المكتبة الوطنية الفرنسية تحتفظ بأول مطبوع عربي

مزاج الأربعاء ١٧/فبراير/٢٠١٦ ٢٢:٥٠ م
المكتبة الوطنية الفرنسية تحتفظ بأول مطبوع عربي

باريس - هدى الزين

تشكل المكتبة الوطنية في أي بلد مظهرا حضاريا يعكس ثقافة هذا البلد وتراثه، وترسم معالم تاريخه الوطني والحضاري، وتعتبر المكتبة الوطنية الفرنسية إحدى ثلاث مكتبات عرفت بمساهماتها في الحضارة الإنسانية إلى جانب المكتبة البريطانية ومكتبة الكونجرس وقد اتفقت هذه المكتبات فيما تقدمه للبحث العلمي والتراث الإنساني من خدمات وإن اختلفت في أدائها ومجموعاتها باختلاف ظروف نشأة كل منها.

وتعد المكتبة الوطنية الفرنسية واحدة من أعرق المكتبات الوطنية في فرنسا وأقدمها وهي الأهم في العالم حيث يمتد تاريخها عبر أكثر من ستة قرون وقد تعددت تسمياتها فعرفت في بداياتها باسم مكتبة الملك ثم المكتبة الملكية والإمبراطورية ثم المكتبة الأهلية وأخيرا أطلق عليها اسم المكتبة الوطنية الفرنسية.

وافتتحت المكتبة الوطنية الفرنسية في القرن الرابع عشر الميلادي، وكانت تدعى «مكتبة الملك» بعد أن أفسح شارل الخامس مكانا لها في قصر «اللوفر».
وقد تنقلت بين عدة مبان قبل أن تستقر، بجزئها الأكبر، في صرحها الحديث الحالي على الضفة اليسرى لنهر السين، في الدائرة الـ13 من العاصمة، وقد تم تدشينها عام 2004 وسميت باسم «مكتبة فرنسوا ميتران». إضافة إلى المكتبة الأساسية حيث تتوزع عدة فروع لها في ثمانية أماكن أُخرى تتوزع فيها مقتنياتها وتضم المكتبة الوطنية الفرنسية مجموعة ضخمة ومتميزة من الكتب المطبوعة سواء من الإنتاج الفكري الفرنسي أو باللغات الأجنبية الأخرى ومنها اللغة العربية.
وعندما يصل الزائر إلى المكتبة الوطنية الفرنسية أو كما تسمى مكتبة ميتران سينبهر بتصميمها المعماري الفريد الذي يمثل بأبراجه الأربعة شكل كتاب مفتوح.
وقد صممه المهندس الفرنسي (دومينيك بيرو) حيث أبدع في فن البناء المعماري المناسب للقيمة العظيمة للكتاب وبتشييد الحدائق المصممة على شكل غابة حقيقية تشابه إلى حد ما حديقة (لافونت بلو) الشهيرة في ضاحية باريس.
وقد خصص في بناء المكتبة المكون من أبراج حيث خصص البرج الأول للجغرافيا والتاريخ، والبرج الثاني للسياسة والقانون والاقتصاد، والثالث للعلوم العامة والتقنية، والرابع للفنون والآداب، ويضم قسم الآداب والفنون أربع قاعات كبرى تغطي اللغات والآداب والفنون وتاريخ صنع الكتاب والقراءة والصحافة بجميع اللغات الحية واللغات الكلاسيكية كاليونانية واللاتينية. وأقسام العلوم الإنسانية.
وهناك قسم للكتب الثمينة النادرة ضم نحو 200 ألف مجلد اختيرت لقيمتها وندرتها من جميع الحقب الحضارية وما يميز المكتبة الوطنية الفرنسية أنها تحتوي على كم من الكتب العربية الحديثة والقديمة تعتبر مرجـــــــــعا مهما للبـــــــــاحثين والمؤلفين.
غير أن المكتبة لا تضم المطبوعات فقط من كتب ودوريات وصحف، وإنما أيضا المخطوطات والخرائط والرسوم والصور الفوتوغرافية والقطع الموسيقية والأقراص والأشرطة المسجلة والعملات والميداليات ونماذج الملابس وديكور المسرح.
وتتوزع الـ14 مليون كتاب إلى 250 ألف مخطوط، و360 ألف عنوان دورية، وحوالي 800 ألف خريطة ومخطط، ومليوني قطعة موسيقية ومليون وثيقة صوتية وعدة عشرات الآلاف من الفيديوهات والصور والوسائط المتعددة، و 530 ألفا بين عملات وميداليات.
كما جمعت المكتبة الوطنية أمهات الكتب العربية خلال أربعة قرون منذ القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر والتي بلغت 944 في الفترة من 1514 وهو تاريخ أقدم وأول كتاب عربي مطبوع في العالم وتقتنيه المكتبة.
ويوجد في المكتبة الوطنية الفرنسية 250 ألف مخطوطة بلغات مختلفة ومنها مخطوطات نادرة باللغة العربية وعلى عدد كبير من الكتب والمخطوطات العربية حيث تم جمع المخطوطات العربية منذ عدة قرون عن طريق التجار والرحالة والدبلوماسيين الفرنسيين في البلاد العربية والإسلامية، وتعود أوائل تلك المخطوطات إلى عهد فرانسوا الأول حيث أرسل مبعوثين إلى إيطاليا وإلى البلاد العربية لاقتناء الكتب والمخطوطات العربية والعبرية وفيما بين عامي 1671 و1675 تمكن المبشر الدومينيكاني (ميشال فنسلاب) لوحده من أن يجلب 630 مخطوطا من الشرق ثم تزايد عدد تلك المخطوطات خاصة خلال فترة الاستعمار الفرنسي والتي جلبت من عدد من البلدان العربية،
لذلك تعتبر المكتبة الوطنية مرجعا مهما للباحثين والدارسين العرب والأوروبيين حيث يجدون على رفوفها النادر والنفيس من الكتب النادرة من التراث العربي والإسلامي والتي تشمل الأدب والطب والفلسفة والعلوم والفلك ونسخا نادرة للقرآن الكريم، وهي واحدة من أبرز المكتبات العالمية التي تضم تراثا عالميا من الكتب ومن المخطوطات النادرة.
وتقول ماري جنفياف غوسدون أمينة قسم الوثائق والمخطوطات العربية في المكتبة الوطنية أن المكتبة أصبحت تضم كتبا من التراث العربي النفيس يصل عدده إلى 125 ألف مخطوط إسلامي وعربي، يتمثل في أكثر من 70 ألف كتاب عربي وتحديدا 73.214، سواء كان كتاباً لغته بالكامل اللغة العربية، أو كان متعدد اللغات، والعربية منها ثلاث مخطوطات لمقامات الحريري محفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية، تلفت الاهتمام نظراً لجودة رسوماتها. أقدمُها مخطوطة مُؤرَّخة بسنة 1222 ذات أصل سوري. وهي مُتأثِّرة بنمنمات وزخرفات من الفن البيزنطي. ومن أهم المخطوطات التي تقتنيها المكتبة الوطنية بباريس نسخة من كتاب “مقامات الحريري” أقدم كتاب أدبي عربي للقصص القصيرة وهي تعرف باسم ناسخها ومــــــصورها “يحيى بن محمود الواسطي”.
كما أن المكتبة تقتني أول كتاب عربي مطبوع في العالم وهو كتاب (صلاة السواعي) المطبوع بمدينة فانو بإيطاليا عام 1514 وأول مطبوع عربي ظهر في ألمانيا عام 1583 وهو كتاب (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطة) وتقتني المكتبة أول كتاب طبعته لبنان في دير يوحنا الصابغ بالشوير عام 1734 وهو (ميزان الزمن وقسطاس أبدية الإنسان).
تصنيف المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية بحسب مراحلها الزمنية
وقامت المكتبة الوطنية بتصنيف هذه المخطوطات حسب مراحل زمنية مختلفة:

