مسقط - محمد البيباني
حقائق دامغة برهن عليها حادث الهجوم على مسجد فينسبري بارك بلندن ومخاوف جمة من تداعيات هذا النوع من الحوادث الإرهابية. «اقتل جميع المسلمين» صرخة عنصرية مدوية أطلقها دارين اوزبورن منفذ الهجوم على مجموعة من المصلين المسلمين بشاحنة شمالي بريطانيا، الذي أسفر عن مقتل شخص وإصابة 8 آخرين، ليل الأحد الاثنين.
كيف يمكن قراءة تداعيات انتشار هذا النوع من الحوادث الإرهابية في أوروبا ؟ وإلى أين قد يقود التحريض على الإسلام الذي قد لا يتحمل مسؤوليته اليمين المتطرف في بريطانيا والعالم فحسب، فللإعلام كذلك دور في تعبئة النفوس وتغذية الكراهية ونشر الإسلاموفوبيا. إذ سبق أن استغلت وسائل إعلام بريطانية عدة حوادث مشابهة لنشر عناوين على صفحاتها الأولى تظهر كل المسلمين البريطانيين بمظهر المتطرفين.
الإرهاب لا دين له
الجريمة الجديدة لم تكن جديدة في سياقها بل إنها جاءت في سياق اعتداءات أقل عنفا ودموية في أكثر من مدينة أوروبية، مثل التحرش بالسيدات المحجبات أو الإساءة إلى المساجد بإلقاء القاذورات عليها، وكذلك حوادث إجرامية متعددة تستهدف قتل مسلمين وعرب في أمريكا، وقد تواترت تلك العمليات في الفترة الأخيرة بصورة ملحوظة.
تأتي تلك الحوادث لكي تعيد التأكيد على عدد من الحقائق، أولها أن العنف والإرهاب لا دين لهما، ولا مذهب، ولا عقيدة، وأن الذين حاولوا إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين حصريا كانوا ظالمين ومتجاوزين للمنطق والحقيقة.
لماذا أشادوا بالهجوم؟
قالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إن التعليقات التي «مجدت» وأشادت بالهجوم على مسجد فينسبري بارك بلندن تم الإبلاغ عنها إلى نظام التحذير من الإرهاب في الحكومة البريطانية.
ووردت أنباء عن «تمجيد» الهجوم الإرهابي الذي وقع في فينسبري بارك على نظام الحكومة للإنذار بالإرهاب وسط مخاوف من وقوع المزيد من الفظائع.
وقالت امرأة فضلت عدم ذكر اسمها لـ «الإندبندنت» إنها اكتشفت مجموعة من الردود الخبيثة على صفحة مجموعة «بريطانيا أولا» على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك».
كما نشرت المجموعة اليمينية المتطرفة رابطا نشره رئيسها «بول جولدينج» في مدونته، يورد فيه خبر دهس رجل لمجموعة من المصلين وأن الرجل المشتبه به أعلن أنه يريد «قتل المسلمين».
وبررت التعليقات ما حدث في فينسبرى بارك، والتي وصفته الشرطة بأنه هجوم إرهابي. وكتب أحد المعلقين «لقد حان وقت ذلك، بل مضى وقت طويل حتى نبدأ الرد عليهم». بينما كتب آخر «المسلمون طلبوا ذلك وستنهال عليهم الهجمات».
كم تقدر أعداد اليمينيين؟
كشفت أيضا صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن أعداد اليمنيين المتطرفين المشتبه بهم في بريطانيا والذين تم الإبلاغ عنهم في إطار برنامج الحكومة الرئيسي لمكافحة الإرهاب ارتفع بنسبة 30 % العام الفائت. وأضافت الصحيفة أن ارتفاع عدد اليمينيين الكبير ظهر في حادث دهس المصلين في مسجد فينسبرى بلندن، والذي وصفته الشرطة بالإرهابي، وقد اعتقل المشتبه به دارين اسبورن البالغ من العمر 47 عاما وهو أب لأربعة أطفال من كارديف واعتقل للاشتباه في ارتكابه جرائم إرهابية ومحاولة القتل ولا يزال رهن الاعتقال. وأشارت «الإندبندنت» إلى أن برنامج «Prevent» أو «منع» الذي وضعته الحكومة البريطانية لمكافحة الإرهاب- ودافعت عنه تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا عندما كانت وزيرة للداخلية- تعرض للكثير من الانتقادات في الفترة الأخيرة وذلك لتركيزه بشكل غير متناسب مع ما يطلقون عليه «الإرهاب الإسلامي»، ولكن أقل من ثلث الأشخاص الذين يتم رصدهم في إطار البرنامج «يؤمنون بأيديولوجيات يمينية متطرفة وعرضة للتطرف، وفقا لأرقام وزارة الداخلية غير المنشورة.
لماذا ينحاز الإعلام؟
لم تكن هوية منفذ الهجوم على مسجد «فينسبري» كافية كي يصنفه الإعلام البريطاني بـ«هجوم إرهابي». الحيرة بدت واضحة في أخبار وعناوين عدد من وسائل الإعلام البريطانية. «بي بي سي» الإنجليزية، على سبيل المثال، عرضت تقريراً صباحياً عن «الغوص في أعماق البحار» لأنها لم تجد نفسها معنية بتغطية الحدث الذي لا يعد الأول من نوعه في بريطانيا، فقبل نحو شهر سبقه هجوم مماثل في «وستمنستر»، إلا أنه استهدف مارة وليس تجمعاً لمسلمين.
بضع ساعات مرت قبل أن يبدأ الإعلام بوضع الهجوم في خانة الإرهاب، عندها ناقش عدد من المتابعين نظريات كثيرة، أبرزها أن الضحايا مسلمون، ومن المستحيل أن «يهاجم مسلم مسجداً».
صحيفة «الديلي ميل» سارعت لتسليط الضوء على عرق المهاجم مستخدمةً العنوان التالي: «اعتقال رجل أبيض حليق الذقن من قبل الشرطة بعد اعتداء مسجد فينسبري»، ليصحح عدد من المغردين العنوان ساخرين من الصحيفة ومستبدلين عبارة «رجل أبيض حليق الذقن» بـ«إرهابي» ومشددين على أن الإرهاب لا دين له ولا عرق. على تويتر، استمر الانقسام لساعات مع تداول عبارة «هجوم إرهابي محتمل» قبل أن تصنف الحكومة البريطانية بشكل رسمي الهجوم في خانة الإرهاب:
كم عدد الحوادث التي
استهدفت مسلمين؟
أعلن مجلس مسلمي بريطانيا أنه يتوقع تعزيز الأمن «بشكل فوري». وأشار إلى أنه «خلال الأسابيع والأشهر الفائتة تحمل المسلمون الكثير من الحوادث المتعلقة برهاب الإسلام وكان هذا التعبير الأكثر عنفاً عنه حتى الآن». وتنامت الجرائم المناهضة للمسلمين بشكل كبير عقب اعتداء مرتبط بمتطرفين إسلاميين استهدف مارة على جسر «لندن بريدج» في الثالث من يونيو. وفي السادس من يونيو وحده، تم تسجيل 20 حادثة ضد المسلمين، مقارنة بمعدل يومي لـ3,5 حوادث في وقت سابق من العام الجاري. ودعا رئيس مؤسسة رمضان الإسلامية، محمد شفيق، «جميع الناس المحترمين إلى الوقوف معنا في وجه هذا العنف الشرير»، مضيفاً أن «رهاب الإسلام المتفشي يزداد منذ أعوام عدة».