خليل الله فيروزي بالسجن عشر سنوات بعد إدانتهما بتبييض الأموال والاختلاس. وأمر قاضي النيابة بالتحقيق في قائمة تضم حوالى 270 شخصاً متورطين في القضية.
وتعتبر أفغانستان مصدر 90 في المئة من الإنتاج العالمي لـ«الأفيون»، إذ ذكر سوبكو أنه «على رغم إنفاق قسم كبير من المساعدات الأميركية في عملية إبادة المخدرات، إلا أن البلاد لا تزال تنتج أكثر من 13 مليون طن من الأفيون».

تعهدات
في يونيو من العام 2014 تعهد اشرف غني، احد المتنافسين وقتها فى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بان يكافح الفساد فور انتخابه، مقرا بخيبة امل الولايات المتحدة بسبب سوء ادارة مساعداتها.

وعشية الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، تعهد المرشح الافغاني الذي كان يتحدث عبر سكايب امام مجموعة ابحاث في واشنطن، بتشكيل كونسورسيوم صغير مع الجهات المانحة الاكثر اهمية وبوضع الاصلاحات الاقتصادية الضرورية في الايام الثلاثين التالية لانتخابه.
واوضح هذا الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي امام مركز السياسة الوطنية ان الفساد "عار وطني" على افغانستان.
ومنحت الولايات المتحدة افغانستان حوالى 100 مليار دولار من المساعدات غير العسكرية منذ بدء الحرب التي اطلقت على هذا البلد اثر احداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
وتؤثر قضية الفساد كثيرا على العلاقات بين الولايات المتحدة وافغانستان حيث لا يكف المسؤولون الاميركيون عن مطالبة الرئيس حميد كرزاي بمزيد من الرقابة.
وفي سبتمبرالماضي،وبعد انتخابه ، قال الرئيس الأفغاني أشرف غني في افتتاح مؤتمر مانحين لإعادة إعمار بلاده أنه حقّق تقدماً في شأن تحديات بينها الأمن ومكافحة الفساد، وضمّ المؤتمر مندوبين عن المجتمع الدولي منهم منظمات غير حكومية تدعم الوضعين الاقتصادي والأمني والاجتماعي.
وقال غني أن حكومته شرعت في حملة على الفساد وثقافة الإفلات من العقاب، وأنها أصلحت الجمارك وزادت عائدات تحصيل الإيرادات، كما عزّزت بناء قدرات أفغانستان.
يذكر أنه في يوليو 2008، شكل الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي جهاز «مكافحة الفساد»، لكنه لم يقم بدوره بالشكل المطلوب، إذ تفاقمت مشكلة الفساد في البلاد بدل أن تقل.
وفي العام 2009، أورد تقرير لـ«هيئة الرقابة الأميركية في مشروع إعمار أفغانستان» أن «مؤسسة مكافحة الفساد الأفغانية ينقصها الأفراد والاستقلالية على المستوى التنظيمي والمالي كي تصبح جهازاً فاعلاً للمراقبة»

مذكرات
كثير من ضباط المخابرات الأمريكية بعد إعتزالهم العمل الرسمى، يتجهون إلى كتابة مذكراتهم ونشرها فى كتب، يحكون فيها أسرارا عن عملهم فى البلاد التى كانوا مسئولين فيها، وهذه الأسرار والمعلومات هى التى تدفع دور النشر للاهتمام بما يقدمونه من مؤلفات.
من هؤلاء الضباط، روبرت جرينر، الذى كان قد تقاعد من عمله فى المخابرات المركزية عام 2006، بعد أن أمضى فيها 27 عاما، وقد صدر له مؤخرا كتابه "88 يوما فى قندهار: مفكرة ضابط بالمخابرات المركزية".
يعتبر هذا الكتاب الرابع فى سلسلة مذكرات لضباط سابقين بالمخابرات المركزية، عملوا فى أفغانستان، ويتحدثون فيها عن أحداث وقعت أثناء الحرب هناك، وبالنسبة لجرينر، فهو يسجل فى مذكراته بالتفصيل والتواريخ، أحداثا كان مشاركا فيها بحكم منصبه القيادى فى أفغانستان، وروى ما كان يحدث فى كل إجتماع، وما دار فى كل مكالمة تليفونية، وكيف إرتبطت هذه الإجتماعات والمكالمات التليفونية، بأحداث وقعت فى أفغانستان.
ومن أهم المعلومات التى كشف عنها جرينر، أن ترشيح حامد كرزاى رئيسا لأفغانستان، كان من إختيار المخابرات المركزية، وأن جهاز المخابرات كان يدفع أموالا طائلة لزعماء القبائل الأفغانية مقابل المساعدة فى الأعمال العسكرية التى تقوم بها القوات الأمريكية هناك، ويشاركون معهم فى أعمال ضد تنظيم طالبان، وهو ما كان بداية لانتشار الفساد، نظرا لأن المال كان يدفع مقابل الولاء، وأن المخابرات الأمريكية كانت تغمض عينيها عن تصرفات أمراء الحرب وتجار السلاح، الذين كانوا يبتزون المواطنين العاديين ويحصلون منهم على أموال دون وجه حق، ومنها على سبيل المثال أنهم كانوا يفرضون رسوما على مرور سيارات المواطنين العاملين بالتجارة، ويستولون على الأموال لحسابهم وليس لحساب الدولة، وأن ذلك أيضا كان من أسباب انتشارالفساد بشكل كبير، وكان الغرض من هذا، بالنسبة للولايات المتحدة، أن يقف أمراء الحرب فى أفغانستان إلى جانبهم فى عملياتهم العسكرية.
وقد أدركت أمريكا فيما بعد، أن حركة طالبان هى التى كسبت من وراء هذا الفساد، لأنها إستفادت من غضب الشعب الأفغانى من إنتشار الفساد تحت سمع وبصر الحكومة والولايات المتحدة.
ويهتم جرينر فى فصل من كتابه المكون من 443 صفحة، بشرح أخطاء أمريكا فى أفغانستان، والتى تسببت فيها هذه الممارسات، التى لم تجعل موقف الشعب هناك يتحول بسهولة ضد الإرهابيين فى أفغانستان، والذين وجهوا غضبهم وكرههم إلى القوات الأمريكية.