الأولى: من القرن الثامن الميلادي الذي شهد دخول العرب إلى الأندلس إلى نهاية القرن الحادي عشر للميلاد.‏
المرحلة الثانية: تشمل القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين وفيها استفاد الفرنسيون من التراث العلمي العربي في ترجماته اللاتينية، وفي هذه المرحلة نشطت الترجمة في مدينة طليطلة بإسبانيا وفي بعض مدن إيطاليا.‏

المرحلة الثالثة: تمتد من بداية القرن الرابع عشر الميلادي إلى نهاية الربع الثالث من القرن السابع عشر ونشهد في هذه الفترة تقدماً ملحوظاً في جمع المخطوطات العربية.‏
المرحلة الرابعة: وتمتد من بداية النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي إلى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 ومنذ هذه الفترة تم البدء بتلقي المخطوطات المشتراة من بلدان المشرق العربي وفي العام 1738 أصبح العدد الإجمالي للمـــــــــخطوطات الــــــــعربية 1683 مخطوطة.‏
المرحلة الخامسة: تبدأ مع قيام الثورة الفرنسية 1789 وهي السنة التي بدأ فيها نشر فهرس دوسلان للمخطوطات العربية في المكتبة الوطنية بباريس أي سنة 1883.
والمرحلة السادسة: وتمتد من سنة 1883 إلى سنة 1975 وفيها أضافت فرنسا مجموعات جديدة من المخطوطات العربية وخاصة بعد احتلالها تونس 1882، ثم المغرب 1914، ثم سوريا 1920.‏

ويزيد عدد المخطوطات العربية اليوم في المكتبات الفرنسية المختلفة على (7000) مخطوطة يعود تاريخ نسخها إلى عصور تاريخية مختلفة ومنها يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي قبل انتشار الطباعة والمطابع في البلدان العربية على وجه العموم.
وتقيم المكتبة الوطنية الفرنسية معارض في مناسبات ثقافية تتعلق بالعرب والمسلمين مثل معرض للزخرفات والمنمنمات التي اشتهرت بها المخطوطات العربية القديمة تحت عنوان زخرفات ومنـــــــــمنمات في أرض الإسلام.